د. سارة الذهبى
د. سارة الذهبى


يوميات الأخبار

قدّر نفسك.. تتقدّر

الأخبار

السبت، 21 يناير 2023 - 07:00 م

طفل خايف يجرّب أى حاجة وده بينتج عنه فى المستقبل شاب جبان سلبى بلا شغف ومش بيطور من نفسه واقف فى مكانه عشان خايف ياخد خطوة يتحاسب عليها

كتير مننا رغم ان حياته ماشية كويس إلى حد كبير.. مرتاح مع شريك حياته نوعًا ما.. ربنا رازقه بنعم محاوطاه الا انه تلاقيه بيشتكى انه مش مبسوط… حاسس ان فى شعور جواه ناقص بس مش عارف هو ايه؟

وطبعًا ناس كتير بتهاجمه انه كده شخص بطران .. مش حاسس بالنعمة والنعم هتزول من وشه.. بس فى الحقيقة ان الأشخاص دى رغم كل اللى عندها الا انهم بيفتقدوا عنصر مهم جدًا للسعادة وهو «حب الذات».

تلاقى شخص ناجح و كل الناس بتسقفله بس هو مش حاسس بنجاحه.. بسبب ان لا يمتلك حب لذاته، ومش بيقدّرها.. رغم ان كلنا مولودين بالفطرة وعندنا مخزون من حب الذات.. لكن المخزون ده فى عوامل كتيرة ممكن تخليه ينقص مع الأيام أو يتلاشى تمامًا.

من أهم العوامل اللى بتأثر على مخزوننا الفطرى لحبنا وتقديرنا لنفسنا الرسائل التربوية الخاطئة اللى أهالينا بيوجهوهالنا من غير ما يحسوا… بيبقوا فاكرين ان طريقتهم دى هتصب فى مصلحة أولادهم لكن للأسف نتايجها بتكون عكسية..

وهما أربع رسائل..

الرسالة التربوية الغلط الأولي: «غير مسموح لك بأن تكون نفسك».

بمعنى ان الأبناء منذ طفولتهم والأهل والمجتمع بيحطوهم فى قوالب اجتماعية؛ عشان تكون ولد كويس لازم تشرب اللبن حتى لو مش بتحبه.. لازم تلعب رياضة واتنين عشان يتقال عليك رياضى حتى لو انت اهتماماتك موسيقية بس جرى العُرف ان الأطفال الشاطرة الناجحة لازم تروح التمارين وتجيب ميداليات.

البنت الشاطرة لازم تدخل كلية القمة حتى لو ميولها متعارضة مع الطب والهندسة.. لازم البنات والولاد يمشوا مع القوالب دى يا اما اللى حوليهم مش هيتقبلوهم ولا هيحبوهم بنفس القدر فا تلاقى الولاد من صغرهم وهما مش عارفين يحددوا ميولهم ولا بيحبوا ايه وبيكرهوا ايه…

ماشيين ورا الخطوط العريضة اللى أهلهم راسمينها لدرجة انهم بقوا نسخ مكررة من كل الأطفال اللى فى سنهم.. عايشين تايهين وموجهين.. أشخاص تانية بتتحكم فيهم بالريموت كنترول..

أى حاجة بتميزهم مرفوضة لو بتتعارض مع القوالب الاجتماعية المتعارف عليها..

هنا تلاقى الطفل اتربى انه لا يسمع صوت نفسه ولا يستجيب لها.. اترّبى انه يسكّت الحوار الداخلى بينه وبين نفسه فا كبر انه لا يتقبلها ولا يتكلم معاها، مجرد بيوجهها لطرق أُجبر عليها من أطراف تانية !

ثانى رسالة تربوية غلط: «غير مسموح لك بالخطأ» …

كلنا للأسف بنقع فى الغلطة دي… بنعاقب وبنوبّخ على كل غلطات ولادنا.. مش بنعدّى حاجة الا كل فين وفين وبنفتكر اننا لو عدّينا شوية بنقصر فى تربيتهم مع ان تصرفنا ده هو اللى غلط… مفيش شخص بيتعلم الا من أخطائه… وعدم الخطأ ده مخالف لطبيعة البشر ولسنة الحياة.. ده حتى الأنبياء كانت ليهم أخطاء عشان البشرية تتعلم ان الخطأ ده طبيعة بشرية.. المهم نتعلم ونصحح أخطائنا..

فا بيتربى طفل خايف ومرعوب من انه يغلط خوفًا من العواقب.. طفل خايف يجرّب أى حاجة وده بينتج عنه فى المستقبل شاب جبان سلبى بلا شغف ومش بيطور من نفسه واقف فى مكانه عشان خايف ياخد خطوة يتحاسب عليها.. اتولد شخص قاسى على نفسه وعلى اللى حوليه، لا بيتقبل أخطاء نفسه ولا بيسامح نفسه ولا بيغفر زلات اللى حوليه لإنه اتعود ان لازم كل حاجة تكون مثالية والكلام ده غير واقعى بالمرة …

يعنى مثلًا لو أم ابنها جاب درجة وحشة فى الامتحان بتترجم ده بأنها أم فاشلة ومقصرة ومش بتسامح نفسها مع ان الموضوع بسيط وبشوية تركيز مستوى الطفل هيتحسن… لكن لإنها مش بتحب نفسها وبتقسو عليها دايمًا بتترجم كل حاجة لرسائل سلبية كلها تقليل لذاتها..

ثالث رسالة تربوية خاطئة : هى «غير مسموح انك تقدّر نفسك.. «

هقولكم مثال: لو شخص جاب درجة حلوة وحد قاله براڤو اتعودنا ان رد الشخص المتفوق يكون بخجل ومختصر «كتر خيرك.. شكرًا…»

لكن لو الشخص ده قال ده فضل ربنا وانا تعبت جدًا فى المذاكرة واتكلم عن مجهوده بيتقال عليه فى مجتمعنا انه مغرور وشايف نفسه وكإن غلط ان حد يتكلم عن مجهوده وإنجازاته بعد ما يرد الفضل لربنا …

فا الشخص لما اتوصف بالغرور والتكبر اتعلم انه يطلّع عيوب فى نفسه أو يتهرّب من الرد عشان يتقال عليه متواضع وده بيهدم الثقة بالنفس وحب الذات…

المفروض نفرح بإنجازاتنا مش نخجل منها…

من حقى أقول انى تعبت ونجحت وأستحق اللى وصلتله بفضل الله وبمجهودى من غير ما شخص يهاجمنى أو يوصفنى بصفة مش فيا!

رابع رسالة تربوية خاطئة: «غير مسموح انك تطالب بشيء لنفسك»، بلاش تبقى شخص متطلب…

غلطة بتدمر الطموح جوه الانسان وبتهدم حبه لذاته…

لو شخص اتسأل «نفسك فى ايه» و جاوب مثلا: نفسى فى عربية أحدث موديل رغم ان معاه عربية .. غالبًا هيسمع رد تقليدى انه مش حاسس بالنعمة اللى فى ايده ومش بيحمد ربنا على اللى معاه.. ومش حاسس بظروف الناس اللى حوليه وإن فلان وعلان مش عندهم رُبع اللى عنده وراضيين!

طيب ايه المشكلة انى أكون راضى وبحمد ربنا بس بتطلّع للأحسن أو شايف ان شغلى وتعبى يخلينى أستاهل أكافئ نفسى بحاجة جديدة بحبها ؟

ليه الطموح بقى عيب وغلطة؟

ليه ارتبط الطموح بالسخط؟

الشخص الطموح الراضى بيتفهم فى مجتمعنا انه ساخط وجشع رغم ان ده حق من حقوق الانسان …انه يتطلع للأفضل ويطور من نفسه..

والغلط ده بيولد شخص سلبى بلا مستقبل.. رافض للفرص الجديدة لإن طموحه اتقتل جواه، كاره لنفسه اللى خلقت الطموح ده فا قرر يقطع اتصاله بيها!

كل الرسايل دى بالغلط لما بتتوجهلنا فى الطفولة بتفقد الطفل تدريجيًا حبه لذاته وثقته فى نفسه…

رغم ان الأهل هم مصدر الحب الغير مشروط الفطرى لأولادهم ولكن كلنا بشر وممكن نغلط وساعات مش بنستوعب الغلط الا بعد سنين كتير.. وبعد ظهور تشوهات فى شخصيات أولادنا..

طيب هو أساسًا يعنى ايه أحب نفسي؟

حب النفس معناه انى متقبل نفسى بمزاياها وعيوبها وبشوفها بنظرة واقعية… وبقدّر شخصيتي..

حب النفس محتاج تقبل وتقدير ونظرة واقعية..

وفى شعرة بتفصل بين حب النفس المنضبط المتوازن وبين حاجتين : «الغرور والاعتزاز بالنفس المدمر» وبين «الشعور بالخزى والدونية».. الشخص المغرور بيبُص للناس من فوق وبيصنفهم على حسب شهاداتهم الجامعية ومناصبهم فى العمل وقدراتهم المادية.. مش بيعرف يتعامل مع أشخاص أقل منه فى المستوي.. بيستمد قيمة نفسه من بدلة أو شهادة أو حساب فى البنك.. لكن الشخص اللى حاسس بالدونية.. هو شخص كاره لنفسه، بيقلل منها، بيسمح للغير انه يظلمه ويستغله…

الشطارة بقى انك تحب نفسك حب متوازن لا يضرك ولا يضر اللى حوليك..

تعرفوا ان حب الذات ده نابع من نظرتنا لنفسنا.. كل واحد عنده نضارة شخصية بيشوف بيها نفسه، من منظوره هو… بغض النظر ايه نظرة اللى حوليه ليه…

ممكن اللى حوليك يشوفوك ناجح وصاحب إنجازات وانت شايف نفسك فاشل بنضارتك المضلمة..

يبقى ساعتها نظرتك لنفسك هى اللى محتاجة تتغير ونضارتك محتاجة تتنضّف…

احنا ساعات بتكون جوانا معتقدات هى اللى بتعوقنا فى حياتنا.. انى أرسّخ فكرة فى دماغى ومسمحش لنفسى ولحد انه يغيرها..

مثلًا لما واحدة تنفصل عن جوزها فا ترسخ جواها اعتقاد انها زوجة فاشلة ومش هتنجح فى أى جوازة تاني…

شخص علطول بيقول لنفسه انه محدش بيحبه… فا هيفضل طول عمره عايش بالاحساس ده وبيعيقه عن حبه للناس وانه يختلط بيهم…

كل شخص هو نتاج أفكاره ومعتقداه…

كل شخص بيدفع ثمن معتقداته دى فى الماضى و الحاضر.. عشان كده لازم نتعافى من المعتقدات المعوقة و نتجاوزها…

لازم عشان نحب نفسنا نبعد عن تلخيص نفسنا فى دور معين.. لو فشلنا فيه يبقى نحكم اننا أشخاص فاشلة فى العموم…

يعنى لو أنا بطبخ كويس وجيت فى يوم الطبخة باظت منى هل ده معناه انى شخصية فاشلة فى العموم.. زوجة فاشلة فى العموم؟ أكيد لأ …

أنا قيمتى مش بتتغير بظرف اتحطيت فيه..

ولا بموقف اتعرضت له.. قيمتى كده كده ثابتة وحبى وتقديرى لنفسى مش هيتغير بسبب هفوة أو غلطة..

انت غالي… اعرف قيمتك كويس.. قدّر نفسك تتقدّر.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة