يسرى الفخرانى
يسرى الفخرانى


فنجان قهوة

منديل الست أم كلثوم!

أخبار اليوم

الجمعة، 03 فبراير 2023 - 05:55 م

 أم كلثوم لم تكن وصلة أغنيات جميلة صُنعت على مهل وصنعت بحب موسيقى وأغنيات باقية فقط، أم كلثوم كانت زمنا جميلا على بعضه صُنع بحب صافٍ للحياة والسعادة، الناس هناك (فى هذا الزمن من ستين سبعين سنة وأكثر ) كانوا يعيشون الحياة بمزاج يليق بهم ..  

لم تكن الحياة سهلة لكنها كانت بسيطة، المزاج حاضر فى كل وقت وفى كل التفاصيل، كل شىء مرتب فى سبيل حياة أفضل، لا يفوتك أن تسجل ملحوظة مهمة لها علاقة برغبة حقيقية بالاستمتاع بكل لحظة دون النظر فى قلق المستقبل وحساباته، حياة المصريين كانت يوما بيوم، وأغلاها كانت يوم وليلة حفل أم كلثوم فى الخميس الأول من كل شهر ) .

كيف كانوا؟ (السؤال الأصح كيف كنا هكذا؟) بكل هذه العادات الإنسانية التى تسكن بيوت بسيطة لكنها نظيفة ودافئة ومرتبة، وفى شوارع أغلبها يستحى أحد أن يلقى ورقة أو يرفع لافتة بلاستيك رديئة العناوين والألوان على واجهات المحلات، وفى مصالح حكومية أو مؤسسات يذهب موظفوها بالبذلة الكاملة والكرافت للرجل والفستان الملون للمرأة (لم تضبط امرأة تحمل كيس الخضار فى مكتبها حتى حينه).

باختصار كان هناك كود للذوق العام يلتزم به الأغلبية.

عندى تفسير أننا كنا نقاوم الحزن بالالتزام بالسير فى الطريق إلى بقاء حياتنا مفرحة. وكنا نقاوم أى بوادر قبح بالتمسك بالجمال فى التفاصيل التى نعيش فيها.
 يحاول البعض تفسير ما وصلنا إليه الآن بأن تلك محصلة أخلاق وعلاقات الزحام الخانق، هناك فيلم جميل للمخرج محمد خان وبطولة فريد شوقى ويحيى الفخرانى وليلى علوى اسمه (خرج ولم يعد)، حاول خان اللجوء لهذا التفسير: الزحمة تولد القبح وكراهية وانتهازية وعشوائية حزينة!

 الفيلم مكتمل بالجمال، لكنه ليس السبب الوحيد لما وصلنا له من بداية سباق حقيقى للسقوط بدا واضحا من منتصف السبعينيات، لا يغفر لانفتاح (السداح مداح حسب تعبير الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين) تكور الأخلاق وانزلاقها من قمة لكى تتفتت سنة بعد سنة فى قاع القاع، أيضا لمن سمح بتوغل تلك الهجمة أو العاصفة التى هبت قوية ومدعومة ومنظمة من صحراء الشرق، لا تحمل فقط أفكار الصحراء بكل جفافها لكى تسود إنما أيضا لكى تمحو هوية جعلتنا فى مصاف الحكماء وأسلوب حياة كان يغذى إسحساسنا بالبهجة وقدرتنا على الانتصار بالسعادة والحب والحياة، بالإضافة إلى لهجة مصرية خالصة بمفرداتها الغنية بالبساطة والعفوية .

 فى ذكراها (منتصف السبعينيات تماما رحلت )، مازلنا نقاوم بأم كلثوم كرمز لزمن، لكن أم كلثوم وصوت أم كلثوم وحضور أم كلثوم ومزاج أم كلثوم ومنديل أم كلثوم لن يستطيعوا وحدهم إعادة ضبط الإنسان المصرى ضبط مصنع الأحلام القديمة والقامة المفرودة والحب الحقيقى للحياة.

 لكننا أمام فرصة أخيرة ليس فقط باستعادة كل جميل من الماضى وإنما استلهام كل رُقى ساكن فى أرواحنا، نعم نستطيع أن نقاوم القبح بالجمال والكره بالحب والردىء بالجيد والجهل بالتعليم ونشر أرواح من نور الثقافة والفنون، وأن نكون أعداء الحزن والانكسار والخوف لا أعداء لأنفسنا، نستطيع أن نستمتع بالحياة من جديد.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة