إيهاب فتحى
إيهاب فتحى


الزلزال والمؤامرة

إيهاب فتحي

الثلاثاء، 14 فبراير 2023 - 11:46 ص

  تعتبر الزلازل ظاهرة طبيعية أوجد العلم تفسيرات حدوثها ولكنه حتى الآن لم يستطع الوصول إلى قواعد منضبطة تتنبأ بموعد حدوثها وإن كان العلم قطع شوطً كبيرًا فى تحديد جغرافية هذه الظاهرة والمناطق المعرضة أكثر من غيرها لحدوث الزلازل.

ظلت نظرية المؤامرة والمقتنعين بها بعيدة عن الزلازل وأسباب حدوثها لأنها ظاهرة طبيعية فوق قدرات أى إنسان أو دولة تستطيع تحريك الصفائح التكتونية الأرضية التى تتسبب حركتها فى حدوث الزلازل لكن مع وقوع الزلزال الأخير فى تركيا وسوريا قفزت نظرية المؤامرة وأتباعها إلى أسباب حدوث الزلزال وتم ابتداع تصورغريب بأن الدول الغربية المتقدمة وعلى رأسها الولايات المتحدة يمتلكون تكنولوجيا متقدمة ومشروعًا سريًا فى ولاية ألاسكا الأمريكية تحت مسمى (هارب) تستطيع الأشعة الصادرة من هذه التكنولوجيا التأثير فى طبقات الأرض وتحريك الزلازل.
حتى وقت قريب كان أتباع نظرية المؤامرة فى الولايات المتحدة يمتلكون حصريًا هذه التصورات العجيبة ويفسرون وفق قناعاتهم (الهاربية) حدوث أى ظاهرة طبيعية من البراكين إلى الزلازل لكن مع وقوع زلزال سوريا وتركيا المدمر وصلت نسخة من (هارب) والمؤامرة التى ورائه إلى الشرق الأوسط  لتكون هى التى صنعت الزلزال الذى يعتبر الأكثر تدميرًا فى تاريخ المنطقة .!!
طوال أسبوع منذ حدوث الزلزال وبالتزامن مع متابعة أعمال إنقاذ الضحايا ومساعدة المنكوبين كانت نظرية مؤامرة (هارب) تتسع وتحاول أن تنفى تمامًا سبب الكارثة الطبيعية عن الزلزال فى محاولة لتفسير انتشار هذه القناعات الغامضة وغير المعقولة كانت الإشارة الأولى تتجه إلى وسائط السوشيال ميديا التى أصبحت ركيزة أساسية فى تحريك الرأى العام فى المجتمع البشرى وبالتأكيد فى منطقتنا فبمجرد نشر أمر خرافى وغير عقلانى على هذه الوسائط تجد قبولا ويسير ورائها القطيع السوشيالى بلا تفكير عكس حالة نشر حقائق أو مناقشة أمر بطريقة عقلانية هنا ينفر القطيع السوشيالى ويتمسك بالخرافة ونظرية المؤامرة.
حاولت هذه العقلانية أن تثنى أهل السوشيال ميديا عن قناعاتهم الخرافية بالحقائق المؤكدة بأن هذه المنطقة الجغرافية من العالم هى منطقة لها تاريخ زلزالى واضح منذ القدم ويكفى أنه فى القرن الـ 19 فى العام 1822 وقع زلزال مدمر فى نفس المنطقة وأطلق عليه زلزال حلب الكبير وبلغ عدد ضحاياه الآلاف وبالتأكيد فى هذا التاريخ لم تكن توجد تكنولوجيا (هارب) المزعومة وفى عام 1999 تعرضت تركيا لزلزال تجاوز عدد ضحاياه الـ 17 ألف لكن لم تكن السوشيال  ميديا وصلت بعد فنجا هذا الزلزال من نظرية المؤامرة.
فى نفس الوقت حولت السوشيال ميديا وأصحاب نظرية المؤامرة رجل هولندى اسمه فرانك هوجربيتس إلى نجم الحدث الزلزالى بواقع أنه تنبأ بحدوث زلزال فى منطقة لها تاريخ زلزالى منذ قرون وأن ما قاله تأكيد لنظرية تكنولوجيا (هارب) الزلزالية وقصة هوجربيتس أنه يتبنى وجهة نظر بأن سبب الزلازل يرتبط بحركة كواكب المجموعة الشمسية وهو ما لا تعترف به الأوساط العلمية لأن البحث العلمى على مدار عقود أثبت أن سبب الزلازل هو تحرك الصفائح الأرضية التكتونية وليس حركة الكواكب ووجد السيد هوجربيتس دون علمه أن أهل السوشيال ميديا وأصحاب نظرية المؤامرة فى منطقتنا ورطوه فى ما لم يقله وأنه تنبأ بميعاد زلزال قادم فى الرابعة عصرًا وحدد المناطق التى سيقع فيها وللأسف سارت فضائيات دولية عن عمد أو عن جهل وراء هذه الخرافات.
لكن هل السوشيال ميديا تصنع نفسها بنفسها؟ بالتأكيد لا فأخبارها وخرافاتها وحملاتها الدعائية التى تريد إبعاد العيون عن حقائق ما هى من صنع بشر وعندما تتبع صانع حملة المؤامرة والزلزال واستيراد نظرية مؤامرة (هارب) إلى الشرق الأوسط فيجب هنا الذهاب إلى السياسة وفى بعض الأحيان استخدام نظرية المؤامرة والخرافة يكون له أغراض سياسية وأن الانتخابات التركية فى مايو القادم وراء جزء كبير من هذه المؤامرة الزلزالية على وسائط السوشيال ميديا.
 فحجم الدمار الذى سببه الزلزال ليس ناتجًا فقط عن شدته بل نتيجة لسوء سياسات حزب العدالة والتنمية الحاكم التى أهملت تمامًا تطبيق اشتراطات البناء منذ زلزال 1999 حيث تولى الحزب منذ العام ٢٠٠٢ الحكم وكان أول سؤال بعد كارثة زلزال 2023 للرئيس التركى رجب طيب أردوغان أين ذهبت 40 مليار دولار جمعتها حكومات العدالة والتنمية على مدار ٢١ عامًا كرسوم اشتراطات بناء؟ وأين رؤساء البلديات الذين ينتمون للحزب ولم يتابعوا سلامة الأبنية؟ ومن هم رجال الأعمال الذين على صلة بالحزب وبالرئيس التركى وحصلوا على امتيازات وتسهيلات وعدم مراجعة مواد البناء المستخدمة واشتراطات البناء فى الأبنية؟ ثم تولوا إقامة مجمعات سكنية حديثة انهارت فى اللحظات الأولى من الزلزال وبقيت الأبنية القديمة، غير الإحراج الأكبر ممثل فى مبنى غرفة المهندسين المدنيين بمدينة كهرمان مرعش مركز الزلزال فأغلب الأبنية انهارت فى المدينة وحول مبنى غرفة المهندسين عدا هذا المبنى لأن مؤسسي المبنى طبقوا اشتراطات البناء واستخدموا موادًا مناسبة لطبيعة المدينة الزلزالية عكس أبنية رجال أعمال حزب العدالة والتنمية.
مع الساعات الأولى للكارثة واتضاح أن الزلزال غير مسئول بنسبة ليست قليلة عن حجم هذا الدمار بل كان الفساد السياسى والإهمال الإدارى مشاركًا بجزء كبير فى حدوث كل هذه الانهيارات، هنا كان لابد أن تختفى الإجابات عن كافة الأسئلة السابقة أو على الأقل شغل الرأى العام فى الداخل التركى والخارج أيضًا حتى يحافظ حزب العدالة والتنمية الحاكم والرئيس أردوغان على صورتهما داخليًا وخارجيًا حتى موعد الانتخابات ولم يكن هناك أفضل من نظرية المؤامرة وتركيا القوية المستهدفة من الغرب الذى يحقد على تقدمها وسلط عليها تكنولوجيا (هارب) المزعومة.
حتى تفكك نظرية المؤامرة الزلزالية على وسائط السوشيال ميديا وتعرف من ورائها ومن أراد إخفاء إجابات الأسئلة وشغل الرأى العام، تتبع المنفذين كانت البداية من موقع صحيفة (حرييت) التركية وهى حتى العام 2018 كانت ملك رجل الأعمال التركى آيدين دوغان وفى بعض الأحيان كانت الصحيفة تناوش الرئيس أردوغان وحزبه لكن قرر رجل أعمال آخر مقرب من الرئيس أردوغان وهو دميروران شراءها  فانضمت (حرييت ) إلى المنظومة الإعلامية التابعة لحزب العدالة والتنمية نشرت حرييت وموقعها ومن ورائها المنظومة الإعلامية قصة المؤامرة الزلزالية باستخدام تكنولوجيا (هارب) المزعومة وحتى يكون هناك مصداقية فيما تنشره فشككت فى أن الزلزال ظاهرة طبيعية ولكنها تساءلت عن تكنولوجيا ( هارب ) التى  سببته وكانت هناك العديد من الأسماء الغربية المهووسة بنظرية المؤامرة تم الاستعانة بها لتأكيد مؤامرة الزلزال المصنوع الذى استهدف تركيا وتقدمها، الغريب أن المنظومة الإعلامية لحزب العدالة والتنمية لم تسأل نفسها سؤالا بسيطا لماذا لم تستخدم الولايات المتحدة والغرب تكنولوجيا( الهارب ) المدمرة ضد الروس مثلا وفى حروبها  السابقة ثم تقرر استخدام هذا السلاح الرهيب ضد تركيا الحليفة وعضو الناتو والتى على أراضيها أكبر القواعد العسكرية الأمريكية ؟ أو على الأقل عن طريق هذا ( الهارب) المزعوم توفر تكلفة وعناء تصنيع الأسلحة العادية.
بالنسبة للترويج الخارجى للمؤامرة الزلزالية وتركيا حزب العدالة والتنمية المستهدفة لمواقفها البطولية فى نصرة قضايا المنطقة كان الإخوان الفاشيست باسطنبول وفرع لندن حاضرين وجاهزين لتلقى تعليمات الحملة الدعائية فتركوا ترويج الشائعات عن الدولة المصرية مؤقتًا وتحولوا إلى علماء فى تكنولوجيا الهارب المزعومة وأصبحت كل منصاتهم على السوشيال ميديا دوائر علمية خرافية تؤكد المؤامرة الزلزالية على تركيا حزب العدالة والتنمية وعلى التقدم الذى حققه الحزب الإخوانى ورئيسه من الغرب المتآمرعلى تركيا التى هى عضو حلف الناتو التى على أراضيها قواعده العسكرية، ولمزيد من الإثارة أو حسب التعليمات يجب أن يبدأ النص الدعائى الإخوانى أسرع بالمشاهدة قبل الحذف كأن الغرب سيطاردهم حتى لا تنكشف اسرار سلاحه المدمر الرهيب ولا مانع فى النص الإخوانى الأبله من خلطة أسماء غربية زائفة.
يبقى السؤال هل استطاعت هذه البروباجندا ونظرية مؤامرة تكنولوجيا (هارب) التى اطلقها الحزب الإخوانى التركى وأتباعه إخفاء حقيقة الفساد السياسى والإهمال الإدارى الذى تسبب فى تفاقم حجم كارثة الزلزال فى تركيا؟ لقد فشلت الحملة بامتياز أمام حقيقة الأبنية المنهارة التى بناها رجال أعمال الحزب طوال السنوات الماضية وصرخات الضحايا التى تحولت إلى غضب ومساءلة للمتسببين فى الكارثة والتى سيدفعون ثمنها فى الانتخابات القادمة.

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة