خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة
خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة


خبير آثار يرصد مفردات الهوية الوطنية وسبل تعزيزها فى ضوء الحوار الوطني

محمد طاهر

السبت، 21 يناير 2023 - 04:23 ص


دعا الرئيس عبد الفتاح السيسى، إلى الحوار الوطني وكلف الأكاديمية الوطنية للتدريب باستضافته وإدارته وقد انتهى مجلس أمناء الحوار الوطني على مدار جلساته الدورية السابقة وبالإجماع من صياغة وبلورة المحاور الرئيسية الثلاثة واللجان الفرعية والموضوعات المتضمنة بكل منها والتي ستتم مناقشتها خلال جلسات الحوار الوطني والمقرر انطلاقها خلال الأيام القليلة القادمة، وكانت لجنة الثقافة والهوية الوطنية أحد اللجان والتي ناقشت المؤسسات والسياسات الثقافية: نحو فعالية وعدالة، مؤسسات الدولة، مؤسسات خاصة والمجتمع الأهلي، الصناعات الثقافية، الدراما والسينما، المسرح، النشر والترجمة، الموسيقى، الهوية الوطنية، دعم وتشجيع الإبداع وحريته.

وفى ضوء ذلك يشير خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار أن الهوية الوطنية تتضمن كل المفردات التى ناقشها مجلس أمناء الحوار الوطني باعتبارها الركيزة الأولى للسياسة الثقافية فى مصر والتى جاءت من إلتزام الدولة بالحفاظ علي الهوية الثقافية المصرية بروافدها الحضارية المتنوعة طبقًا للمادة 50 من الدستور المصرى ونصها "تراث مصر الحضاري والثقافي، المادي منه والمعنوي  بجميع تنوعاته ومراحله الكبري، المصرية القديمة والقبطية والاسلامية ثروة قومية وإنسانية  تلتزم الدولة بالحفاظ عليه وصيانته، وكذلك الرصيد الثقافي المعاصر المعماري والأدبي والفني بمختلف تنوعاته، والاعتداء علي أي من ذلك جريمة يعاقب عليها القانون وتولي الدولة اهتمامًا خاصًا بالحفاظ علي مكونات التعددية الثقافية في مصر".

ويوضح الدكتور ريحان أن تحقيق هذا المبدأ يتطلب عدة أمور تبدأ بوضع صيغة محددة لمفهوم الهوية المصرية ومقوماتها فى ضوء الدستور وكتابات جمال حمدان والمستجدات فى شتى المجالات والقائم على شخصية مصر الوسطية في الدستور، الذي وضع أسسها المفكر جمال حمدان باعتبار مصر هي قلب العالم العربي وواسطة العالم الإسلامي وحجر الزاوية في العالم الأفريقي، فهى أمة وسطًا بكل معنى الكلمة في الموقع والدور الحضاري والتاريخي والسياسة والحرب والنظرة والتفكير وسطًا بين خطوط الطول والعرض بين المناطق الطبيعية وأقاليم الإنتاج بين القارات والمحيطات حتى بين الأجناس والسلالات والحضارات
وتجسّد البعد الأفريقى لمصر منذ القدم فهى مصدر المياه والحياة في رحلات قدماء المصريين إلى بلاد بونت كما وجدت أدلة على المؤثرات الحضارية المادية والثقافية بين بعض قبائل نيجيريا وغرب أفريقيا وبين القبائل النيلوتية في أعالي النيل وفي محور شمال أفريقيا، ويجسّد البعد الآسيوي مصدر الدين والحضارة والثقافة، وكل هذه الأبعاد تتداخل مع الإطار العربي الكبير، وهو ليس مجرد بعد توجيهي أو إشعاعي ولكنه خامة الجسم.

كما كانت مصر بوابة التعريب بالنسبة للمغرب العربي، وتجسّد البعد الخاص بالبحر المتوسط لمصر في علاقات مصر القديمة الحضارية والتجارية بكريت المينوية ثم باليونان وروما، وفي العصر الإسلامي أصبح للبحر المتوسط دور حيوي في كيان النشاط التجاري بمصر وارتبطت مدن كالإسكندرية ودمياط مع البندقية وجنوة وبيزا بعلاقات تجارية وامتد بينهم جسرًا بحريًا، وفي العصر المملوكي كانت الإسكندرية والقاهرة موطنًا دائمًا لتجار نشيطين من تجار المدن الإيطالية.

ويتابع الدكتور ريحان بأن هوية مصر مصدرها تسلسل تاريخها منذ عصور ما قبل التاريخ مرورًا بعصر مصر القديمة والفترة اليونانية والبطلمية والرومانية والمسيحية والإسلامية والمؤثرات الحضارية المختلفة والممتدة حتى الآن ومن ضمن معايير اليونسكو لتسجيل ممتلك تراث عالمى هى امتداد تأثيرها الحضارة وامتداد أفكارها حتى الآن.
 
وينوه طبقًا لدراسة للآثارية المتخصصة فى آثار مصر القديمة إنتصار غريب استمرارية أفكار مصر القديمة حتى الآن كجزء من الهوية مثل عادات رمى خلاص المولود واستعمال كرسى الولادة الذى كان مستعملًا في مصر القديمة وما بعدها وفي الريف للآن بالإضافة إلى ذكرى خميس المتوفي والأربعين،وكذلك استمرار العديد من الألعاب الرياضية وألعاب التسلية تمارس حتى الآن مثل "مين إللى ضربك يا وزة والحوكشة ولعبة التحطيب المسجلة تراث عالمى باليونسكو 2016"، كما استمر النسيج اليدوى بالنول منذ عصر مصر القديمة وحتى الآن وسجل تراث عالمى لامادى باليونسكو 2020 وكانت "تايت" ربة المنسوجات والأقمشة فى مصر القديمة وقد ورد اسمها فى "متون الأهرام"
كما حرص المصرى على هويته والذى تجلى في احتفاظه بلغته وديانته في ظل الاحتلال اليونانى  لدرجة أن مرسوم كهنة منف "حجر رشيد" من عهد بطليموس الخامس مكتوب بخطيها الهيروغليقى والديموطيقي ثم ترجم باليونانية كى يفهم البطالمة ما جاء بالمرسوم.

كما أن مفردات اللغة المصرية القديمة مازالت مستخدمة حتى الآن مثل كلمة حاتى وهو محل طعام لأنواع من اللحوم مثل الكوارع وأصل الكلمة من "حات حري" وتعني الجزء الأسفل من ساق الماشية أي الكوارع وكلمة نونو من "نو" بمعنى طفل وكلمة كحكح ومكحكح وتعني كبير أو عجوز  من "كحكح " وكلمة ميح وتعنى فارغ وهي نفس الكلمة القديمة بدون تغييروكلمة انتش تعني شرير وكلمة غتت من "غت" وتعني جسد، وكلمة السح ادح امبو  فى الأغنية الشعبية من "إنبو" وتعنى طفل.

وأردف الدكتور ريحان أن التراث المسيحى فى مصر جسّد لنا الاحتفالات الشعبية والموالد المرتبطة بمسار العائلة المقدسة وعيد الغطاس والمستمرة حتى الآن والتى سجلت تراث لامادى باليونسكو 2023، وأن حصان وعروسة المولد النبوى مستوحاة  من أسطورة إيزيس وأوزوريس فى شكل حصان المولد المستوحى من تمثال "حورس" راكبًا الحصان ممسكًا بالسيف ليقتل رمز الشر "ست" والذي صور على هيئة تمساح، وفى شكل عروسة المولد وكرانيشها الملونة المستوحاة من جناح إيزيس الملون، وفى الفترة المسيحية بعد ذلك صنع مسيحيو مصر العروسة فى مصانع بمنطقة أبو مينا بكينج مريوط بالإسكندرية وكانت ترمز فى المسيحية إلى النفس البشرية وهى اللعبة المفضلة للبنات وصوروا الفارس وهو البطل الذى يمتطى جواده ويطعن الشر بحربته وهى الصورة التى استوحاها المسيحيون من النحت الذى يمثل حورس وهو يطعن "ست" رمز الشر.

ونوه الدكتور ريحان إلى أن التراث الإسلامى مجسّد فى كل نواحى حياتنا من عناصر معمارية مجسّدة فى القصور والمنازل والفنون الزخرفية المستمرة حتى الآن من زخارف الأرابيسك والزخارف الهندسية والنباتية وزخرفة النجوم وفى الخط العربى الذى سجل تراث عالمى لامادى مشترك باليونسكو عام 2022 مع 14 دولة عربية، وفنون الأراجوز المسجل تراث عالمى لامادى عام 2018 ويعود إلى عهد المماليك.

وأردف بأن الحفاظ على الهوية المصرية يتطلب وعى متكامل بقيمة الهوية فى التعليم والإعلام والثقافة بتدريسها فى مراحل التعليم ليس بشكل مقرر بل فى شكل أنشطة إجبارية مرتبطة بمادة التاريخ واللغة العربية واللغات المختلفة تشمل رحلات للمواقع الأثرية وتصويرها والكتابة عنها كموضوع تعبير باللغة العربية واللغات المختلفة وتوصيف للعمارة والفنون والأحداث المرتبطة بها فى مادة التاريخ على أن تقسّم المادة إلى جزء نظرى وجزء ميدانى مرتبط بالهوية وتشمل التراث المادى واللامادى المرتبط بالحرف التراثية والحكايات والأمثلة الشعبية والعادات والتقاليد المتوراثة.

وفى الإعلام تخصص برامج للتعريف بالهوية وكيفية تعزيزها والحفاظ عليها كجزء لا يتجزأ من الانتماء واستضافة علماء فى تخصصات مختلفة لتوضيح ذلك والانتقال بالكاميرات لنقل الصورة الميدانية لمظاهر الهوية فى كل مناسبة دينية أو وطنية أو مرتبطة بأعياد قومية للمحافظات.

وفى الثقافة أن يقوم المجلس الأعلى للثقافة المسئول عن تنفيذ السياسة الثقافية لمصر ونشر الوعى بقيمتها بتوثيق وتسجيل كل المعارف المرتبطة بالهوية تمهيدًا لعمل ملفات لتسجيلها تراث لامادى فى اليونسكو كما تم فى تجربة الاحتفالات الخاصة بالعائلة المقدسة والوصول إلى كل قرية ونجع وعزبة فى مصر لنشر الوعى وتعزيز الهوية على أن يتعاون الإعلام بشكّل فعّال فى تغطية كل أنشطة المجلس الأعلى للثقافة، وكذلك وهو ما بدأت فيه وزارة الثقافة بالفعل الحفاظ على كل موروثات الرموز الوطنية فى كل المجالات العلمية والأدبية والفنية وإنشاء متاحف خاصة لها.

اقرا ايضا خبير يرصد أسباب تهريب الآثار ويضع روشتة العلاج

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة