علاء عبد الوهاب
علاء عبد الوهاب


يوميات الأخبار

علموا أولادكم محبة التفكير

علاء عبدالوهاب

الثلاثاء، 14 فبراير 2023 - 06:11 م

هل يتبنى د.رضا حجازى وزير التربية والتعليم هذا الاقتراح؟
وهل تتحمس اللجان البرلمانية المعنية للفكرة وتحض على تنفيذها؟

الخميس:

مأساة:

أن يطرق أذنك عبر المحمول هذه الكلمة، دون أى مقدمات، لا تحية، ولا اسم من يهاتفك لا شيء، إطلاقا سوى كلمة دالة على جزع صاحبها، استقبلتها وكأنها صرخة!.

أتشرف بك

أنا فلان، عذراً على هذا الاستهلال غير الطيب.

أهلا يا دكتور، حقاً لك وحشة، لكنها الحياة التى قد تباعد بين الأجساد، لكن الذاكرة تحمل لك الكثير، خيراً ما سبب ما استشعره صدمة أصابتك؟

يا سيدى، لقد ابتكر عباقرة التكنولوجيا تطبيقا غاية فى الخطورة، لأنه ببساطة يمنح العقل إجازة، ويغرى بتفشى السرقات العلمية.

كيف؟

«تشات جى بى تى» هكذا أطلقوا عليه، إنه برنامج قادر على إيصال المعلومة، وإيضاح الفكرة عبر مئات مليارات المعلومات، وبالطبع ليس متاحاً لنا حتى الآن، لكن هناك من يستطيع أن يتحايل ويصل إليه، والأمر مسألة وقت ليس إلا.

كلام خطير، أرى أن ثمة تأثيرات سلبية للغاية على ملكات التفكير عموماً، وبالأخص على من ينتج الأبحاث العلمية، لاسيما من يجنح للاستسهال.

اتفق معك تماماً فيما ذهبت إليه.

أظن أنه إذا كان التفكير فى أبسط تعريفاته يعنى إعمال العقل فى مشكلة للتوصل إلى حل لها، فإنه إذا كان متاحا عبر مثل هذا البرنامج الوصول السهل لحلول دون بذل نشاط عقلى، فإن الأدمغة سوف يعلوها الصدأ، ويضرب التكلس خلاياها!.

امتدت المحادثة وقتاً طويلاً تجاذبنا خلالها أطراف حديث تقاطع فيه الإنسانى مع ما يدور من أحداث، وبالمناسبة فإن محدثى صديق قديم، شغل فى مشواره العملى مواقع أكاديمية بارزة لعلها كانت الدافع لتخوفاته من الظلال السلبية المحتملة، لتطورات الذكاء الاصطناعى، بينما كان الباعث لمخاوفى يكمن فى تثمينى للتفكير، والعقل الإنسانى الذى ينتج الأفكار كأعظم منحة وهبها الله لمن اختاره خليفة له على الأرض.

الذكاء الخبيث!

الأحد:

لم ينقطع تفكيرى فيما دار خلال المكالمة التى ذكرت طرفاً منها، على مدى الأيام التالية فى البداية قلت لنفسى:

ربما تكون محقاً فى مخاوفك، لكن هناك من هو أحق بأن يشغله الأمر، بل وأن يسعى لاتخاذ ما يجب من احترازات وإجراءات للحد من النتائج السلبية المتوقعة، لهذا التطبيق الذكى، لكنه الذكاء الخبيث أو المدمر.

إلا أننى سرعان ما وجهت اللوم لى، فلم أعهد فى ذاتى أن أرى ما أحسبه خطراً، ثم أقول إن غيرى أولى بمواجهته، خاصة إذا كان ثمة تهديد لأجيال أراهن على دورها فى صناعة مستقبل الوطن، عبر تفكير إبداعى، أظنه فرض عين على كل قادر باختلاف موقعه طالبا أو باحثا، أو حيثما وجد.

ثم عدت أقول فى سرى:

يكفيك أن تدق ناقوس الخطر، فهناك من يؤهله موقعه أكثر منك للتصدى عمليا لهذا البرنامج؛ المريب، الذى فى ظاهره الرحمة، غير أن بباطنه الكارثة!.
أتوقع أن يلجأ المدرسون والأساتذة إلى أساليب وآليات فى التدريس والتقويم تحد من الآثار السلبية المتوقعة، لكن إذا كان لى أن اقترح، فلا بأس أن أتقدم بما أراه مفيدا لعل وعسى.

«فن التفكير» أو «قواعد التفكير الإبداعى» أو «التفكير النقدى» أو «التفكير الإيجابى».

لماذا لا يكون هناك منهج هذا عنوانه يتم اعتماده فى المرحلتين الإعدادية والثانوية ليعرف الطالب مبكراً كيف ينظم نشاطه العقلى بطريقة علمية؟ وكيف ينمى قدراته على التفكير ليبلغ أرقى مستوى فى تنظيم معارفه؟ ثم كيف يمتلك من القواعد بل والمحرضات أو المحفزات على تنظيم خبراته، وتوليد الجديد كل يوم، ومع كل موقف أو مشكلة يواجهها؟

هل يتبنى د.رضا حجازى وزير التربية والتعليم هذا الاقتراح؟

هل تتحمس اللجان البرلمانية المعنية للفكرة وتحض على تنفيذها؟

تحرير العقول

الاثنين:

ثمة ما يدعونى للتفاؤل.

مازلت من الذين يراهنون على د.حجازى فى دفع العملية التعليمية بالاتجاة الصحيح.

فى مقدمة أسبابى، كما ذكرت من قبل، أن الوزير الحالى للتعليم «أمسك بالطباشير» وجاء إلى الكرسى عبر احتكاك طويل بالعديد من المواقع داخل الوزارة، يعنى أنه وزير من «تحت السلاح».

ثم إنه واع بدقائق ملف التعليم، وقبل أسابيع وتحت قبة البرلمان توقفت أمام جملة أطلقها، «لو أردنا نعلم تفكير، لابد من إيقاف تكدس المنهج».

الله ينور عليك يا دكتور، هذا مربط الفرس، أو لب القضية.

إذا كان الهم الحقيقى للوزارة تحفيز عقل الطالب، فلابد من تصميم مناهج لا تقوم على الحشو، ولا تهدف إلى التلقين، بل تنمية تفكير أولادنا، وتحرير عقولهم من عقدة المجموع، ورهبة الامتحان، لصالح تحريك رغبتهم فى التفكير من أجل التفكير ذاته، يعنى تحرير الأبناء مبكراً من قيود كبلت عقولهم عبر الكتب المدرسية والخارجية والمذكرات والملخصات والسناتر، والمجموعات.

ليتنا جميعاً، فى الوزارة، فى البيوت فى الإعلام، نهيئ لفلذات الأكباد المناخ الذى يرغبهم فى التفكير، بالتوازى مع تعليمهم وتعويدهم كيف يفكرون، فلا فصل بين كل الدوائر التى يتحركون فيها.

والحق أقول لكم، الأولاد أو البنات يجدون فى البيت من يفكر لهم!

ثم يذهبون للمدرسة، فلا يجدون إلا المطالبة بالحفظ، وفى الدرس الخصوصى أو السنتر ليس عليهم إلا الخضوع لمن يلغى ملكات التفكير لديهم، عربوناً للمجموع الكبير، وتطلعاً لكليات القمة!.

وحتى فى الجامعة تتكرر المأساة بحجم أكبر، ثم تكون المأساة الأعظم فى العمل حين يكون المطلوب من القادمين الجدد أن يكونوا مجرد منفذين، فالمدير فقط هو من يفكر!!.

ما البديل؟ ما العمل؟
 

الثلاثاء:

حين تأملت سطورى السابقة توصلت إلى نتيجة إجمالية محصلتها أن تحفيز التفكير عند أولادنا، لا يمكن أن ينتج عن منهج دراسى مهما كان جذاباً، ومهما

برع القائم على تدريسه فى تحبيبه لنفوس طلابه، فالأمر أعمق وأخطر.

لعل الأهم أن يحيط بالأبناء مناخ بل مزاج عام يدعو للتفكير.

البداية من البيت، أسرة لا تترك زمامها لإيقاع الحياة اللاهث، دون أى فرصة لاجتماع أفرادها للتفكير معاً فيما يعنيهم كأسرة، بعيداً عن الانغماس فى حملقة كل فرد فى شاشته، لنقل أنه نوع من التمرين على التفكير.

مجموعة الأصدقاء كما كان فى جيل الأجداد، وإلى حد ما الآباء يلتقون ليفكروا عبر نقاش حيوى فيما يعنيهم من أمور، بدلاً من أن تلتقى أجسادهم، بينما عيونهم مسلطة، على أجهزة المحمول فحسب!.

الفصل الدراسى يعود لسابق عهده، عندما كان يدعو المدرس تلاميذه للتفكير بصوت مسموع، فى موضوع الدرس أو الحصة.

التفكير بهذه المعانى من شأنه أن يضرب العزلة الذهنية، وحالة التشرنق الاختيارى التى يفرضها واقع تسيطر عليه أدوات العالم الافتراضى، التفكير وحده يضربها فى مقتل، ويعيد للإنسان إنسانيته، وللمجتمع ودوائره حيويتها.

قلت لنفسى بعد تأمل:

فى غيبة الفهم الجماعى لأهمية التفكير، وما يعود به من نفع، لمن لا يقدر نعمة العقل، تسود السطحية والعشوائية، بل تتسلل الاتجاهات المتطرفة والأفكار المغلوطة، وربما يغترب الإنسان عن نفسه!.

وتساءلت: ما البديل؟ ما العمل؟.

لا شىء سوى صقل مهارات التفكير النقدى، والإبداعى، إذ أنه بوابة مؤكدة نحو مستقبل أرحب وأرقى.

ومضات:

شهرزاد لم تكن مجرد حكاءة رائعة، وإنما قبل ذلك قارئة نهمة، أهدت عصير ما هضمت من أفكار فى جرعات ملهمة لشهريار.

فى عصر الانفجار المعلوماتى، لا مكان لمن لا يملك المعرفة، مستسهلا اقتناء منتجاتها «تسليم مفتاح».

العزوف عن القراءة، ينفى الانتماء لأمة إقرأ.

عجيب أمر من يزعم أنه «حر» فى الدفاع عن التفاهة والسطحية، باعتباره «حقا إنسانيا أصيلا»!.

إذا لم تدعك صحبة الكتاب للتفكر والتدبر، فهى إلى الكتابة على صفحة الماء أقرب!.

المتذوق للكلمة يشتهى رحيقها، بأكثر مما يستعذب العسل المصفى.

الحوار الجاد يقود لتوافقات والجدل العقيم يفضى إلى الخلافات.

المعرفة بحر بلا شاطئ، ونهر لا قرار له، حقيقة لا يمارى فيها أولو الألباب.

العاكف على النقل، منكر لنعمة العقل.

الكلمة الطيبة صدقة، فما بال المتصدق برأى نافع، أو فكر يانع؟.

الانفتاح الواعى على «الآخر» دليل ثقة بالذات، بينما رفضه يعنى اهتزازها أو غيابها.

الإيمان بالعلم متمم لصحيح الإيمان، مجرد اجتهاد لتصويب العلاقة بين الدين والعلم.

كل نهاية تعود لبداية، إنها سنة الحياة، ومن يجهل هذه البديهية ينبذه التاريخ.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة