توماس جورجيسيان
توماس جورجيسيان


يوميات الأخبار

اخفق يا قلبى واعشق كل جميل

الأخبار

السبت، 14 يناير 2023 - 07:42 م

هذه هى الحياة، خذها كما تأتي، اياك أن تظلم أو تؤذى أحدا، وإياك أن يرهقك الجود وان اتهمك الناس بالسفه أو الغفلة والضعف

بما أننا بدأنا مشوارنا مع عام جديد منذ أيام قليلة. وقريبا ستبدأ جولاتنا الاستكشافية للخيال والفكر الإنسانى مع معرض القاهرة للكتاب أجد نفسى أبحث فى السطور المقبلة عن العقول المضيئة والنفوس الصافية لأتأمل معها معانى الحياة والحكمة والجمال والحب والعطاء..

أقف فى رحلتنا بمحطة «صح النوم» وأيضا بـ «ناس فى الظل» مع يحيى حقى وهو ينصحنا: «..هذه هى الحياة، خذها كما تأتي، اياك أن تظلم أو تؤذى أحدا، وإياك أن يرهقك الجود وان اتهمك الناس بالسفه أو الغفلة والضعف»..

حقى المعلم الجميل يتأمل أيضا من فاتته السعادة. تلك السعادة التى نتطلع إليها دائما ونحلم بها ونتكلم عنها كثيرا فيقول: «فأدركت أن السعادة قد فاتته لأن سرها عندى أن نعرف كيف نماشى قوس الحياة والعمر، فنعيش فى الطفولة أطفالا وفى الشباب شبابا ثم نعرف كيف نشيخ بمهل وهدوء ونعطى للشيخوخة حقها، حينئذ يتجلى فينا جمال الغروب. اذا نزعت الروح عن الجسد لحظة الموت لم تنفصل مولولة صارخة ممزقة بأنياب رغبات لم تشف منها غليلا» ..ـ

كما أن حقى  أسطى التفاصيل ـ وهو يتحدث عن إتقان الأداء وتجويد الصنعة يذكر «عليك إذا عزفت على العود ألا تسمع الناس خبطة الريشة، واذا كتبت ألا تسمع القارئ صرير القلم..». وهنا من الطبيعى أن أتساءل.. من يسمع؟ ومن يتعلم؟

ونعم، الكتاب خير جليس .. وخير رفيق مهما طال الطريق. والقراءة مفتاح فهم العالم والبشر .. وكم كان كامل زهيرى صريحا فى نصيحته ووصيته لمن يعنيه الكلمة والكتابة عندما قال: «.. اكتب كأنك تموت غدا واقرأ كأنك تعيش أبدا» .. «كأنك تعيش أبدا» ـ تلك الحالة النفسية الشيقة والممتعة التى تصاحبك وأنت تقرأ وأنت تغوص بين دفتى كتاب وتعثر على درر المعرفة الإنسانية.

ولأننى أؤمن بأن الخيال والفكر لا يعرفان ولا يعترفان بالحدود أبدا .. ويسعيان دائما لاكتشاف آفاق جديدة أينما كانت ـ شرقا كانت أم غربا فإن محطتى الثانية التى أتوقف عندها فى اليابان والروائى هاروكى موراكامى الذى لم يتردد فى أن يذكرنى ب «أن مشاطرة أحلامنا ما زالت هى المهمة الأكثر أهمية بالنسبة لنا» مضيفا «لا تستطيع أن تكون روائيا بدون إحساسك بهذه المشاطرة»ـ

موراكامى البالغ من العمر ٧٣ عاما هو صاحب أكثر من ٢٥ مؤلفا من روايات وقصص وقطع سردية ومنها «الغابة النرويجية» و«كافكا على الشاطئ». ويقول عن الذاكرة: «..أنا أعتقد أن الذاكرة أهم سند لنا نحن البشر.هى نوع من الوقود يحترق ويبعث بالدفء فينا» ـ

ويرى الكاتب اليابانى فى السرد والكتابة سبيلا ومسارا وطريقا .. «مهمتنا أن نعطى معانى جديدة وأبعادا مميزة للكلمات العادية والتعبيرات المعتادة»... ويذكرنا بما توصل إليه : «أعرف جيدا ماذا تعنى كتابة الروايات بالنسبة لي. ولأننى أريد أن أعبر عن نفسى يجب أن أصيغ حكاية. بعض الناس يسمونه خيالا. بالنسبة لى ليس خيالا. انه طريقة أخرى للنظر إلى الأشياء»ـ

ولا شك أن نجيب محفوظ علمنا طرقا كثيرة للنظر إلى الأشياء إذ قال فى «المرايا»: «يوما بعد يوم فان إيمانى يرسخ بأن نقاء الإنسان يجئ من الخارج بقدر ما يجئ من الداخل، وأن علينا أن نوفر الضوء والهواء النقى إذا أردنا أزهارا يانعة». ومحفوظ نبهنا أيضا فى الرواية ذاتها: «ان حكمة الحياة هى أثمن ما نفوز به من دنيانا ذات الأيام المعدودات».

ومن الطبيعى أن يقف المرء منا طويلا أمام عبارة «دنيانا ذات الأيام المعدودات» وهو يتساءل ماذا يمكن أن آخذ من هذه الدنيا وأيضا ماذا يمكن أن أعطى لها فى «تلك الأيام المعدودات»؟!. ومن حين لآخر تتردد على مسامعنا تلك العبارات التى تذكرنا دائما بألا يشغلنا كثيرا قصر الرحلة أو طولها بقدر ما يجب أن يشغلنا ما قد نحققه ونعطيه للآخرين وما قد نكتشفه ونعثر عليه خلال هذه الرحلة .

ونستكمل رحلتنا مع النجيب «نجيب محفوظ» وهو يقول على لسان الشيخ عبد ربه التائه فى «أصداء السيرة الذاتية» : «اخفق يا قلبى واعشق كل جميل وابك بدمع غزير إذا شئت ولكن لا تندم»ـ

الأربعاء

رشدى سعيد .. عاشق النيل

هكذا كان يتم وصف الجيولوجى والمفكر الجليل الذى رحل عن حياتنا منذ عشر سنوات..

كتابه الشهير «نهر النيل ـ نشأته واستخدام مياهه فى الماضى والمستقبل» يعد مرجعا لا غنى عنه لمن يحاول أو يسعى من خلال القراءة والاطلاع أن يعشق النيل وأيضا يحميه من كل سوء. العشق بمعرفة ووعى وإدراك وحماية النيل بمفهوم وحرص الحفاظ على جريانه وعطائه وأيضا ذاكرته، تاريخه وجغرافيته ـ منبعه ومجراه ومصبه. وهذا الكتاب الذى صدر فى بداية التسعينيات من القرن الماضى عن «دار الهلال» فى حاجة بالطبع إلى إعادة إصداره ونشره .. وأيضا إلى إعادة القراءة منا لهذا الكتاب وكتبه الأخرى. وبجانب كتابه «نهر النيل» فإن كتابه «جغرافية مصر» يعد مرجعا علميا وأكاديميا لكل من له اهتمام بمصر فى كل بقاع العالم.

رشدى سعيد (المولود فى ١٣ مايو ١٩٢٠) كان الحاضر والفاعل والمتفاعل والمشارك والمساهم ـ فكرا وعملا وتجربة فى الحياة المصرية منذ الخمسينيات من القرن الماضي، له بصمات لا تمحى من ذاكرة طلابه وزملائه وأصدقائه ومحبيه.أنه الدارس الملم بجغرافية مصر وعالم الجيولوجيا والأستاذ الجامعى لسنوات طويلة (١٩٥١ ـ ١٩٦٨) ومدير مؤسسة التعدين ورئيس هيئة المساحة الجيولوجية وعضو البرلمان. إنه «شيخ الجيولوجيين» والمفكر الحالم بتعمير الصحراء وأيضا بتطوير التعليم والبحث العلمي.

الأستاذ محمد حسنين هيكل فى تقديمه لكتاب د. رشدى سعيد «الحقيقة والوهم فى الواقع المصري» كتب: «..نحن أمام أستاذ فى الجيولوجيا خطأ من الجامعة إلى المجتمع ومن العلم الى الثقافة حين استطاع أن ينفذ من طبقات الأرض الى حياة البشر الذين يعيشون فوقها ، ثم استطاع أن يحيط بطبقات الأرض وحياة البشر فى وطن بذاته إحاطة تربط الجغرافيا والتاريخ ، تصل الحاضر والمستقبل، وتكشف بالعلم والحكمة مطالب التقدم والعمران حين تصنع نوعا راقيا من المعرفة المتكاملة القادرة على الإلهام والتأثير»ـ

وأعتبر نفسى بلا أدنى شك محظوظا أنى كنت من المقربين اليه معايشا لتفاصيل حياته وتحليقات فكره فى السنوات العشرين الأخيرة من عمره. ولذا لم يكن بالأمر الغريب وأنا أحتفى بحياته فى جنازته وقد رحل عن دنيانا يوم ٨ فبراير ٢٠١٣ (فى ال٩٢ من عمره) أن أذكر للحضور وفاء وعرفانا منى بالجميل أن مولانا (هكذا كنت أحب أن أناديه) هو ممن تعلمت منهم كيف أعيش الحياة بالطول والعرض ..وبالعمق أيضا. وكيف أن هذا الجيولوجى والمفكر الكبير ساعدنى أيضا فى فهم البشر وتقييمهم وتقديرهم ..على أساس «ان الناس معادن » ـ

ان الدرس الأكبر الذى تعلمته من رشدى سعيد..هو أن تعيش رحلتك.. رحلة عمرك أو فلنقل رحلات عمرك عمقا .. وأنت تكتشف كالجيولوجى ما فى أعماق أرضك وهويتك وحضارتك وأيضا فى أعماقك. ثم أن تعيش رحلتك متدفقا مثل النيل ومعطاء مثل النيل وأنت تتدفق وتتجدد وتروى ما حولك وتشارك فى استمرار الحياة.. حياتك وحياتنا

السبت

سر العيون وسحرها

.. «أكيد عيون الناس مش سايبانا فى حالنا» ــ كنت أسمعها مرارا من جارة لنا.وبالتأكيد لو فى حياتنا نحب واحد «نحطه فى عينينا» أو ممكن نلاقى نفسنا بنقول لواحد تانى «هاطلع عينك» أو تهدده وتتوعده بأنك « حتوريله العين الحمرا»
وياما قلنا «جه يكحلها عماها» وياما رددنا «العين ما تعلاش على الحاجب». وطبعا ياما شفنا حوالينا «اللى عينه فارغة واللى عينه شبعانة». ولا شك أن تعبير «الحيطان لها ودان» تطور وتبدل مع الأيام ليكون «الحيطان لها ودان وعيون كمان».والبركة فى التقدم التكنولوجى والانترنيت والهواتف الذكية
وأكيد سمعت فى حياتك اليومية تلك الدعوة الصريحة للمواجهة والصدام والانتقام «العين بالعين والسن بالسن»

(وطبعا البادى أظلم). كما قيل أيضا «بعيد عن العين بعيد عن القلب» على أساس أن «فى البعد جفوة». ومن منا لا يعرف جمال ومعنى «عين حورس» فى الحضارة المصرية؟ وكم من قصائد خصصها الشعراء بكافة اللغات غزلا فى العيون. فنزار قبانى يقر ويعترف للنساء بأن طبيعته «ترفض الأجساد التى لا تتكلم بذكاء والعيون التى لا تطرح الأسئلة»– ويرى الفيلسوف الفرنسى هنرى بيرجسون «أن العين ترى فقط ما هو العقل مستعد أن يفهمه».أما العالم البرت اينشتاين فله نظرة وحكمة.. «نعم، انهم قلة من البشر هؤلاء الذين يرون بعيونهم ويشعرون بقلوبهم». أما مؤلف «العمى» و»الابصار» البرتغالى هوزيه ساراماجو فيقول : «اذا كنت تستطيع أن تنظر فعليك أن ترى وأن استطعت أن ترى فعليك أن تفهم وتدرك»

ولا شك أن مثلما يقال : إن البيوت أسرار يمكن القول : إن العيون أسرار أيضا. وطبعا «السر دايما فى البير». والبير غالبا غويط والحال من بعضه بالنسبة للعيون أيضا.ومعروف أن لغة العيون تكشف الكثير عن شخصيتك ونفسيتك وعقدك وقلاقيعك كمان – وسلامك وأيضا قلقك مع نفسك. وبالمناسبة الكذب بها غالبا صعب- هكذا نبه الحكماء. كما أنها أى لغة العيون – من حسن حظنا – لغة عالمية (مش محتاجة ترجمة) ويفهمها الصم والبكم أيضا .
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة