خالد محمود
خالد محمود


«جنيات انيشرين» .. نظرة على الصداقة والولاء والخيانة والثقة والندم

أخبار النجوم

السبت، 18 فبراير 2023 - 12:11 ص

دون شك، يعتبر فيلم “جنيات انيشرين” من أرقى أعمال المخرج مارتن مادونا، تجربة رائعة مكتملة الصنع لـ”كوميديا تراجيدية سوداء”، تتأمل في الحياة عندما ينفرط عقد الصداقة بها.
القصة تدور في عام 1923، مع إحتدام الحرب الأهلية الأيرلندية، حيث يندلع صراع أصغر بين رجلين تجمعهم علاقة إنسانية حميمة للغاية، هما كولم (بريندان جليسون)، وبادريك (كولين فاريل)، قضيا أوقاتا كثيرة من حياتهما على بقعة من الصخور قبالة الساحل الغربي لأيرلندا، ويجتمعا في حانة الجزيرة الوحيدة يوميًا للدردشة حول نفس المواضيع كإيقاع لحياة.. أعلن “كولم” فجأة أنه يريد أن يكون بمفرده وسط ذهول “بادريك” الرافض لقبول ذلك القرار، مما يؤدي إلى أفعال من شأنها زعزعة مجتمعهما الودود الصغير.

في سياق السرد الناعم  للفيلم؛ يرسم إحدهما خطاً لحياته في الرمال، ويختار آخر أن يتجاهله، والنتيجة هي كوميديا درامية ساحرة تدور حول أولئك الذين يفضلون الحزن الهادئ والمتوقع على الفرح المستتر، ومن ثم يطرح السؤال: “هل كولم في رغبته  أن يكون وحيدا غير معقول؟”، “هل ينبع رد فعل بادريك من الأنانية أو القلق على الرجل الأكبر سنًا؟”، “هل من حق بادريك أن يشعر بالخيانة بعد أن استثمر الكثير في الصداقة؟”. 

من خلال “كولم” و”بادريك”، وجد الكاتب والمخرج البريطاني الأيرلندي الحائز على جائزة “الأوسكار”، مارتن ماكدونا، شخصيتين مقنعين لتحريك موضوعاته المفضلة، والتي بحلول النهاية لا تبدو غريبة جدًا بعد كل شيء، ربما يكون كونك متمردا  هو أصدق أشكال الحرية، هكذا يحاول ماكدونا أن يحرك شيء بداخلنا.

يرى “كولم” الشخصية الحساسة المفعمة بالتعاسة الريفية الأيرلندية على حقيقتها، إنه شخصية مأساوية، رجل ولد قبل الأوان في المكان الخطأ، بينما يشعر “دومينيك” بالإضطهاد بشكل خاص، وهو منبوذ، وأخت “بادريك” غير المتزوجة سيوبهان (كيري كوندون)، مثل “كولم”، ترى الجدران تضيق عليها
في الفيلم، هناك شخصية ساحرة لتقديم لحظات مرعبة ومضحكة وإنذار بكراهية الذات. 

حوار ماكدونا  المتلألئ ، مع الشفقة والكوميديا المتضمنة في كل سطر ، ممتع كما هو الحال دائمًا يجعل الشعر وكأنه كلام طبيعي على لسان أبطاله فاريل وجليسون وكون ون .

في لقطة ساخنة، يقدم ماكدونالد حوارا مناهضًا للحنين إلى الماضي، في هذه الفترة حول الرجال والنساء الذين أصبحوا كنباتات الخشخاش الطويلة في قرية أيرلندية تتوق إلى قطعها.

دون شك العمل له صفة شكسبيرية، حكاية الانفصال بين صديقين مقربين يعيشان في جزيرة صغيرة “وهمية”، يثبت أنها نقطة انطلاق رائعة للتفكير في من نختار قضاء وقتنا معه، ولماذا؟.. 

أنه واحد من أفضل الأفلام الحديثة تمثيلا، حيث يمزج الأداء والسيناريو الرائع والصورة المدهشة بالكوميديا الكئيبة والمظلمة، مع نظرة متعددة الطبقات على الصداقة والولاء والخيانة والثقة والندم. 

كولين فاريل وبريندان جليسون ديناميكيان معًا، لكن هذا قد لا يكون فقط أفضل أداء في مسيرة فاريل المهنية، لكن باري كيوجان يسرق مشاهده بتحول حلو ومر وحزين كرجل مضطرب.

أفلام ماكدونا ليست سهلة الهضم في جلسة واحدة، وموضوعاته معقدة، وتعيش في ظلال رمادية، وغالبًا ما تترك المشاهدين يفكرون فيما شاهدوه عند خروجهم من قاعة العرض. 
من خلال كتاباته ورؤيته الاستثنائية، يرسم ماكدونا الصورة العامة لنا، ويثق أن ذلك سيكون كافياً للممثلين والجمهور للتواصل مع بعضهم البعض، يصنع إيقاعًا رائعًا من مشهد إلى آخر، ويكمله ببراعة مقطوعات موسيقية شعبية إيرلندية هائلة مؤثرة من كارتر بورويل.

تجمع الألم البشري من خلال الشخصيات الذين، شيئًا فشيئًا، يتوقفون عن الوجود، لأنهم يرون أنفسهم بشكل متزايد كأرواح محاصرة في حزن.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة