علاء عبدالهادى
علاء عبدالهادى


يوميات الأخبار

كتاب بالتقسيط المريح

علاء عبدالهادي

السبت، 28 يناير 2023 - 06:37 م

‮«دورة معرض الكتاب الجديدة تشهد أول امتحان حقيقى لوزيرة الثقافة الجديدة‮» 

انطلقت يوم الاربعاء الماضى دورة جديدة فى عمر معرض القاهرة الدولى للكتاب، اقدم واعرق المعارض العربية، نتمنى جميعا أن تكون دورة ناجحة، وأن تتعافى صناعة النشر فى مصر، وتنجح فى تضميد جراحها بدلا من تعميقها . 

لست من المتشائمين، أجنح بطبعى إلى التفاؤل . 

ولكن الأمانة تحتم علينا أن نقول إن هناك تحديات تواجه صناعة الكتاب فى مصر . 

أول هذه التحديات، وأهمها، الارتفاع الكبير فى أسعار الورق لأسباب بعضها دولى يتعلق بالبلاد الموردة للورق على مستوى العالم، وسلاسل الإمداد، وبعضها محلى يتعلق بارتفاع قيمة الدولار مقابل الجنيه المصري، لذلك أصبحنا أمام عدة أسباب اجتمعت على رفع كبير لسعر الكتاب، وهو ما جعل اتحاد الناشرين المصريين يقدم على مبادرة طيبة ربما تحدث للمرة الأولى فى تاريخ معارض الكتاب المصرية، وهى شراء الكتب بالتقسيط عن طريق الاتفاق مع عدد من البنوك الوطنية .. إلى هذا الحد أصبح شراء الكتاب فوق امكانيات الطبقة المتوسطة التى عادة ما تكون معنية بشراء الكتاب أو اقتنائه وتتعامل معه باعتباره من ضروريات الحياة . 

ثانى هذه التحديات يتعلق بتغير الذائقة العامة لدى القراء، ونوعية الكتب التى يتم الاقبال عليها لقراءتها أو اقتنائها، قد تفاجأ بظاهرة الطوابير الممتدة لعشرات الأمتار للحصول على نسخة موقعة من مؤلف، ولكن للأسف عادة ما يكون المؤلف آتيا من عالم السوشيال وعادة ما يكون أحد ‮« المؤثرين‮» ، على تلك المنصات، والذين يقفون فى طابور طويل لايعدون أن يكونوا متابعيهم فى العالم الافتراضي، فجاءوا وراءهم إلى المعرض .. وفى الغالب تكون كتبا لا تساوى ثمن الحبر الذى تطبع به . 

ثالثا زيادة مساحة المنصات التى تقدم الكتاب فى غير صورته الورقية الكلاسيكية، حيث تغولت منصات الكتاب الصوتي، وأخذت ساحة لا يستهان بها، كذلك الأمر فى منصات بيع الكتاب الرقمي، بعد أن طورت من نفسها، وعالجت الأخطاء وتغلبت على الصعوبات التقنية التى كانت تعيق انتشار وسهولة الحصول على الكتاب الإلكترونى . 

رابعا نحن أمام تغير جذرى فى آليات وتسويق الكتاب عبر المنصات، وعبر وسائل التواصل الاجتماعى إلى الحد الذى أصبحت فيه مبيعات بعض تلك المنصات يمثل الأساس لعدد من دور النشر، وتحديدا التى دخلت السوق فى العقد الأخير متسلحة بآليات وتقنيات العصر، فى حين مازال الكثير من دور النشر يجد صعوبة فى عمل قائمة الكترونية بعناوينها . 

خامس هذه التحديات، هو أن معرض القاهرة الدولى للكتاب لم يعد هو الوحيد على الساحة، ولم يعد كما كان، يأتى إليه بعض المثقفين العرب خصيصا لشراء الجديد، بعد أن اشتد عود المعارض العربية وانتقلت من مرحلة الحبو إلى مرحلة المنافسة القوية والشرسة، واصبحنا نسمع أن هناك بعض المعارض العربية التى يقترب عدد زوارها من زوار معرض القاهرة، وأنها قد تتفوق عليه فى مستوى التجهيزات، وفى اسماء وأهمية من يتم دعوتهم للمشاركة فى الفعاليات الثقافية .. ففى الوقت الذى اجلت فيه وزارة الثقافة مؤتمر الرواية من ديسمبر الماضى إلى العام الحالى لتعثر توفير تمويل تذاكر الضيوف، نجد معارض عربية شقيقة تتسابق لدعوة أهم الرموز الفكرية والثقافية، ليست العربية وحدها بل العالمية أيضا . 

دورة هذا العام تشهد أول امتحان حقيقى لوزيرة الثقافة الجديدة د . نيفين الكيلاني، ما نراه منها حتى الان يدعو إلى التفاؤل، ود . أحمد بهى الدين الذى تولى مسئولية هيئة الكتاب قبل شهور قليلة ليس بعيدا عن المجال، فقد كان لسنوات خمس نائب د . هيثم الحاج على رأس الهيئة السابقة، وتمرس على العمل، وأنا شخصيا غير قلق عليه . 

مدير دولى للمتحف الكبير

أصبحنا قاب قوسين أو أدنى من احتفالية افتتاح متحف مصر الكبير فى أول طريق القاهرة - الإسكندرية الصحراوى - جزء كبير من حياتى الصحفية قضيته متابعا لهذا المتحف منذ ان كان مجرد حلم وإلى أن أصبح حقيقة وأمرا واقعا .. اتذكر جيدا الأيام الأولى التى اعلنت فيها مصر عن مسابقة دولية لانشاء المتحف، وكيف تسابقت كبريات المكاتب الاستشارية الهندسية على مستوى العالم لنيل هذا الشرف لإنشاء أكبر متحف على وجه الأرض للحضارة المصرية قبالة أهم وأعظم أثر وهو الأهرامات .. هذا لم يكن كلام مصر ولكن كلام الاتحاد الدولى للمتاحف . وأتذكر الفكرة العبقرية التى كانت وراء اختيار المكتب الفائز، عندما أتاح التصميم مربطا بصريا بين المتحف باعتباره حضارة الآن، وبين الأهرامات باعتبارها الحضارة التى خلفها المصرى القديم، وبحيث يمكن للزائر أن يرى الأهرامات من كل زاوية من زوايا قاعات المتحف العملاقة . 

الفنان فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق، وصاحب الرؤية العبقرية لمتحف الحضارة، ولمتحف مصر الكبير، عندما فكر فى إنشاء هذا المتحف بداية الألفية الجديدة، كان يستشرف التغير الذى تعيشه المتاحف الآن على مستوى العالم لتكون أماكن للمتعة بنفس قدر كونها أماكن للتراث والتاريخ، لذلك لابد أن يتم توظيف كل وسائل التكنولوجيا الحديثة لصالح الأثر فلا يكفى أن تقف أمام قطعة أثرية والسلام، ولكن الأمر يتجاوز ذلك بكثير ..

ولتحقيق ذلك كانت لديه رؤية تتعلق بإدارة المتحف، وضرورة أن يدار بآلية جديدة، وفكر جديد، لذلك طرح فكرة أن يتولى إدارة المتحف شخصية تتمتع بمواصفات خاصة، وتطرح الوظيفة دولياً، إذ ليس هناك ما يمنع أن يديره شخص إنجليزى أو فرنسى مثلاً، فهذا شرف ما بعده شرف ولا مانع إذا كان هناك مصرى تتوافر فيه هذه المواصفات .. علم المصريات ليس حكراً على المصريين، بل هو ملك الإنسانية كلها . 

الاحتفاليات التى ستقام على هامش افتتاح المتحف بالتأكيد سوف تكون مبهرة، ولكن الإبهار، والمتعة الحقيقية سوف تتأتى من مفردات هذا المتحف الذى يحتاج إلى تسويق خاص، بآليات جديدة غير تقليدية فلا أنتظر أن تسوقه وزارة السياحة بنفس آلية تسويق أى متحف فى محافظة من المحافظات . 

المتحف المصرى الكبير مؤسسة ثقافية كبيرة، وعظيمة وكل مفردة من مفرداته تحتاج إلى تسويق خاص .. هذا علم يجب أن نمتلك أدواته ... جناح توت عنخ آمون سوف يجذب الملايين، ولكن يجب ألا نعتمد عليه وحده، بل يمكن عمل برامج خاصة فى أوقات معينة فى السنة، بإقليم معين . 

دراسات الجدوى التى أجريت تبشر بعوائد ضخمة مباشرة، وغير مباشرة بسبب متحف مصر الكبير، وزيادة مرتقبة فى أعداد السياحة الموجهة له، وزيادة فى عدد الليالى السياحية، ومصر من جانبها، وبأيدى أبنائها أنجزت الحلم، وأصبح حقيقة .. فمن حق أعظم حضارة خلفت تراثاً فريداً أن يكون لها متحف يليق بعظمتها . 

متحف مصر الكبير يليق بالجمهورية الجديدة . 

مشروع جابر عصفور

بدعوة كريمة من أرملته د . هالة فؤاد شاركت فى ندوة ثقافية فى بيت الراحل التنويرى الكبير د . جابر عصفور، وهو البيت الذى تستهدف الأسرة - حتى الآن - تخصيصه للباحثين والدارسين لكى ينهلوا من المكتبة الفريدة التى تركها د . جابر الذى مر عام تقريباً على رحيله .. الأسماء التى حضرت جميعها براقة أغلبها من تلامذة د . عصفور الذين صاروا مع الأيام أصدقاءه، خصصت الندوة لمناقشة أحد أروع كتب د . جابر عصفور، وهو كتاب ‮« نقد ثقافة التخلف‮» الذى اعتبره يتضمن خلاصة مشروعه التنويرى وإذا كنا مازلنا نحتاج إلى قراءة ما تركه الإمام محمد عبده، وما تركه د.طه حسين . 

فنحن بنفس الدرجة نحتاج إلى إعادة قراءة هذا الكتاب الذى صدرت طبعته الأولى فى عام ‮8002 لأن فيه تفسيرا لما نحن نعيش فيه من تخبط لعدم وجود مشروع نهضوى ثقافى يُعنى ببناء الإنسان فى جوهره وروحه .. وسوف تستطيع أن تفهم، أو على الأقل لا تستغرب المعارك التى نسمع بها كل فترة ..

وانتهت بنا إلى استدعاء شخص كالشيخ متولى الشعراوى ومحاكمة فكره بعد رحيله بعشرين عاماً وتبين لنا وتفسر جوهر معارك طواحين الهواء التى تخوضها مذيعتان : الأولى مفتونة بذات المرأة والأخرى تعزف على وتر الرجل والرجولة، ثقافة تخلف حقيقى .. فالرجل، لا يكون رجلاً إلا بحضور أنثاه، ولا تستغنى الأنثى عن آخر يكسبها صفة الأنوثة .. كلاهما خلق ليحيا ويتعايشا ويعمرا فى الكون . 

قراءة هذا الكتاب من جديد سوف تكون كاشفة - لمن يريد حقاً أن يطور الخطاب .. أى خطاب كان . 

إذا كان يحسب للراحل الكبير د . جابر أنه كان تلميذاً نجيباً للدكتور طه حسين ولمشروعه عبر أستاذته المباشرة، د . سهير القلماوى، فإن د . جابر ترك مشروعاً عظيماً يحتاج إلى من يكمله ويتمه، ويواصل الرحلة من بعده وما أكثر تلامذته . 

د . نيفين الكيلانى كانت من بين من حضروا الندوة التى دشنت بها الأسرة سلسلة ندوات شهرية تزمع تنظيمها فى البيت، وأنا أدعوها إلى تأسيس كيان ما يمكن أن نسميه أى تسمية ويكون معنياً بالدراسات المستنيرة والحوار الثقافى فى أبهى صوره ساعتها من حق روح د . جابر عصفور علينا وعلى الجماعة الثقافية أن يكون هناك كيان ثقافى بحثى يحمل إسمه ، ويعبر عن رسالته التنويرية التى تتجاوز سنوات حياته، لتمتد إلى عقود قادمة ، من خلال عدد كبير من الباحثين والدارسين الذين سيواصلون رسالته .

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة