الشيخ محمد متولي الشعراوي
الشيخ محمد متولي الشعراوي


خواطر الامام الشعراوي : اطلب جزاء الخير من الله

الأخبار

الخميس، 29 ديسمبر 2022 - 08:27 م

يواصل الإمام الشعراوى خواطره حول سورة البقرة مستكملا شرح الآية 215: «يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ» بقوله:» إذن فمعنى (نفقت السوق) أى ذهبت كل البضائع كما تذهب الحياة من الدابة، فعندما نقول: نفقت الدابة، أى ماتت. وأوجه الإنفاق بينها سبحانه فى قوله: «فَلِلْوَالِدَيْنِ والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل». فهل كل يتيم محتاج؟

ربما يكون اليتيم قد ورث المال لكن علينا أن نفهم أن المسألة ليست هى سد حاجة محتاج فقط، ولكنها الوقوف بجانب ضعيف فى أى زاوية من زوايا الضعف؛ لأن الطفل عندما يكون يتيماً ولديه ماله، ثم يراك تعطف عليه فهو يشعر أن أباه لم يمت؛ لأن أبوته باقية فى إخوانه المؤمنين، وبعد ذلك لا يشب على الحسد لأولاد آباؤهم موجودون.

ولكن حين يرى اليتيم كل أب مشغولا بأبنائه عن أيتام مات أبوهم، هنا يظهر فيه الحقد، وتتربى فيه غريزة الاعتراض على القدر، فيقول (لماذا أكون أنا الذى مات والدي؟)، ولكن حين يرى الناس جميعا آباءه، ويصلونه بالبسمة والود والترحاب والمعونة فلسوف يشعر أن من له أب واحد يتركه الناس اعتماداً على وجود أبيه.

ولكن حينما يموت أبوه فإن الناس تلتفت إليه بالمودة والمحبة، ويترتب على ذلك أن تشيع المحبة فى المجتمع الإسلامى والألفة والرضا بقدر الله، ولا يعترض أحد على وفاة أبيه، فإن كان القدر قد أخذ أباه فقد ترك له آباء متعددين.


ولو علم الذين يرفضون المودة والعطف على اليتيم لأن والده ترك له ما يكفيه، لو علموا ما يترتب على هذا التعاطف من نفع معنوى لتنافسوا على التعاطف معه؛ فليست المسألة مسألة حاجة مادية، وإنما هى حاجة معنوية.


وأنا أقول دائما: يجب أن نربى فى الناشئة أن الله لا يأخذ أحداً من خلقه وفى الأرض حاجة إليه؛ وارقبوا هذا الأمر فيمن حولكم تجدوا واحداً وقد تُوفى وترك أولاداً صغاراً فيحزن أهله ومعارفه؛ لأنه ترك أولاده صغاراً، وينسون الأمر من بعد ذلك.

وتمر فترة من الزمن ويفاجأ الناس بأن أولاد ذلك الرجل قد صاروا سادة الحي، وكأن والدهم كان محبسا على رزقهم، فحينما انتهى الأب فتح الله على الأبناء صنابير الرزق، وذلك حتى لا يُفتَن إنسان فى سبب.


وبعد الإنفاق على اليتامى نجد الإنفاق على المساكين وابن السبيل، وقد عرفنا أن المسكين هو المحتاج وابن السبيل هو المنقطع عن أهله وماله، ويختم الحق هذه الآية بقوله: «وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ».

وإن الله يريد أن يرد الطبع البشرى إلى قضية هي: إياك أن تطلب جزاء الخير الذى تفعله مع هؤلاء من أحد من الخلق، ولكن اطلبه من الله، وإياك أن تحاول أن يعلم الناس عنك أنك مُنْفِق على الأقارب واليتامى وابن السبيل؛ لأن الذين تريدهم أن يعلموا لا يقدرون لك على جزاء، وعلمهم لن يزيدك شيئا.

وحسبك أَنْ يعلم الله الذى أعطاك، والذى أعطيت مما استخلفك فيه ابتغاء مرضاته. فحين ينفق الناس لمرضاة الناس، يلقون من بعد ذلك النكران والجحود فيكون من أعطى قد خسر ما أنفق، واستبقى الشر ممن أنفقه عليهم.


ولو أن الإنسان المسلم قصد بالإنفاق وعمل الخير مرضاة الخالق الأعلى عز وجل لاستبقى ما أنفق من حسنات وثواب ليوم القيامة، ولسخر الله له قلوب من تصدق عليهم بالمحبة والوفاء بالمعروف.

وهذه عدالة من الله تتجلى فى أنه يفعل مع المرائين ذلك؛ لأنهم يعطون وفى بالهم أنهم أعطوا له، ولو أعطوا الله لما أنكر الآخذ جميل العطاء. أنت أعطيته لمرضاته هو، فكأن الله يقول لك: سأتركك له ليجازيك ولهذا كان المتصدق فى السر من السبعة الذين يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله فمنهم: (...ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه).

وهذا هو الأفضل فى صدقة التطوع، وأما الزكاة الواجبة فإعلانها أفضل، وكذلك الحال بالنسبة للصلاة فالفريضة تكون إعلانها أفضل، والنافلة يكون إسرارها أفضل. لكن لو عملت وفى بالك الله فستجد أثر العطاء وفى وفاء من أخذ. فإياك أن تحاول ولو من طرف خفيّ أن يعلم الناس أنكم تفعلون الخير.

اقرأ ايضًا | البحوث الإسلامية: نظرة التشريع الإسلامي تدعو لتغليب صالح الجماعة على الفرد    

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة