الشيخ محمد متولي الشعراوي
الشيخ محمد متولي الشعراوي


خواطر الإمام الشعراوي .. عقاب المكذبين

الأخبار

الخميس، 09 مارس 2023 - 06:31 م

يواصل الشيخ الشعراوى خواطره حول الآية 219 من سورة البقرة قائلا: وما دام الإثم أكبر من النفع، فقد رجح جانب الإثم. هذا فى العملية الذاتية، أما فى العملية الزمنية فقد قال سبحانه: «لاَ تَقْرَبُواْ الصلاة وَأَنْتُمْ سكارى» «النساء: 43». وبعد ذلك أنهى سبحانه المسألة تماما بقوله الحق: «يا أيها الذين آمَنُواْ إِنَّمَا الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشيطان فاجتنبوه لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» «المائدة: 90».

ثم تمضى الآية إلى سؤال آخر هو «وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ العفو» إنه السؤال نفسه من عمرو بن الجموح وكان الجواب عليه من قبلُ هو «قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل» وهنا جواب بشكل وصورة أخرى «قُلِ العفو» والعفو معناه الزيادة وفى ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: «وَمَآ أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بالبأساء والضراء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السيئة الحسنة حتى عَفَوْاْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضراء والسراء فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ» «الأعراف: 94-95». إن الله جلت قدرته يحذر وينذر لعل الناس تتذكر وتعتبر.

وإنه سبحانه لم يرسل نبيًّا إلى قومٍ فقابلوه بالتكذيب والنكران إلاّ أخذهم وابتلاهم بالفقر والبؤس والمرض والضر لعلهم يتوبون إلى ربهم ويتذلّلون له سبحانه ليرفع عنهم ما ابتلاهم به، ثم لما لم يرجعوا ويقلعوا عما هم فيه من الكفر والعناد اختبرهم وامتحنهم بالنعم؛ بالخصب والثراء والعافية والرخاء حتى كثروا وزادت أموالهم وخيراتهم.

وقالوا وهم فى ظل تلك النعم: إن ما يصيبنا من سراء وضراء وخير وشر إنما هو سنة الكون، وعادة الدهر، فأسلافنا وآباؤنا كان يعتريهم مثل ما يصيبنا ، ولما أصروا على كفرهم باغتهم الله بالعذاب، وأنزل بهم العقاب المفاجئ. قلبهم الله بين الشدة والرخاء، وعالجهم بالضر واليسر.

وحتى لا تكون لهم حجة على الله، ولما ظهرت خسة طبعهم وأقاموا على باطلهم أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر. ولنتأمل قوله تعالى فى ذلك: «وَلَقَدْ أرسلنا إلى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بالبأساء والضراء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فلولا إِذْ جاءهم بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ ولكن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حتى إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أوتوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ» «الأنعام: 42-44».

وأى لم نعجل بعقابهم بل تركناهم فتمادوا فى المعصية حتى إذا فرحوا بما أتوا من النعمة والثروة وكثرة العدد، «أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ» أى يائسون من رحمة الله أو نادمون متحسرون، ولا ينفعهم الندم حينئذ. فقد فاتت الفرصة وضيّعوها على أنفسهم.

وإن الحق ينزل هذا الأمر كعقاب وبه تكون النقلة صعبة ، إنهم يتمادون فيعاقبهم الحق عقابًا صاعقًا ، كالذى يرفع كائنًا فى الفضاء ثم يتركه ليهوى على الأرض ، والعفو هنا يمكن أن يكون بمعنى أنهم ازدادوا فى الطغيان.

وهناك معنى آخر للعفو فقد يأتى بمعنى الترك: «فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فاتباع بالمعروف» «البقرة: 178». أى فمن ترك له أخوه شيئا فليأخذه. إذن فالعفو تارة يكون بمعنى الزيادة، وتارة أخرى يكون بمعنى الترك، والحق هنا يقول: «وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ العفو» أى أن الإنفاق إنما يكون من الزائد عن الحاجة، فيكون معنى العفو هنا هو الزائد أو المتروك.

وهكذا نرى أن العفو واحد فى كلا الأمرين، فلا تظن أن المعانى تتضارب؛ لأن بها يتحقق المعنى المقصود فى النهاية ، فالعفو هو الزيادة، والعفو أيضا يؤخذ بمعنى الصفح. إذن فالإنفاق من الزائد عن الحاجة يحقق الصفح ويحقق الرفاهية فى المجتمع.

وفالذى يزرع أرضًا وينتج ما يكفيه هو وعياله ويزيد، فهل يترك ما يزيد على حاجته ليفسد أم ينفق منه على قريبه أو جاره المحتاج؟ أيهما أقرب إلى العقل والمنطق؟ وكان ذلك قبل أن يشرع الحق الزكاة بنظامها المعروف.

وما سر تبديلها من عفو إلى زكاة؟ لأن الحق أراد أن يقدر حركة المتحرك، فجعل حركته تخفف عنه ولا تثقل عليه. لأن حركة المتحرك تنفع المتحرك، أراد المتحرك أو لم يرد؛ ولذلك نجد (زكاة الركاز) وهى الزكاة المفروضة على ما يوجد فى باطن الأرض من ثروات كالمعادن النفيسة والبترول وغيرها.

ولقد جعل الحق نصاب تلك الزكاة عشرين فى المائة، أى الخمس بينما الذى يحرث الأرض ويبذر فيها الحب ويتركها حتى ينزل المطر فتنمو فنصاب الزكاة هو العشر على ما أنتجته زراعته. وأما الذى يزرع على ماء الرى فعليه نصف العشر.

والذى يتاجر كل يوم ويتعب فيذهب للمنتج ويشترى منه، ثم يوفر السلعة على البائع فيشتريها، هذا نقول له: عليك اثنان ونصف فى المائة (2.5%) فقط. إذن فالزكاة متناسبة مع الحركة والجهد، كأن الحق يحمى الحركة الإنسانية من حمق التقنين البشري.

اقرأ أيضاً| المفتي: هذه المرحلة تحتاج البلاد فيها إلى الإنفاق على مصارف الزكاة | فيديو

نقلا عن صحيفة الاخبار : 

2023-3-10


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة