عصام عبد الحافظ
عصام عبد الحافظ


يوميات الاخبار

دورة سيدنى.. معركة خارج الملاعب!

عصام عبدالحافظ

الأحد، 19 فبراير 2023 - 07:39 م

ودأبت إسرائيل على استغلال هذا الحادث فى المناسبات الرياضية وخصوصًا الدورات الأوليمبية، وكانت تسعى دائمًا إلى توظيفه لأغراضها السياسية

الزلازل الأعنف!
الإثنين
فوجئ العالم فى هذا اليوم – الاثنين 6 فبراير 2023 – بوقوع احد أعنف الزلازل، ومن أكثرها كارثية على البشرية، ضرب عشرات المدن فى جنوب تركيا وشمال سوريا، وبمرور الساعات والأيام لم يتوقف حجم الدمار والخراب وعدّادْ القتلى والجرحى من توابع الزلزال. استشعر العالم وجيران الدولتين الشقيقتين حجم الكارثة ومآسيها الإنسانية، وصُنف ضمن الزلازل الأكثر تدميرًا فى تاريخ البشرية، واقترب فى كارثيته من زلزال ديسمبر 2004 الذى أصاب إندونيسيا بقوة 9,3 من مقياس ريختر، وتسببت قوته الرهيبة فى حدوث تسونامي عملاق بارتفاع 30 مترًا فى المحيط الهندى، وضرب سواحل 14 دولة أسيوية، واقترب عدد ضحاياه من ربع مليون نفس بشرية بخلاف أضعاف هذا الرقم من المصابين علاوة على الخراب والدمار الاقتصادى. وتحتفظ ذاكرة العالم بكوارث للزلازل لم تقل قوتها عن 7 من مقياس ريختر، وأودت بحياة مئات الآلاف، وبالملايين من المصابين، وأقربهم زلزال منطقة البحر الكاريبى الذى ضرب جزيرة هاييتى فى يناير 2010، واستمرت توابعه على مدار أسبوعين، وكذلك زلزال مارس 2011 الذى كان مركزه المحيط الهادى بقوة 9,1 ريختر، وتضررت منه اليابان، وحصد أرواح حوالى عشرين ألفًا، وفى مايو من عام 2008 ضرب زلزال بقوة 8,1 ريختر مقاطعة سيشوان بجنوب غرب الصين، وقبل ذلك بثلاث سنوات فى اكتوبر من عام 2005 ضرب زلزال بقوة 7,6 ريختر العديد من مناطق جامو وكشمير المتنازع عليها بين باكستان والهند، وأودى بحياة 86 ألفا وشرد ملايين البشر.


مشاعر إنسانية مشروطة!
وفى مثل هذه الكوارث للطبيعة الغاضبة، تتجلى المشاعر الإنسانية، وتمتد يد العون والمساعدات للمنكوبين ولإنقاذ الذين مازالوا يتنفسون تحت الأنقاض، وفى مأساة الزلزال الأخير كانت المحاولات الإنسانية للأشقاء فى تركيا بأفضل منها عند الأشقاء فى سوريا، بل إن صورة المشهد فى بلاد الشام أكثر مأساوية فى الدمار والخراب والضحايا، ومعاناتهم تبدو الأسوأ والأصعب بندرة الإمكانيات وضبابية المشهد، والأكثر من ذلك قسوة نظام يضع العراقيل أمام دخول مساعدات الأمم المتحدة، وكان يشترط رفع الحصار المفروض على بلاده قبل السماح بدخول إمدادات القلوب الرحيمة، فعانى المنكوبون من قسوة القلوب، وقسوة البرد والصقيع، وقسوة زلزال الإثنين وتوابعه.


ومازلنا نذكر قسوة الزلزال الأسوأ الذى أصاب القاهرة الكبرى عام 1992، ووقع أيضًا يوم الإثنين 12 أكتوبر بقوة 5,8 درجة على مقياس ريختر، وكان مدمرًا وخصوصًا فى العشوائيات والمبانى القديمة، وتسبب فى مقتل 561 شخصا وإصابة أكثر من 12 ألفا، وشرد أضعاف هذه الرقم خمس مرات.
مازلت أذكر هذا اليوم وكأنه بالأمس القريب، فقد اعتدنا فى جريدة أخبار الرياضة فى دارنا الحبيبة أخبار اليوم أن يُعقد اجتماع مجلس التحرير الأسبوعى برئاسة الكاتب الصحفى الأستاذ فتحى سند فى ذلك اليوم – الإثنين – ويتصادف أن تكون طباعة الجريدة قبل موعد صدورها بيوم واحد، وخلال المناقشات وعرض أفكار العدد الجديد وقع الزلزال فى عصر ذلك اليوم، وهرول الجميع فى اصدارات الدار وقطاعاتها بالنزول إلى شارع الصحافة، وكان الزملاء فى إصدارات الأخبار وأخبار اليوم وآخر ساعة يهرولون ومعهم المصورون إلى المناطق المتضررة من الزلزال وتوابعه لرصد الأحداث وخصوصا ردود الأفعال الإنسانية التى كانت فى أروع صورها المعروفة عن المصريين.


حائط مبكى أوليمبى!
الثلاثاء
زار وفد مصرى للصحافة الشبابية ألمانيا فى عام 1999، وكنت ضمن هذا الوفد خلال الزيارة تنفيذا لبروتوكول تبادل بين المجلس الأعلى للشباب والرياضة ومنظمة إياب العالمية  ijab  ومقرها مدينة بون، وكان من أفراد الوفد أيضًا الزميل الكاتب الصحفى محمد هيبة الذى تولى رئاسة تحرير مجلة صباح الخير فيما بعد، وكل من الصديقين محمود الجراحى وكيل الوزارة السابق، ومحمد عاطف «رحمه الله»، وكذلك اثنان آخران من وزارة الشئون الاجتماعية.
وكان ضمن البرنامج زيارة للقسم العربى بهيئة الإذاعة الألمانية DW ومقرها فى مدينة كولن، وتصادف أن يكون الموعد فى العاشرة صباح يوم الثلاثاء الأول من سبتمبر، وكان يصحبنا فى الجولة واللقاء الإعلامى المغربى محمد الميزيانى وزميله المصرى شكرى عبد الحميد، وكلاهما من المسئولين فى القسم العربى، واختتمت الجولة بلقاء مع رئيسهما المباشر وهو ألمانى ويدعى د.رينولد ميير. وكان رينولد يُفضل استخدام اللغة الإنجليزية فى حديثه معنا الذى امتد لقرابة الساعتين من التشويق والمتعة والتفاعل المشترك، وخصوصا إقحام السياسة فى الرياضة وزيادة استخدامها بنوايا مختلفة على مستوى العالم.
وخلال اللقاء تنبهت إلى معلومة ذكرها د.رينولد، فكانت بمثابة أحد أهم الأخبار التى انفردت بها طوال مسيرتى الصحفية، ومهدت الطريق لأهم وأنجح الحملات على صفحات جريدة أخبار الرياضة وبعض إصدارات دارنا الحبيبة أخبار اليوم، وبها حصلت على جائزة التفوق الصحفى من نقابة الصحفيين.
فقد قال الرجل حرفيا فى سياق حديثه عن الرياضة والسياسة «أعتقد أن السياسة لها حضور كبير فى الدورات الأوليمبية، والأحداث التاريخية تؤكد على ذلك، وأننى سمعت من بعض الأصدقاء القادمين من أستراليا أن اللجنة المنظمة لدورة سيدنى الأوليمبية، قد وافقت للجالية اليهودية بإقامة نصب تذكارى خلال فعاليات الدورة لإحياء ذكرى الرياضيين الإسرائيليين الذين ماتوا فى دورة ميونخ الأوليمبية عام 1972.


تمهيد لحملة صحفية ناجحة
قال الرجل هذا الكلام وربما لا يدرى إنه ألقى بقنبلة وليس مجرد معلومة، على الأقل فى تقديرى الشخصى، وعليه سارعت بإرسال الخبر، فتم نشره وإبرازه تحت عنوان «مؤامرات إسرائيل تمتد لدورة سيدنى» فى صدر إحدى صفحات كل الألعاب فى العدد رقم 516 من جريدة أخبار الرياضة.
ولمن لا يعرف فإن دورة ميونخ شهدت واحدة من العمليات الفدائية للفلسطينيين ضد البعثة الإسرائيلية واحتجزوهم كرهائن، وكان المجاهدون الفلسطينيون يهدفون من وراء مثل هذه العمليات وغيرها الرد على جرائم الجيش الاسرائيلى ضد الفلسطينيين سواء فى الداخل أو الخارج، وأيضا وهذا هو الأهم تصعيد قضيتهم وحقوقهم المشروعة أمام ضمير العالم، ووقتها اشتعلت ردود الأفعال العالمية، وانتهت عملية ميونخ بقتل حميع الرهائن والفدائيين معا.


ودأبت إسرائيل على استغلال هذا الحادث فى المناسبات الرياضية وخصوصًا الدورات الأوليمبية، وكانت تسعى دائمًا إلى توظيفه لأغراضها السياسية، والأهم لتشويه صورة الفلسطينيين ثم العرب فى المحافل الدولية، ولذلك بعد عودة وفد الصحافة الشبابية من ألمانيا، كانت ما تزال المعلومات حول موافقة السلطات الاسترالية للجالية اليهودية باستغلال دورة سيدنى عالقة فى الذهن، وتستحوذ على التفكير، ولم يتردد الكاتب الصحفى فتحى سند فى تكليفى بعمل حملة صحفية على صفحات أخبار الرياضة لكشف المؤامرة وفضحها والعمل على إحباطها، وكانت الكاتبة الصحفية هناء كامل مدير التحرير أكثر حماسًا وتشجيعا على استمرار الحملة وتطويرها لكى تحقق أهدافها.


ريودى جانيرو كلمة النهاية
كشفت الحملة على مدار تسعة أشهر تفاصيل كثيرة وأسرارا خطيرة، ولم تقتصر المطالب الاسرائيلية على إقامة نصب تذكارى، بل أيضا الوقوف دقيقة حدادًا وتنكيس الأعلام على ضحايا البعثة الاسرائلية فى دورة ميونخ، وهذا فى حد ذاته يشكك فى وجود شىء من التواطؤ من جانب بعض قيادات اللجنة الأليمبية الدولية، وتنفيذها خلال الدورة يخدم مصالح إسرائيل، فتكسب تعاطف العالم فى الضغط على الفلسطينيين خلال المفاوضات التى أعقبت مؤتمرى أوسلو ومدريد، وخصوصًا أن المفاوضات كانت تتأهب لمناقشة الملفات الشائكة مثل القدس واللاجئين والحدود والمياه.


ومع ذلك استطاعت حملة أخبار الرياضة أن تخلق ردود أفعال عربية واسعة، وتجاوبت معها اللجنة الأليمبية المصرية وخصوصا سكرتيرها العام الدكتور سليمان حجر «يرحمه الله»، والأوليمبية الفلسطينية التى كلفت نائبها ربيع الترك بتصعيد أبعاد المؤامرة، لكن رد الفعل الأقوى الذى حرك المؤسسات الرياضية العربية إقليميا ودوليا، كان من جانب الأمانة العامة للجامعة العربية، ولدرجة أن الأمين العام الدكتور عصمت عبد المجيد «يرحمه الله» هدد بانسحاب البعثات الرياضية العربية من الدورة، فكان ذلك بمثابة الدفعة الكبرى لإجهاض مخطط المؤامرة.


واضطرت اللجنة المنظمة لدورة سيدنى التراجع عن موافقاتها السابقة للمخططات الإسرائيلية، وأعلنت ذلك فى ريودى جانيرو خلال اجتماع «الاكنو» الذى يُعرف باتحاد اللجان الاوليمبية الأهلية فى مايو 2000، ولم تكتف اللجنة المنظمة بذلك بل أرسلت المدير التنفيذى للجنة الأليمبية الاسترالية ساندى هولواى إلى القاهرة لكى يقدم دعوة المشاركة للأوليمبية المصرية، وحرص على عقد مؤتمر صحفى فى وزارة الشباب بحضور الوزير على الدين هلال وقيادات الوسط الرياضى، وأعلن فيه هولواى التعهدات الاسترالية بعدم الموافقة على المطالب الاسرائيلية.
وخلال هذه الحملة الصحفية، تكشفت أمامى العديد من الخبايا والأسرار فى الصراع العربى الإسرائيلى، والذى أخذ من الرياضة مسرحًا وغطاء، فكان ذلك عنوانا لأحد إصداراتى «مؤامرات إسرائيلية.. جواسيس وجرائم الموساد فى عالم الرياضة».

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة