الأنبا أغاثون
الأنبا أغاثون


المسيح وآداب الحديث

بوابة أخبار اليوم

السبت، 04 فبراير 2023 - 02:06 م

بقلم: نيافة الأنبا أغاثون أسقف كرسى مغاغة والعدوة

إليك بعض الجوانب التي من خلالها تقدم لنا آداب أحايث السيد المسيح له المجد:

1- التعبير عن الرأي.. فنجده كان يعبر عن رأيه، بطريقة أو بأخرى، بوضع سليم كله رقى وتحضر وحكمة وآداب بما يناسب التوقيت والمناسبة والاحتياج.. ولكن من الملاحظ على الأحاديث التى قدمها المسيح للناس، أنها لم تكن قاصرة على حدود التعبير عن الرأي المنفرد.. بل امتدت للحديث مع الآخرين، سواء كانوا من تلاميذه وخاصته، أو من المختلفين معه وأعدائه، ومع ذلك كان هناك جانب فى أحاديث للتعبير عن الرأي، فى أنه كان يتحدث مع المثقفين  مع بعضهم البعض، وأيضاً مع المختلفين مع بعضهم البعض.. بلا شك أحاديث المسيح شملت الكبار والصغار "الرجال والنساء والشباب والشابات، الأغنياء والفقراء والمتعلمين والأميين والمتميزين والمقبولين والمنبوذين فى المجتمع والحكام والمحكومين واليهود والأمم ، من يؤمن بدين ومن لايؤمن".. وعلاوة على ذلك كانت أحاديث المسيح فى التعبير عن الرأى لها رؤى وأهداف بناءة ، لذلك أصبحت أحاديثه فى التعبير عن الرأى  شريعة إلهية ومناهج صالحة للتعليم وحجة فى الأحاديث للتعبير عن الرأى والحوار لكل الأجيال على مر العصور.

2- وهذا الجانب يقودنا أن نتكلم عن حديثه مع المختلفين معه فى بعض الأمور أو وجهات النظر.. مثال ذلك سؤال وجهه إليه رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب وقت أن كان يعلم بالهيكل وهو : " بأى سلطان تفعل هذا ؟ ومن أعطاك هذا السلطان؟ "فأجاب يسوع وقال لهم : وأنا أيضاً أسالكم كلمة واحدة، فإن قلتم لى عنها أقول لكم أنا أيضاً بأى سلطان أفعل هذا؟ معمودية يوحنا من أين كانت ؟ من السماء أم من الناس؟ "ففكروا فى أنفسهم قائلين: إن قلنا من السماء، يقول لنا: فلماذا لم تؤمنوا به ؟ وإن قلنا من الناس نخاف من الشعب، لأن يوحنا كان عند الجميع نبي "فأجابوا يسوع وقالوا لا نعلم ؟  فقال لهم هو أيضاً، ولا أنا أقول لكم بأى سلطان أفعل هذا "متى23:21" فواضح آداب حديث المسيح معهم بالرغم من تدخلهم فى أمر لا يعنيهم، وسؤالهم ونوعيته له: إن دل على شئ ، فهو يدل على الغرور والكبرياء وحتى وقت أن سألهم المسيح رفضوا الإجابة ، بالرغم علمهم بها.. إلا أن المسيح أدار الحديث بأسلوب السؤال والحوار المتبادل، بطريقة كلها أدب، وكانت إجابته وردوده عليهم تمثل دروساً فى الآدب.

3- وأكثر من ذلك، آدابه فى الحديث، امتدت إلى من يوجهون له التهم الكاذبة .. اتهمه الكتبة والفريسيون بالتجديف بسبب شفائه للمفلوج ومنحه غفران خطاياه: فقال لهم "لماذا تفكرون بالشر فى قلوبكم ؟ أيما أيسر أن يقال مغفورة لك خطاياك أو أن يقال قم وامشى ؟ لكن تعلموا أن لابن الإنسان سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا، حيئنذ قال للمفلوج قم أحمل فراشك واذهب إلى بيتك ، فقام ومضى إلى بيته ، فلما رأى الجموع تعجبوا ومجدوا الله " متى 4:9. وهنا أثبت سلطانه على غفران الخطايا، وأنه غير مجدف، وأعطاهم درساً فى الأدب والحوار لا يمكن نسيانه.

4- ولم تكن آداب أحاديثه قاصرة على من يوجهون له التهم، بل شملت حتى أعداءه وفى مقدمتهم يهوذا الأسخريوطى الذى سلمه لصالبيه.. سمح له بأن يقبله بالرغم من أنه كان يعلم بخيانته له ، ولم يقل يا خائن وقت أن سلمه ، بل قال له: "ياصاحب، لماذا جئت " (متى 50:26) بل وأكثر من ذلك فى آداب حديثه لم ينتقم من صالبيه ، بالرغم من أنه كان يستطيع أو يطلب لهم الأنتقام بل طلب لهم الغفران من الآب: "يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون " (لوقا 34:23). وبناءً عليه علمنا قائلاً: "أحبوا أعداءكم ، باركوا لاعنيكم ، أحسنوا إلى مبغضيكم ، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم.. لكى تكونوا أبناء أبيكم ، الذى فى السموات" متى 44:5-45).

5- ولا يفوتنا أن نذكر أن آداب أحاديثه مع الفريسين وردوده عليهم كانت واضحة  ومع كل من يوجهون التهم  لتلاميذه وخاصته.

6- ولم تكن قاصرة آداب أحاديث المسيح فى دفاعه عن التلاميذ وخاصته، بل امتدت إلى تعاملاته مع الخطاة والساقطين ودفاعه عنهم .

ومن الأمثلة التى لاتنسى فى آداب أحاديث المسيح هو تعامله مع المراة الخاطئة ودفاعه عنها تجاه سمعان الفريسى الذى كان يدينها.. هكذا يا إخوتى من الأمثلة المشهورة فى آداب أحاديث المسيح هو تعامله مع المرأة التى أمسكت فى ذات الفعل ودفاعه عنها أمام الذين كانوا يريدون رجمها . يقول الكتاب قدم إليه الكتبة والفريسيون امرأة أمسكت فى ذات الفعل (زنا) وقالوا له: "موسى فى الناموس أوصانا أن مثل هذه المرأة ترجم، فماذا تقول أنت؟ فقال لهم: "من منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر.... وأما هم فلما سمعوا كانت ضمائرهم تبكتهم، وخرجوا واحد فواحداً من الجلسة، مبتدنين من الشيوخ إلى الآخرين، وبقى يسوع المسيح وحده، والمرأة واقفة فى الوسط ... فقال لها يا امرأة أين هم المشتكون عليك ؟ أما دانك أحد، فقالت لا أحد ياسيد، فقال لها يسوع ولا أنا أدينك، أذهبى ولا تخطى أيضاً" (يوحنا 8). قدم يسوع عدة دروس للذين كانوا يريدون رجمها بسبب خطيتها ونجاتها من بين أيديهم ، فهذه الدروس للبشرية كلها وفى مقدمتها:  آداب الحديث فى تعامله مع الخطاة والساقطين والدفاع عنهم، وأن لا نقيم أنفسنا حكاماً بدلاً من الله لمحاسبة وإدانة الآخرين، بل نترك الدينونة لله الديان العادل الذى قال" لا تدينوا لكى لا تدنوا" (متى 1:7).

7- أخيراً تعامله، وآداب أحاديثه مع الفئات المنبوذة من المجتمع .. كالنساء والعبيد واللصوص والمساجين ، والفقراء والمساكين، الامميين والذين لا دين لهم ، وأيضاً الذين عليهم أرواح نجسة والمرضى كالبرص والمجانين والمصروعين والمفلوجين.. كل هذه الفئات وأمثالها تعامل معها السيد المسيح له المجد بكل محبة وقدم لها كل عون وخير ومساعدة وشفاء.. وتحدث معهم بأساليب لائقة بإنسانيتهم، فحولهم من فئات منبوذة إلى فئات غيرمنبوذة وقادهم للإيمان والتوبة وغير نظرة المجتمع إليهم ونظرتهم أيضاً إلى المجتمع، وبهذا جعل المجتمع يستفيد منهم وهم يستفيدون منه.. كل هذه التعاملات والأحاديث التى قام بها المسيح مع الآخرين: " تركها لنا مثالاً لكى نتبع خطواته".
   

 

   

 

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة