نوال مصطفى
نوال مصطفى


يوميات الأخبار

فى انتظار بابا نويل!

نوال مصطفى

الثلاثاء، 27 ديسمبر 2022 - 06:33 م

«الحياة مجموعة من الأحلام الصغيرة، النجاحات الحقيقية، الفرحة من القلب، الضحكة الصافية، العطاء الجميل الذى يعود إليك فى هدايا ومنح ربانية لا تدرى كيف جاءت!»

لحظة كونية عجيبة يلتقى فيها عامان، تمتد يد أحدهما، وهو يحمل حقيبته استعدادا للرحيل، لتصافح يد الآخر الذى يخطو بسعادة وخفة، فرحًا ومزهوًا بكونه القادم، المتصدرللمشهد الآن، وسوف يقود سيارة الزمن لمدة 365 ابتداء من يوم الأحد القادم الأول من يناير 2023.

النهايات فى تلك اللحظة تلامس البدايات، الحزن يستدعى الفرح، اليأس يتشبث بالأمل، الدموع تنادى الابتسامات. فى تلك اللحظات الخاصة التى نودع فيها عامًا انقضى من أعمارنا و نستقبل عاما جديدا كثيرا ما نتساءل: هل حققنا ما كتبناه فى الصفحة الأولى من نتيجة عام 2022؟ كم حلما تحقق وكم لم نستطع تحقيقه؟ هل كان عامًا كريمًا، رحيمًا بنا؟ كم عدد الأحباء الذين فقدناهم بالجسد، وازداد حضورهم فى قلوبنا رغم الغياب؟ أسئلة كثيرة تغمر تفكيرنا، ومشاعرنا فى هذه اللحظات التى يتقاطع فيها الزمن. أسئلة فى معظمها يشير إلى وقفات خاصة جدا مع النفس، تجسد حوارا داخليا عميقا عن جدوى وجودنا، ومعنى رحلتنا على هذه الأرض التى تستحق الحياة، كما قال شاعرنا القدير محمود درويش.

أحب أن أكتب تمنياتى وأحلامى فى اليوم الأخير من السنة التى تتأهب للرحيل، أحاول أن أسير فى طريق أهدافى، أحقق بعضها، ولا أتمكن من تحقيق البعض الآخر، لكننى سعيدة بهذا الطقس السنوى الذى أمارسه فى نفس التوقيت من كل عام، اعتبره جزءا من احتفالات رأس السنة، يضفى على نفسى موجات من البهجة، يشعرنى أن الحياة مجموعة من الأحلام الصغيرة، النجاحات الحقيقية، الفرحة من القلب، الضحكة الصافية، العطاء الجميل الذى يعود إليك فى هدايا ومنح ربانية لا تدرى كيف جاءت، «لو بطلنا نحلم نموت» أغنية محمد منير، أحبها، أشعر أننى كتبت كلماتها، لحنتها، وقمت بغنائها. إنها أغنية تمثلنى، وتعبر عن تركيبتى الإنسانية، أنا إنسانة تؤمن بالأحلام المشحونة بالأمل، المسنودة بالإرادة الحديدية، والعمل الجاد المخلص، أتذكر جملة رائعة للأديب العالمى «باولو كويلهو» : لو حلمت بشيء بتركيز وإخلاص، فسوف يتواطأ العالم كله معك لتحقيق حلمك.

أشجار الكريسماس الملونة، المزينة بأجمل التصاميم، المحال تتفنن فى ابتكار أشكال، وصنع ديكور مختلف من الأشجار والغزلان، وبابا نويل يجهز شنطته الكبيرة المليئة بالهدايا، ليذهب بها إلى الأطفال النيام ليلة رأس السنة ليضع هدية على سرير كل منهم. حكايات جميلة وملهمة تربى عليها خيالنا، وظلت حاضرة فى ذاكرتنا. كبرنا وما زلنا ننتظر بابا نويل، ونتخيل دخوله علينا بشنطته الكبيرة، وهداياه الأسطورية، ونفرح. لا يفرق معنا إن كان ذلك حقيقة أم خيالا.

كل سنة ونحن جميعًا طيبون.

شحنة الأمل

يحدث لي ذلك فى كل لقاء يجمعنى بهن، يفاجئنى شلال المشاعر الجارفة ينطلق من قلوب قاست، وتعبت، لكنها، ورغم كل ذلك لم تستسلم لليأس، بل استجابت لأول إشارة أمل لاحت فى الأفق. إنهن فى عينى ويقينى «بطلات» ينجحن فى إثارة إعجابى وتأملى، بل إنهن وبلا أى مبالغة الطاقة التى استمد منها قوتى على الاستمرار فى رسالتى. كثيرا ما أصارحهن بتلك الحقيقة.

يوم الثلاثاء الماضى كان موعدنا، احتفلنا بتخريج أول دفعة من المتدربات على حرفة الخياطة والتطريز من خلال مشروع «فينكس»، أحد مشروعات جمعية «أطفال السجينات» التى نتشارك فى انجازه مع مؤسسة «أشوكا للإبداع الاجتماعى». فى هذا اليوم الجميل استمعت إليهن ورأيت انتاجهن الذى أسفرت عنه جلسات التدريب.

لم أصدق أن هذا الشغل الجميل هو من إنتاج بطلاتى الحبيبات، ملاءات سرير و أكياس مخدات، مصنوعة باتقان وذوق رفيع، ومطوية بعد كيّها بشكل احترافى كأنها قادمة من أفخم محلات المفروشات. قدمن لى كذلك «جاكت» جميلا مصنوعا بأيديهن هدية، فرحت به كما لم أفرح من قبل، فها هى السيدات الجميلات، اللاتى ساندت خطواتهن، ودافعت عن حقهن فى أن نمنحهن فرصة أخرى للحياة، ينجحن، بل ويبهرننى بكلمات مشحونة بالقوة والأمل.

قلت لهن يومها: لا تشكرننى، أنا المدينة لكل واحدة منكن بسعادتى، أنتن تشحن خلايا تفكيرى، وتفتحن مسام مشاعرى لأكون إنسانة أفضل. وما تقدمنه من تحديات وانجازات يمنحنى الفرحة ويؤكد لى أن مشوار عمرى الذى أخلصت خلاله فى أن أكون صوتا مسموعا لقضيتكن العادلة، لم يضع سدى.

شكرًا لكل من عمل فى هذا المشروع من جمعية أطفال السجينات بقيادة مديرة المشروع «لمياء مجدى»، ومؤسسة أشوكا ومديرتها الإقليمية دكتورة إيمان بيبرس المساندة دوما لقضيتى ومشوارى، و مديرة المشروع من مؤسسة أشوكا «جينى»، الشكر كذلك للشركة المحترمة التى قامت بالتدريب «بوتون آب» والمدربة القديرة الأستاذة «غدير».

تمكين هؤلاء السيدات هو مفتاح الحل لكل مشاكلهن، وهو باب الأمل والرزق الحلال الذى يسدل الستار إن شاء الله على ظاهرة استغلال حاجة النساء، وتوريطهن فى التوقيع على بياض، هذا الفخ الكئيب الذى يدبره أشخاص بلا ضمير، والذى تكون نهايته التعثر، ثم السجن.

طريق الألف ميل يبدأ بخطوة، وقد قطعنا خطوات كثيرة بفضل الله، والجهود المخلصة لأشخاص آمنوا بجدية سعينا إلى حلول جذرية، وواقعية تحمى نساءنا البسيطات من هذا النفق المظلم الذى يعرضهن للسجن، الذى يدفع ثمنه أطفالهن الأبرياء، من تشرد إلى وصمة اجتماعية من الصعب محوها. خلال مشروع «فينيكس» سوف ندرب ونقيم مشروعات صغيرة لخمسين سيدة من حقهن أن يبدأن حياتهن من جديد. وها هى البشاير تنبئ عن الكثير من النجاح والأمل فى أن تغيير حياة البشر ممكن . أسعدتننى يا خريجات الدفعة الأولى من مشروعنا الطموح.

جائزة الشيخة سبيكة

مكالمة مفاجئة تلقيتها من جوزفين منسقة المشروعات بهيئة الأمم المتحدة للمرأة مكتب القاهرة، سألتنى جوزفين بشكل مباشر: هل سوف تكونين متاحة للسفر إلى دولة البحرين يوم 26 نوفمبر لحضور احتفالية جائزة الشيخة سبيكة لتمكين المرأة؟ سألتها بدهشة: وهل أنا مدعوة للتحدث عن تجربتى ومشوارى فى قضية «سجينات الفقر وأطفالهن؟» فقالت لى: لا أنت مدعوة باعتبارك واحدة من المرشحات للفوز بالجائزة. قلت لها: يعنى فزت أم مجرد ترشيح؟ قالت لى: لا أستطيع أن أجزم بشيء الآن، فقط أنت مرشحة.

سافرت إلى البحرين محملة بالترقب الحذر، فالمسالة لا تزال مجرد توقعات قد تصيب، وقد لا. جلست فى حفل إعلان جوائز المسابقة، تعرفت على أعضاء لجنة التحكيم وفوجئت أن كلا منهم شخصية بارزة و مرموقة فى بلده، وأن دولة البحرين اختارت أن تكون تلك اللجنة لها طابع دولى، حيث إن الجائزة نفسها دولية، هدفها تشجيع ودعم النساء اللاتى يقمن بدور مهم ومخلص لخدمة قضايا تمكين المرأة فى بلادهن للتغلب على الفقر بحلول مبتكرة، الفائزات الأربعة من دول العالم المختلفة. كانت هذه هى الدورة الثانية من «جائزة الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة العالمية لتمكين المرأة» بتعاون مشترك بين مملكة البحرين والأمم المتحدة، أما دورتها الأولى فانطلقت فى يونيو 2021. وترأست لجنة التحكيم الدكتورة سيما سامى بحوث وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والمديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة. وتضم لجنة التحكيم وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والمديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، الشيخة هيا راشد آل خليفة، الشريكة الرئيسية والمؤسسة لشركة هيا راشد آل خليفة للمحاماة، الدكتورة ودودة بدران، عميدة كلية ادارة الأعمال والاقتصاد والعلوم السياسية بالجامعة البريطانية فى مصر، ماريكا بولسون، مديرة معهد التحكيم الدولى بجامعة ميامى ومُحاضِرة فى القانون، أنطونيو باتريوتا، سفير البرازيل فى مصر ووزير العلاقات الخارجية السابق، محمد الناصري، المدير الإقليمى لهيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة فى منطقتى آسيا والمحيط الهادئ، سوزان ميخائيل، المديرة الإقليمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة للدول العربية.

وجاءت لحظة إعلان النتيجة لأسمع اسمى بين الفائزات الأربعة: أعلن مذيع الحفل الخبر قائلا: الأديبة المصرية، نوال مصطفى، مؤسسة جمعية أطفال السجينات، بجائزة الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة العالمية لتمكين المرأة، وذلك لدورها البارز فى تمكين سجينات الفقر وأطفالهن. ودأبها وإخلاصها على مدى سنوات طوال فى رعاية هؤلاء اللاتى كتب عليهن أن يقضين سنوات من أعمارهن وراء القضبان وداخل الزنازين من دون جريمة ارتكبوها إلا الفقر والتعثر. ونجحت فى أن تلفت أنظار المجتمع إلى هذه القضية الخطيرة بعد حملة صحفية كبيرة نشرتها على صفحات جريدة الأخبار، ثم بتبنيها للقضية، وبحثها عن حلول واقعية لها.

دمعت عيناى وأنا أستعيد شريطا طويلا من الذكريات، الأحداث، والمعارك، الانجازات والاحباطات التى كان من الممكن أن تجعلنى أتوقف، ولا أكمل المشوار. شكرت الله الذى لا يضيع عنده عمل مخلص، صادق، وانطلقت أحلامى بمزيد من الخطوات التى أريد أن أحققها لهن ولأطفالهن فى المستقبل، تأمين صحى للسجينات الفقيرات المفرج عنهن، تمكين ثقافى ومعرفى بمحو أمية من لا تقرأ ولا تكتب، مسابقات ثقافية نرفع من خلالها مستوى الوعى لديهن لتكون الثقافة والعلم هما السلاح الحقيقى فى أيديهن إلى جانب الحرفة وباب الرزق.

شردت فيما تحقق حتى الآن ورفعت رأسى للسماء شاكرة حامدة لفضل الله الذى قدرنى ومنحنى القدرة على إنجاز كل هذا: منذ أطلقت سراح «أميمة» أول غارمة من السجون المصرية عام 2007 مرورًا بفك كرب قرابة 5 آلاف سجينة فقر، وسداد ديون 8 آلاف غارمة، وتدشين ورشتين لتعليم الحرف اليدوية والخياطة بسجنى القناطر بالقليوبية، ودمنهور بمحافظة البحيرة، وحاضنة أعمال لاستقبال هؤلاء السيدات بعد انقضاء فترة العقوبة حتى يجدن مصدراً للدخل.

كما نجحنا فى تدريب 6 آلاف سيدة على الحرف اليدوية، وتشغيل 2000 سيدة، وتأسيس أكثر من 650 مشروعا صغيرا، بالإضافة إلى تقديم المساعدات العينية والطبية والغذائية لـ30 ألف طفل داخل وخارج سجون النساء. ودشنا «مركز إبداع الطفل» لتأهيلهم وتطوير مهاراتهم واكتشاف مواهبهم، تدرب فيه أكثر من 500 طفل.

لقد كانت الجائزة مكافأة ربانية لم أتوقعها، أو انتظرها، كما كانت دفعة قوية لتحقيق المزيد من الأحلام التى لم تتوقف يوما فى قلبى تجاه هؤلاء البطلات وأطفالهن الأبرياء الذين أضاءوا حياتى بنور سماوى مدهش، وجعلوا لحياتى معنى حقيقياً أتشبث به.

 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة