المصور فاروق إبراهيم
المصور فاروق إبراهيم


أسطورة الصورة l كريم فاروق إبراهيم : أسطورة والدى لن تغيب

أخبار النجوم

الجمعة، 17 فبراير 2023 - 11:31 م

مايسة أحمد

فاروق إبراهيم.. الأسطورة”، هذا ليس فقط عنوان معرض الصور الذي أقامته السفارة الأمريكية في إطار “أسبوع القاهرة للصورة”.. لكنها حقيقة وواقع، فالمصور الكبير الراحل، هو عميد المصورين، وكان له السبق والإنفراد في تسجيل لقطات الأحداث على مر سنين، وكان المصور الخاص لكوكبة من المبدعين والشخصيات العامة على رأسهم الرئيس محمد أنور السادات والعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ وكوكب الشرق أم كلثوم وغيرهم..
كريم فاروق إبراهيم يسير على خطى والده وقطع شوطا طويلا في مجال التصوير، وحقق نجاحات كبيرة رغم سنوات عمره الشابة، حتى أنه يقوم بتدريس فن التصوير بعدد من الجامعات الخاصة..
كريم يدرك حجم وأهمية الصور التي تمثل تاريخ وتراث بلدنا، فقرر تقديمها من خلال معرض يضم مجموعة من الصور النادرة لعدد كبير من الشخصيات العامة والتي تنشر لأول مرة..
في هذا الحوار نعيش مع كريم خطوات التحضير والتنفيذ للمعرض وما حوله من صعوبات وتفاصيل وأحلام..

 في البداية.. لماذا تأخرت هذه الخطوة؟
 فكرة المعرض كانت أمنيتي، وهي بالفعل تأخرت 12 عامأ، لكن التحضيرات لم تكن سهلة أبدا.

 ما سبب التأخير؟
 لم أكن مستعدا، “وكنت حاسس إني مش قد الخطوة دي”، رغم سنوات عملي الطويلة كمصور، وإنني تربيت على يد والدي المصور المخضرم فاروق إبراهيم، لكن مسئولية أرشيفه ليست سهلة أبدا، لأني في البداية كنت أرى الصور التي أحبها مثلا، أو التي تعجبني بغض النظر عن قيمة الصورة وجمالياتها الفنية، فلم أكن أعرف كيف تقرأ الصورة، فحجم الأرشيف وتكنيك التصوير لم أكن أستطيع أن أدخله بعين الهاوي، ولك أن تتخيل أنه في أحد المرات وأنا أقوم بنقل الصور من “Hard Disk” لآخر، إكتشفت أن عليه أكثر من 600 ألف صورة، وهذا على “Hard Disk” واحد فقط، فما بالك بالبقية.
 طبعا أرشيف ضخم فهو حصاد 60 عاما من العمل الدؤوب..
 هذا حقيقي، فوالدي كان محبا للكاميرا، ولم يكن مصور لجريدة أو مؤسسة، بل كان ينطلق لتصوير الشخصيات والأحداث بكل إهتمام، رغم أنه لم يكن لديه هدف مثلا لأرشفة التاريخ، لكن دون أن يدري هذا ما فعله، فعندما دخلت غرفة الصور وبدأت أبحث فيها، وجدت أنه قام بوضع كل الصور الخاصة بكل حدث في ظرف منفصل، وبداخله لن تجدي صورة للحدث فقط، إنما تسلسل زمني من قبل بداية الحدث وأثناء وقوعه وبعد إنتهائه بكل ما يحيط به من تفاصيل.

 كيف تحولت الفكرة لواقع؟
 ساعدتني نادية منير بعد أن أبدى القطاع الثقافي بالسفارة الأمريكية حماسهم لدعم المعرض ماديا، وبالتالي عقبة كبيرة تم حلها، وتبقى لدي أن أدخل في أعماق الأرشيف، ومع أول خطوة شعرت بإحساس هاورد كارتر عندما أكتشف مقبرة توت عنخ آمون، فكلا منا أكتشف كنوز لا تقدر بثمن، فوالدي لديه مجموعة ضخمة من الصور النادرة للكثير من الشخصيات العامة والأحداث التاريخية، مما أصابني بقشعريرة مع كل ظرف أقوم بفتحه، وشعرت أنني أشاهد تاريخ مصر بتسلسله الزمني، لأن كل صورة عليها تاريخ وتوقيت الحدث، “وكل شوية الموضوع بيعلى”، ومن وقت بداية فاروق إبراهيم للتصوير وحتى عام 2008 كان يملك نفس الحماس والإنتاج، رغم أنه توقف لمدة عامين، لكن مع الثورة حمل الكاميرا مرة أخرى وإنطلق، وأحيانا كثيرة أنظر للصور من العديد من الزوايا، فمرة بعين الابن، وأخرى المصور، ومرة التلميذ، ومرة كأستاذ أفهم الصور لكي أعلمها وأشرحها للطلبة في الجامعات التي أدرس بها.

وماذا وجدت في الصور؟
 رأيت فيهم كيف كان ينظر الناس لأبي، وحبهم كان ظاهر في عيونهم، فملامحهم بالصور تعكس إحساسهم، مما زاد من حبي وفخري له، ليس فقط لأنه والدي، لكن لأنه استطاع أن يحقق المعادلة الصعبة، ويجتمع الكل على حبه وإحترامه، وهذا هو الدرس الأهم الذي زرعه في تربيتي، وكان دائما يقول لي: “حب الناس هو المكسب الحقيقي في الحياة”، وكان يؤمن بأن الكاميرا رحلة تجوب كل الأماكن والأزمان، ويقول لي: “أنا عين اللي مابيمشيش”، فكان هدفه توصيل الحدث بتفاصيله لكل الناس.

هل هناك صور توقفت عندها؟
 وجدت صورة توقفت عندها لنصف ساعة، كانت رهيبة، “وخلتني أحس أن السادات صعبان عليا”، كانت داخل الكنيست الإسرائيلي وقت خطاب الرئيس محمد أنور السادات، وكان والدي يقف خلفه ويقوم بتصوير المشهد الذي أمامه، كانت وجوه الإسرائيلين مرعبة، وعلى رأسهم جولدا مائير رئيسة وزراء الكيان الصهيوني وقتها، “كانوا مبرقين ومتحفزين لأي غلطة من الرئيس الراحل”، الصور نفسها وأفكار فاروق إبراهيم كانت خارج الصندوق، فوجدت صورة للفنانة الراحلة نادية لطفي بعظمتها وهدوءها المعروف عنها قام هو بتصويرها “راسها تحت ورجليها فوق”، وأيضا الفنانة ماجدة الخطيب صورها هي وموتوسيكل داخل شنطة عربية والناس بيجروا وراها،
وصورة أخرى للملاكم الأمريكي محمد على كلاي “اللي الناس كانت تخاف تسلم عليه”، والدي قام بتصويره عند الأهرامات “حافي القدمين”، وكأنه تائه بالصحراء، وكلاي وافق على الفكرة لأنه يعلم جيدا أن الصور ستكون أكثر من رائعة، وقد كان.. شعرت من جمال الصور إن هؤلاء المشاهير يوافقون على أفكاره من ثقتهم وحبهم له.

 ما قصة صورة الدعاية للمعرض؟
 لا يعرف أحد أن الفنان محمود رضا هو من قام بتصوير والدي بهذه الصورة، فهو كان المصور الخاص بفرقة رضا، وكانا مقربان، وفي إحدى المرات، وأثناء بروفة الفرقة، كان والدي متواجد، وقام بتقليد عدد من الحركات الخاصة بالفرقة، فقام محمود رضا بإلتقاط هذه الصورة العفوية له، ووجدت أنها الأنسب لبوستر المعرض، لأنها تمثل روح والدي الحقيقية، فقد كان مثل الفراشة في حب الناس له، وسرعة إنتقاله لتوثيق الأحداث بكاميرته الخاصة.

 كيف كانت فترة التحضير للمعرض؟
 كانت صعبة جدا، فالاختيار في حد ذاته محير، حتى أن نادية منير التي ساعدتنى كثيرا منذ بداية المشروع، كانت تقول “الصور دي ماتخلصش”، حتى أننا قبل إنطلاق المعرض بيوم كنا نفكر بتغيير الصور واختيار غيرها، وبدأنا نفكر بشكل مختلف بدلا من أن نختار الصور، وبدأنا نحدد الأحداث التي نرغب بجمعها، ونبحث إذا قام بتصويرها أم لا، والمفاجأة أن جميع الأحداث التي مرت على مصر ليست سياسية فقط، وإنما فنية وإجتماعية ورياضية موجودة.
 هذا دليل على أن المحرك لديه كان عشقه للكاميرا وليس توثيقه للأحداث من أجل عمله بأي جريدة أو مؤسسة مهما كانت..
 تعقيبك في محله.. فاروق إبراهيم كان حبه هو المحرك الأساسي له، والدافع لتصوير الأحداث في أي مكان وزمان، فكان “يدفع من جيبه عشان يروح يصور في أي مكان”، وهذا ما ميزه عن غيره من المصورين، مع إحترامي الكامل لهم، فكان التصوير بالنسبة له حياة، والمفارقة أن هناك رؤساء تحرير لم يكن لديهم جرأة نشر صور والدي، لذلك هناك صور كثيرة في المعرض مكتوب عليها “تنشر لأول مرة”، فقد كان فكره سابق عصره، وكان منطلق بعيدا عن النمطية وغير تقليدية.

 هل كانت لديك محاذير معينة عندما دخلت فكرة المعرض حيز التنفيذ؟
 كان لدي مبدأ هو “Back To Raw”، أي أحافظ على أصل الصور دون أي تعديل عليها، رغم أن هذا من حقي، لكن الحق يقال “أنا ماحلمش أني أصور زيها”.
 العبقرية تكمن في أنه كان يستطيع إتقان كل ذلك رغم عدم وجود أدوات كثيرة أو تكنولوجيا تساعده..
 هذا حقيقي.. في زمانه كان هناك كيميائي شاطر أو مصور فاهم الكاميرا وإمكانياتها، وآخر يستطيع إيجاد أفكار جيدة، وآخر يستطيع أن يحدد للشخص كيف يقف وأين ينظر، وهكذا، أما فاروق إبراهيم كان يجمع بين كل ذلك، وهذه موهبة غير موجودة في كثير من المصورين، وكثيرا ما كان يحكي لي عن أنه تعلم بنفسه كل التفاصيل، ولم يكن يخاف من التجربة بأكثر من طريقة، حتى يصل إلى النتيجة المثالية.

 كيف كانت علاقتكما المهنية؟
 كان يقول لي “أنا ممكن أعلمك التصوير.. إنما تصور إزاي دي بتاعتك أنت”، فكان يترك لي حرية إختيار ما أقوم بتصويره، ومن أي زاوية، وكان يمدني بالنصائح العامة، ولم يعترض أبدا على طريقة تصويري، ولم يطلب مني أبدا تعديل أي لقطة، وكان يترك لي المساحة لأشرح وجهة نظري ويحترمها، وكان شعاره أن “الصورة الناجحة هي اللي تاخد ثانية من وقت الناس عشان توريهم حاجة حصلت في العالم”.

 ما الدرس الذي تعلمته منه وغير من شخصيتك أو طريقة تفكيرك؟
 كان درس ثمنه غالي جدا، وقت ثورة 25 يناير وحتى قبل تنحي الرئيس مبارك تلقيت إتصال هاتفي من إحدى وكالات الأنباء العالمية، وسألوني عن صور فاضحة أو خاصة لحسني مبارك، وأن المقابل شيك أبيض أضع بنفسي أي رقم فيه كمقابل، فإتصلت بوالدي وأخبرته، فطلب مني أن أذهب إليه في اليوم التالي، وعندما وصلت وجدته بالجراج وأمامه صندوق من الكرتون كبير به صور خاصة جدا لمشاهير المجتمع، سواء سياسيين أو فنانين، وقال: “اللي يخليك تفكر في الفلوس يبقى أنت مش أمين على الصور دي.. الناس اللي صورتهم وثقوا فيا ولازم أكون قد الثقة دي وما أخونش الأمانة أبدا”، وقام بحرق الكرتونة أمام عيني، وقتها كان سني صغير، وأعتقدت أنه لا مشكلة من بيع الصور، لكن هذا الدرس علمني قيمة الصور، وأن كنوز الدنيا لا تغني عن الأمانة، فهو ضحى بتراث من الصور ليحافظ على الأمانة، ويعلمني ألا تغريني الأموال مهما كانت، إذا كان من يسعى إليها سيء النية وله أهداف دنيئة، وقتها “تغور الفلوس”.

 ما أكثر شيء أسعدك في هذه التجربة؟
 إن جمهور الحاضرين كان من كل أطياف الشعب، فليس المتخصصين أو هواة التصوير فقط، وأنما كل طبقات المجتمع، فالصور فعلا جميلة، وحتى لو وجدت صورة راقصة لن تخجل من رؤيتها مع أبناءك، فأنا بالفعل أملك كنز، وإذا لم نقدر ما فات لن نتقدم للأمام، وأساتذتنا صنعوا تاريخ وإبداع لابد أن نحميه ونعمل على إحيائه، وفي هذا الإطار أحب أن أوضح أن كتيبة “أخبار اليوم” قامت بمجهود جبار للحفاظ على تراث الصور، فالأستاذ حسن دياب وضع نظام متكامل للحفاظ على تاريخ المصورين ومنهم والدي، في حين أن مؤسسات أخرى ضاع تاريخهم وتراثهم إندثر بسبب الإهمال، وهذه خسارة فادحة.

 ما أكثر عقبة واجهتك عندما قررت تنفيذ فكرة المعرض؟
 كان هناك عدة مشاكل تتقارب في الأهمية، منها التمويل، سواء للطباعة أو لقاعة العرض، لكن بفضل الله القطاع الثقافي بالسفارة الأمريكية استطاع حل جزء كبير من هذه المشكلة، ثم إنتقلت لمستوى آخر من الصعوبة، وهو اختيار الصور نفسها، فالصور الموجودة بالمعرض من مجلة “آخر ساعة” فقط، رغم أن والدي عمل في أماكن كثيرة، وهذا بالطبع غير الأحداث والشخصيات التي قام بتصويرها بدافع شخصي، لكن رغم الصعوبات، فأنا راضي عن المعرض، وأعلم أنه كان من الممكن أن يخرج بشكل مختلف أو حتى أفضل في بعض الجوانب، لكن بالنظر للظروف التي مررنا بها - أنا ونادية منير - أثناء التحضيرات التي بدأناها منذ عام كامل، فهذه نتيجة مرضية بالنسبة لنا.

 في وسط تلك الصعوبات، هل شعرت في لحظة باليأس أو أنك ترغب في التوقف؟
 أنا مقتنع بأنني أملك أرشيف تفخر به أي دولة في العالم، وعندما فكرت في إقامة معرض كان هدفي الحفاظ على تراث بلدنا، وأحاول جاهدا أن الأجيال الجديدة تطلع على إبداعات جيل العظماء، لكن ما أحزنني حقا أن من يقدر كل ذلك عددهم قليل.

  لكن بما إن القطاع الثقافي في السفارة الأمريكية كانت لديهم مبادرة طيبة بالنسبة للمعرض ألم تتناقش معهم لإمكانية دعم فكرة المتحف أيضا؟
 تحدثت معهم بالفعل، ووعدوا بتبنيهم إنشاء معامل للحفاظ على الأفلام، وبدأوا يدرسوا ترميم الأرشيف المصور في بعض المؤسسات، وإن كنت أتمنى أن يكون هناك حراك محلي مماثل، فهم مشكورين لتفهمهم قيمة تراثنا، لكن مع كامل إحترامي، بلدنا أولى بتراثنا والحفاظ عليه، وأنا لا أتحدث بشكل شخصي، فأرشيف والدي وضعه أفضل كثيرا من زملائه المبدعين، والجميل أن بعضا منهم بدأ يركز على أهمية الحفاظ على أرشيفهم، ومنهم حسن دياب وعادل مبارز، فشعرت أن هناك أمل في الإهتمام وتسليط الضوء على تراث بلدنا “اللي لازم كلنا نحميه”.

 ألم تخطر ببالك فكرة إختيار موضوعات مماثلة لما قدمه والدك لكن مع تقديمها بمنظورك تحت شعار “Like Father Like Son”؟
 ضحك قائلا: هل تصدقين أن هناك حوالي 300 أو 400 صورة أكتشفت أنها نفس موضوعات قد قدمها والدي منذ سنوات طويلة، ومن ينظر للصور يشعر أن بها خيط خفي يربطها ببعضها.. فأنا تربيت وسط هذه الصورة بحكم أنني إبنه، وبالتالي دون أن أقصد أجد “في حاجة من روحنا متشابهة، وبلاقي أنني ملمس معاه في حاجات كتير”، وهذا شيء يسعدني ويشرفني طبعا.

 في عصر السوشيال ميديا و”إنستجرام” تحديدا.. هل تعتقد أنهم يشكلون تهديدا للمصورين المحترفين؟
 أجاب سريعا: بل هو تهديد صريح للتمثيل والغناء وليس للتصوير، لأن الفنانين بفيضان الصور التي ينشروها على مدار اليوم تجعلهم دون أن يشعروا يتخلوا عما نطلق عليه “البرسونا -Persona “، بمعنى، أم كلثوم مثلا “بنت بلد وبتحب الهزار”، لكن على المسرح “هانم وقورة”، وبما إنها زمان لم تظهر للجمهور حياتها الشخصية، فكانوا يصدقون وقارها على المسرح، وبالتالي كثرة الصور من حياة الفنانين الشخصية تجعلهم يفقدوا مصداقيتهم على الشاشة عند الجمهور.

نقلا من عدد أخبار النجوم بتاريخ  ١٦/٢/٢٠٢٣

أقرأ أيضأ : السفارة الأمريكية تكرم أسطورة التصوير في مصر «فاروق ابراهيم».. صور

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة