د. أسامة السعيد
د. أسامة السعيد


خارج النص

تسييس الأزمات ... كراهية بلا قلب أو عقل!

د. أسامة السعيد

الخميس، 16 فبراير 2023 - 07:21 م

قلبى مع الأشقاء فى سوريا، ومع الإخوة فى تركيا فى مصابهم الأليم.. أناس أبرياء، فى لحظة تهاوت حياتهم مثلما تهدمت منازلهم.. فى الأزمات تتلاشى كل الفوارق والمسافات، ولا يبقى غير الحس الإنساني، نتشارك به الألم، نشعر بإخوتنا فى الإنسانية بروح واحدة وبوجع يتجاوز اختلاف الجنسيات، وفوارق اللغة، وتباين الأديان والمذاهب والأفكار..

أتصور أن هذه هى الطبيعة البشرية السوية، والفطرة الإنسانية القويمة، لكن ما لا أتصوره أن يلجأ بعض الناس إلى «تسييس» الأزمات، ولا ينسون فى قلب الأزمة، وبينما يتخطف الموت الآلاف، ويتهدد المستقبل المجهول الملايين، تلك الكراهية التى تعمى قلوبهم وتغشى أنظارهم، فتجد دولا أو مؤسسات أو أفراد يبعثون برسائل التعزية لطائفة من المصابين، بينما يوزعون رسائل الشماتة فى ضحايا آخرين، أو يتعهدون بتقديم كل سبل الدعم والمساعدة لطرف، بينما يتجاهلون الطرف الآخر!

وللأسف تحولت تلك المشكلة إلى آفة تتكرر مع كل أزمة أو مآساة نشهدها فى السنوات الأخيرة، فتجد كثيرين، وبخاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يلجأون إلى استخدام أسلوب فج فى «تسييس» الأزمات، يتجردون من إنسانيتهم ويمارسون أفظع صور الشماتة فيمن يكرهون.

انتشر هذا الأسلوب بعد موجة «الربيع الزائف» التى ضربت منطقتنا، وقسمت الناس إلى شراذم وأحلاف ومعسكرات، وأشاعت أو على الأقل أظهرت الكراهية والغل بين الناس، فصار «البعض» يتمنى كل مكروه لمن يخالفه الفكر أو الاعتقاد..

بعض هؤلاء على سبيل المثال إذا وقعت مصيبة لمن يواليه ويناصره اعتبرها «ابتلاء من الله لاختبار إيمانه»، أو «وسيلة لرفع درجاته ومكانته»، بينما إذا وقعت نفس المصيبة لمن يكرهه أو يعاديه، أقسم أنها «انتقام وعقاب من السماء»، وكأن ذلك الذى أعماه غله هو من يوزع على الناس الأقدار وفق هواه، وعلى مقاس حقده!!

ينطبق نفس الأمر على على الأزمات غير الطبيعية، التى قد تقع لظروف خارجة عن الإرادة، كالمشكلات الاقتصادية الناجمة عن الحروب والأحداث العالمية، كالأزمة التى يعيشها العالم حاليا، فعندما تشهد دولة يواليها ذلك «المأفون» أزمة ما، تجده يلجأ إلى كل ما يملكه من حجج وتبريرات، بداية من نظرية المؤامرة، وصولا إلى التفسيرات «الغيبية» والتأويلات «الغبية»، ليجد مخرجا لمن يواليه.

أما إذا وقعت نفس الأزمة، حتى ولو بصورة أقل، لمن يعاديه ويكرهه، أجهد ذلك «المغلول»  بقايا عقله - إن بقى لديه عقل- لانتحال الاتهامات واختلاق الافتراءات، حتى يدين خصومه، ولا يدع لهم فرصة للنجاة من طوفان انتقاداته!!

هذا النمط من هواة «تسييس الأزمات» وتأويلها على هواهم، لا يفتقرون فقط إلى أبسط خصال الفطرة البشرية، لكنهم تحولوا إلى كتل صماء من الكراهية، التى أفقدتهم كل ما يمكن أن يتمتع به الإنسان من قلب أو عقل.

والمؤسف حقا أن تلك «البراميل» المملوءة كرها لكل شيء إلا لنفسها ولمن يشبهها، تجد لنفسها متسعا ومتنفسا عبر منصات التواصل، فتمارس فى «الفضاء الأزرق» كل ما أوتيت من «حقد أسود»، فتوزع الأكاذيب والافتراءات، مدعية العلم والمعرفة، ليتبعها ضالون آخرون، وهكذا تتسع الدائرة، وتتجذر المأساة.

المشكلة الحقيقية أن الأمر يبدو أكثر تعقيدا من كونه مرضا نفسيا، فلو كان مجرد خلل أو اضطراب لهان علاجه، لكن الأزمة الحقيقية أن أولئك الفاقدين للإنسانية، لا يعترفون بما يعانونه من أزمة، بل غالبا ما يُسقِطون أمراضهم على غيرهم، ويلقون بمثالبهم فى وجه من يواجههم، ويبادرون بالهجوم حتى لا يهزمهم صوت العقل.

إلى كل هؤلاء من معدومى الإنسانية و»مسيسي» الأزمات أقول: «ربنا يشفيكم».

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة