د. أسامة السعيد
د. أسامة السعيد


خارج النص

الحرية الحمقاء

د. أسامة السعيد

الثلاثاء، 24 يناير 2023 - 06:59 م

دائما ما كان التساؤل الفلسفى الذى يطرحه كثيرون: هل الحرية مطلقة أم مسئولة؟

لكن يبدو أنه بات لزاما علينا اليوم أن نطرح السؤال بصيغة مختلفة: هل الحرية رشيدة أم حمقاء؟

فما نراه اليوم من ممارسات بزعم «ممارسة الحرية»، يدفعنا بغير تهيب إلى وصف تلك الممارسات بالحماقة، فعندما نجد متطرفا سويديا تصطف الشرطة فى بلاده لتمكينه من «حريته» بإحراق المصحف الشريف، فإن أقل وصف لهذا الفعل سواء من الشخص أو من الدولة هو «الحماقة»!

وللأسف فقد تزايدت فى السنوات الأخيرة تجليات تلك الحرية «الحمقاء» من جانب دول ومؤسسات وأفراد فى الغرب، حتى بات مفهوم الحرية لديهم عدميا أو عبثيا، فالدفاع الغربى المستميت عن قيم لا تنسجم مع خصوصية وثقافة وأعراف دول ومجتمعات أخرى، هو فى أبسط صوره اعتداء على تلك الحرية.

انظروا إلى ذلك الهوس الغربى «الغريب» بترويج أفكار مثل «المثلية الجنسية»، أو «القتل الرحيم» أو «حرية الإجهاض»، وصولا إلى الدفاع عن الإساءة لرموز دينية مقدسة لدى آخرين، سواء من خلال رسوم ساخرة، أو بحرق كتب مقدسة، وتصوير الأمر على أنه شكل من أشكال الحرية، أليس ذلك «حماقة» و»انحرافا» فكريا يستوجب التصدى والتقويم؟!

ما الفرق بين من يحرق المصحف، وبين من يعطى لنفسه حرية تكفير وقتل واضطهاد الآخرين؟!

هل ثمة فارق فى الفكر والسلوك بين المتطرف السويدى راسموس بالودان، الذى أقدم الأسبوع الماضى على إحراق نسخة من القرآن الكريم، وبين أى إرهابى فى تنظيم «داعش»؟!

الحقيقة أنه لا فارق بينهما، فكلاهما يمنح لنفسه ما لا يملك، وينصب ذاته فى مكانة أعلى مما تستحق، ويطلق لأفكاره وأفعاله العنان دون حساب أو خشية من عقاب.

والحقيقة الأفدح أن كليهما يصنع الآخر، ويمنحه - رغم مزاعم العداء - الفرصة للوجود ولممارسة مزيد من الكراهية والتطرف والعنف!!

اليوم عندما تدافع السلطات السويدية عن «حق» ذلك المتطرف من مواطنيها فى إحراق المصحف تحت حماية رسمية، فكيف ستتعامل مع متطرف من الجانب الآخر يدافع عن «حقه فى الغضب» باستهداف المصالح السويدية، بل وربما فى السعى لمعاقبة ذلك المتطرف على جرمه، وساعتها سينتفضون دفاعا عن «حريتهم» ورفضا لـ»الإرهاب»، ويتناسون أنهم من أشعل الحريق، دون أن يمتلكوا ما يطفئون به النيران!

إنها دائرة مفرغة من العبثية والجنون، فصناعة الكراهية والتطرف لا حدود لها، وكلما حاول العقلاء وأصحاب الفكر الرشيد مد جسر من الحوار والتفاعل الإيجابى بين الأديان والحضارات والثقافات، قطع أولئك الحمقى - من الجانبين -  ألف طريق للتواصل، وكلما وضع الحكماء لبنة فى صرح التسامح، أخرج المتطرفون من سراديب عقولهم الفارغة ألف معول للهدم، فعلى مدى التاريخ، كان المتطرفون هم وقود حرائق الغضب فى كل الحضارات والثقافات، نجحوا فى إشعال الصراعات والحروب!!

ورغم كل ما حققه الغرب من تقدم وتطور على المستوى الصناعى والعلمى، لكن من الواضح أن بعض تياراته الفكرية والسياسية لاتزال أسيرة ظلام العصور الوسطى، عندما كانت أفكار حفنة من المتطرفين تؤجج نيران الحملات الصليبية.

أفيقوا - يرحمكم الله - فعالمنا المعاصر لا يحتاج إلى مزيد من الجنون؟!

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة