أسامة عجاج
أسامة عجاج


أسامة عجاج يكتب: مجتمع الميم

أسامة عجاج

الخميس، 05 يناير 2023 - 06:03 م

إنه عالم مجنون حقا، يعاني من أزمات بعضها مستعصي علي الحل، حروب، مجاعات، أطفال يموتون من الجوع، فقر، وأجندته طوال الأسابيع الماضية، حقوق المثليين.

يخرج التعريف العام لمفرد (مجتمع الميم)، من الإشارة إلى المثليين والمثليات، إلى الإطار العام، ليعبر عن المتحولين جنسيا، والنشطاء والجمعيات الداعمة لهم، والتى تمارس حالة من الضغوط على أكثر من مستوي، للاعتراف بحقوقهم، وتثير الأزمة العديد من التساؤلات التى تطرح نفسها بشدة، وتزداد مع زيادة الاهتمام بالظاهرة، ومن ذلك هل للمثلية علاقة بالتكوين البيولوجى للإنسان؟ حقيقة الأمر، أن الأبحاث العلمية أثبتت عدم وجود أى جينات وراء ذلك، مما يستدعى موقفا صريحا من منظمة الصحة العالمية، حول اعتبار المثلية مرضا مثل أى مرض، يمكن علاجه، وهو ما نشك فى قدرة المنظمة على فعله، مع اتجاه كثير من الدول الكبرى ذات التأثير فى قراراتها، إلى الاعتراف بزواج المثليين، والتعامل معها على أنها من بين المنظومة الخاصة بحقوق الإنسان، نقطة أخرى هل يمكن النظر إلى الظاهرة، والضغوط التى تتعرض لها العديد من الدول، التى ترفض الاعتراف بهم، وبحقوقهم وفقا لنظرية (صراع الحضارات)، والتى كشف عنها الأمريكى صامويل هتننجون فى كتابه الذى حمل نفس الاسم؟ لا أعتقد، فالظاهرة تتعدى هذا البعد، لتشمل دولا وشعوبا من الغرب والشرق والجنوب، وتتجاوز حتى فكرة الأديان للأسف الشديد، مثلا آخر من تولى منصب كبير من المثليين،والذين أعلنوا عن أنفسهم، هو رئيس الكنيست الإسرائيلى أمير أوحانا من حزب الليكود بزعامة نتنياهو، والغريب أن عددا من النواب الأرثوذكس المتشددين صوتوا لصالحه، رغم أنهم منذ سبع سنوات رفضوا حضور جلسة أدائه اليمين كعضو فى البرلمان الإسرائيلي، وفى نفس الإطار وقع الرئيس الأمريكى جون بايدن فى الشهر الماضى على قانون يمنح الحماية الفيدرالية للزواج من نفس النوع، والذى ألغى نصا سبق أن أقره الكونجرس فى تعريف الزواج، بأنه اتحاد بين رجل وامرأة حصرا، بينما التعديل الجديد يمنع موظفى السجل المدني، من أى تمييز حيال الأزواج بسبب الجنس أو العرق أو الاثنية أو الاصل، وحظى بموافقة كل الأعضاء الديمقراطيين وتحفظ من بعض الجمهوريين.

التأثيم والإدانة
دعونا نقر حقيقة مهمة، وبديهية، هى أن أحد المشتركات بين الدين الإسلامى والرسالات السماوية الأخرى المسيحية واليهودية، هو تأثيم المثلية وبنصوص قاطعة، لدرجة أن قصة قوم لوط مذكورة فى القرآن الكريم وفى التوراة، حيث قال فى محكم التنزيل فى القرآن الكريم: (وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِى كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ) -الأنبياء الآية 74، وقال تعالى: (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ* فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ) 74 الحجر، وقال تعالى: (إِنَّ الّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِى الّذِينَ آمَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى الدُّنْيَا وَالاَخِرَةِ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)[النور:19].وقد ذكرت فى العهد القديم قصة هلاك مدينتى سدوم وعمورة، بسبب خطايا أهلها، ومنها سلوكهم المثلي، (كما هو واضح فى سفر التكوين، الإصحاح 19)، إذ دمرها وأحرقها الله بالكامل، وجعل السماء تمطر ناراً وكبريتا، بسبب عدم توبتهم عن خطاياهم. وبالطبع لا تختلف المسيحية، وتتعامل معها على أنها فاحشة وإهانة للأنثى، مليئة بالإثم والزنا والشر والطمع والخبث، كما ذكر بولس الرسول. وفى عدة أماكن فى الكتاب المقدس يذكر أنَّ العقوبة هى القتل. ويضيف (أن الذين يمارسون المثلية الجنسية لا يرثون ولا يدخلون ملكوت الله، أى الجنة حسب المعتقد المسيحي، ويقول السيد المسيح: «من بدء الخليقة ذكرا وأنثى خلقهما الله، من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته» (آنجيل مرقس 7,6:10). وكما ورد أيضا فى (إنجيل متى 19: 4-6) .

نظرة مختلفة
تختلف مواقف دول العالم تجاه قضية التعامل مع المثليين بصورة قد تكون جذرية، ما بين حماية حقوقهم، وتأثيم أفعالهم وتجريمها بالقانون، فهناك حوالى ثمانين دولة تعتبرها جريمة، وتفرض عقوبات تتراوح بين السجن والإعدام، والأخير منصوص عليه فى خمس دول على الأقل، وغالبيتها فى العالم الإسلامي، مثل السعودية واليمن وأفغانستان وإيران، بينما تكتفى بعقوبة السجن دول أخري، منها تونس والمغرب وباكستان وبنجلاديش وماليزيا ونيجيريا وغانا، حيث أنزلت الحكومة العديد من العقوبات على المشاركين من رعاياها الذين يشاركون فى علاقات مثلية الجنس، ويتعرض للسجن اذا تم ضبطه بممارسة ذلك، وعلى العكس من ذلك –وللاسف الشديد- فإن قضية حرية المثليين تكتسب أرضا جديدة فى دول عدة، حيث تعترف بعض الدول قانونا بزواج المثليين مثل أمريكا وبلجيكا وإسبانيا، والنرويج والسويد وعدد آخر من الدول الأوروبية، هولندا هى أول بلد تعترف بهذا الزواج فى عام ٢٠٠١، ولحقتها بلجيكا وكذلك أستراليا ونيوزيلندا، وفى آسيا، الهند وكذلك تايوان، وهناك جنوب أفريقيا وهى الدولة الوحيدة التى لها نفس الموقف، وكان ذلك عام ٢٠٠٦، ويذكر فى هذا الشأن أن الرئيس بايدن كان قد عين جيسيكا ستيرن مبعوثة خاصة لوزارة الخارجية الأمريكية لتعزيز حقوق مجتمع المثليين، بالتزامن مع احتفال البيت الأبيض بشهر (الفخر) الخاص بهم كما يسمونه، خلفا لراندى برى الدبلوماسى المثلي، الذى بدأ عمله فى فبراير ٢٠١٥ وهو أب لطفلين وتبدو روسيا على النقيض تماما، ففى نوفمبر الماضى اعتمد مجلس الدوما (البرلمان) الروسي، قانونا يحظر الدعاية للمثليين ومزدوجى الميل الجنسى والتأثير على الهوية الجنسية للأطفال، وتغيير نوع الجنس، وشددت العقوبة على الترويج للاعتداءات الجنسية للأطفال، فروسيا من هذه الزاوية تبدو دولة محافظة، ووفقا لاستطلاعات الرأي، هناك أغلبية من الشعب تعارض تقبل المثلية، ويعود ذلك إلى أن أكثر من ٤٠ بالمائة يتبعون الكنسية الروسية الأرثوذكسية.

أزمات سياسية
والوقائع خلال السنوات الأخيرة فقط، تكشف عن أن أزمة الوزيرة الألمانية أثناء كأس العالم ورفعها لشعار المثلية أثناء حضورها إحدى مباريات فريقها، الوحيدة التى تسبب فيها، محاولة فرض دول الغرب، لرؤيتها على غيرها من الدول التى تجرمها، ولكنها تعددت، ونتوقف عند بعض النماذج:

فى إندونيسيا، شهدت العلاقات مع واشنطن ديسمبر الماضي، أزمة بعد بيان للسفير الأمريكى انتقد إقرار قانون جديد يحظر ممارسة الجنس بين شريكين غير المتزوجين، وكذلك الزواج من نفس الجنس، وحذر السفير بأن القانون سيكون له تأثير سلبى على مناخ الاستثمار فى إندونيسيا، داعيا سلطات البلاد إلى احترام حقوق المثليين والمثليات، ومجتمع الميم بشكل عام، حيث رد عليه رئيس مجلس العلماء فى إندونيسيا أنور عباس، داعيا إلى إرسال السفير واستثمارات بلاده إلى الجحيم، إذا استمرت امريكا فى فرض مواقفها ووجهات نظرها، وعلى نفس الصعيد، رفضت الخارجية هناك زيارة طلبتها المبعوثة الأمريكية لقضايا المثليين جيسيكا ستيرن، ووصفتها بـ (الضيف الجاهل).

- تكررت الأزمة فى العراق، باستفزاز غير مسبوق من مقر بعثة الاتحاد الأوروبى وبعض السفارات الغربية، خاصة بريطانيا وكندا فى بغداد التى لم تراع أجواء شهر رمضان الكريم، ورفعت علم قوس قزح على المبنى بمناسبة اليوم العالمى لمناهضة رهاب المثلية والتحول الجنسي، وتسليط الضوء على حقوقهم، مما استدعى انتفاضة برلمانية من لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب العراقي، الذى طالب بغلقها، بعد هذا التجاوز على القيم والأعراف الاجتماعية والعقائد الدينية.

- استدعت السلطات الكويتية فى يونيو الماضى القائم بأعمال السفارة الأمريكية، جيم هوليستايدر على خلفية منشورات على حسابات السفارة على مواقع التواصل الاجتماعي، تدعم المثلية، وسلم مساعد الوزير الكويتى بالإنابة نواف الأحمد القائم بالأعمال الأمريكى رفض بلاده لما تم نشره، وشدد على ضرورة احترام القوانين والنظم السارية، والالتزام بعدم نشر مثل هذه التغريدات.

أولويات وضروريات
من الصعوبة بمكان، التوصل إلى أرقام محددة للمثليين فى العالم، ولكن تقارير تتحدث بأنهم بالملايين فى كل أنحاء العالم، وحتى لو كان الرقم صحيحا، فواقع الحال يكشف عن تناقض صارخ غير مبرر، ولا مفهوم من ذلك الاهتمام بهم، وبحقوقهم فى العيش والحياة والاستقرار، واعتبارها فى مقدمة أولويات دول مثل أمريكا ودول أوروبية، تحاول فرض تلك الأجندة على غيرها من دول أخري، مع تغييب متعمد للكوارث والمآسى الإنسانية، التى يعيشها العالم فقد كشفت بيانات وإحصائيات صادرة عن الأمم المتحدة، أن هناك مليارا و٣٠٠ مليون شخص عام ٢٠٢١، مازالو تحت خط الفقر متعدد الأبعاد، وتم وضع تعريف محدد للفقراء بأنهم غير القادرين على الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والخدمات العامة والمسكن، نصفهم من الأطفال، وتحدد منظمة اليونيسيف فى منتصف يونيه الماضي، عدد الأطفال الذين أجبروا على ترك منازلهم نتيجة النزاعات والعنف وأزمات أخري، أكثر من ٣٦ مليون طفل، حيث تعانى ٢٣ دولة وفقا للبنك الدولى مجموع سكانها ٨٥٠ مليون من صراعات متوسطة أو شديدة الخطورة، وكثيرا من هذه الأزمات تعجز مساهمات الدول فى موازنة الجهات الداعمة للتعاطى معها، عن الوفاء باحتياجاتها.

وبعد، صحيح هناك مساحات تكسبها المثلية وحقوقها بدعم من حكومات تزعم انها جزء من حقوق الانسان، ولكن يقيننا بأنه لا يصح إلا الصحيح، فالعلاقات الطبيعية هى (فطرة الله التى فطر الناس عليها).

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة