صالح الصالحي
صالح الصالحي


يوميات الأخبار

صالح الصالحي يكتب: المصالح دول وشعوب وأفراد

صالح الصالحي

الإثنين، 13 مارس 2023 - 06:48 م

عالم يموج بالخلافات والصراعات.. تهان فيه الانسانية.. وتكتب شهادة وفاة السلام العالمى بإمضاء «المصالح».

لا مواقف نهائية.. لا خصومة أو عداء مستدام.. ولا علاقات صحية دائمة، بين الدول.. فما يحكم العلاقات الدولية وحتى الأفراد هى علاقات المصالح، ولاسيما العلاقات الاقتصادية.. فهى التى تمنح كافة العلاقات الصيرورة والقوة.. فى حراك بين الجميع لا يتوقف، فلن يعجزه أن يسقط أحد، حتى ولو كان فاعلا.. فالأحداث كلها تسير فى وقت واحد.. بمنطق الكل باحث عن مصلحته.
فلن تتوقف الحياة.. ولن تتوقف الحركة فى كافة المشاهد.. إلا انه رغم ذلك تستوقفنى مشاهد وتثير انتباهى مواقف.. لكن تلك الملاحظات لا تقدم ولا تؤخر فى المشهد المتحرك الذى يسعى دائما لتحقيق مصالح أصحابه وبمعنى آخر أطرافه.

فى ظل عالم يموج بالخلافات والصراعات، تهان فيه الانسانية وتختفى معانيها فى احتدامات بلا حدود أو سقف تكثر معها التحركات والتغيرات ويكثر معها الدهشة.. لكن كل يتحرك فى طريقه وطريق غيره إذا اعترض طريقه.. مصالح تحرك الجميع ولا مكان لتساؤلات كيف ولماذا؟.. عبارات تعبر عن السذاجة فى هذا الزمان.. خلاف أمس، تحالف اليوم والعكس.. شعار واضح لا مواربة فيه ولا عاطفه ولا مجال لهما.. ليس جديداً هذا الأمر فى العلاقات الدولية، سواء كانت على مستوى من السلمية أو الحروب.. أو حتى سبق أى منهما الاخر.. أو فرض أحدهما الآخر.. فنجد المنطقة والعالم بأثره يموج بالخلافات التى تحركها الأيديولوجيات العقيمة فى غالبها.. وتدفع بها لحروب وتمزقات.. أو تدفعها لمطامع سياسية.. تفتح طريقها لعمليات عسكرية.. أو الدفع بثورات وانتفاضات كل يصب فى مصالح فى مواجهة مصالح!!.. أو حتى ايجاد أرضية مشتركة.. وأحيانا تكون العلاقات أكثر رشدا فتحيد الأطراف الايدلوجيات بعد ما ثبت عقمها وتفاهتها فى ظل انهيار امبراطوريات ودول ظلت تحمل شعارات جوفاء، وفى النهاية سقطت وتمزقت لتظهر صور اخرى من المعارك الخفية والمعلنة تصب فى صالح المصالح التى لا يخجل أحد من إعلانها.

وتمتد الحسابات والاعتبارات التى تحرك الدول عبر بقاع العالم، فلا حدود للمكان أو الجوار.. فالمصالح الجيوسياسية والجيواستراتيجية تحرك الجميع فى البحث عن مكاسب فنرى نموذج انهاء الخلاف الإيرانى السعودى بواسطة الصين خير نموذج بعد ٧ سنوات من القطيعة الدبلوماسية، ومن قبله بالأمس القريب انتهت المقاطعة الخليجية العربية مع دولة قطر التى استمرت أكثر من ثلاث سنوات.. كلها تطورات مفاجئة تحمل أسباباً وتداعيات للمصالحة على ملفات إقليمية، وخاصة أوضاع ساحات كانت تشهد طيلة عقود تنافساً حاداً.. فنجد هذا المشهد كان جليا بين السعودية وطهران والإمارات وكل يحمل أسبابه.. سواء كانت عقائدية أو خلافاً على سيادة أرض بين الدول.. حتى الدول الكبرى أو ما نسميها بالفاعلة الكبرى تتنافس على الاستحواذ على أدوار المصالحة أو الانحياز.. فتجد المعسكر الشرقى على رأسه الصين ينجح فى خطف الأضواء من الولايات المتحدة الأمريكية فى أدوار وتبادل لأدوار لا تعرف سوى ديناميكية العلاقات لتحقيق مكاسب.

دور صيني فى مواجهة أمريكي
دول تتقارب وأخرى تتهدد.. دول تتحالف وأخرى تقع تحت طائلة القطيعة.. فتتداخل المصالح ولا يعدم أحد أن يمتلك من القوة والهيمنة للوصول إلى أهدافه وتجنيبه مخاوف من قوى اخرى مناوئة صاحبة مصالح ضده قد تهدد وجوده.. فنجد أن كل المبادرات العربية على مدار سنوات فشلت فى تحقيق التقارب بين السعودية وطهران فى وقت كانت تؤجج فيه الولايات المتحدة هذا الخلاف، وفجأة تأتى زيارة الرئيس الصينى للسعودية مما أثار حفيظة ايران وشعرت معه بتهديد فى العلاقات بين الطرفين بسبب التقارب السعودى الصينى.. وبعد نحو شهرين من زيارة الرئيس الصينى للسعودية جاءت زيارة الرئيس الايرانى للصين، التى تواكبت مع طرح بكين  لمبادرة الصلح بين الرياض وطهران.

علما بأن القطيعة الأخيرة بين السعودية وايران لم تكن الأولى فقد سبقها مرات عديدة فى أعوام ١٩٤٣، ١٩٧٩ فى أعقاب الثورة الإسلامية على الرغم من سابقة علاقات قوية بين البلدين والولايات المتحدة.. إلا أن الثورة الإسلامية الإيرانية والتمدد الشيعى حدد العلاقات بين الدولتين.. حيث دفعت الايديولوجية الشيعة فى ايران تصدير الثورة الإسلامية ومعاداة الولايات المتحدة ومنازعة السعودية على زعامة العالم الإسلامى، مع تعاظم دور ونفوذ ايران فى المنطقة من خلال تصاعد دور فيلق القدس مع نهاية التسعينيات وخاصة مع بداية الالفية الثالثة وبعد الحرب الأمريكية على العراق الذى تحول إلى منطقة نفوذ لايران وما ترتب على ذلك من تداعيات اقليمية على موازين القوى.. وما تبعه من تداخلات فى المصالح فى العراق واليمن ولبنان وسوريا وساحات أخرى.

ومما عقد المشهد الاتفاق النووى الذى ابرمته الولايات المتحدة والمجموعة الدولية مع ايران عام ٢٠١٥.. حيث افتقر للتفاهمات والترتيبات الإقليمية وعارضته السعودية وإسرائيل ودول اخرى، وسط مخاوف قوى اقليمية منها السعودية من تعاظم الدور الايرانى اكثر من ذى قبل.
وبينما تبحث الولايات المتحدة عن مصالحها باشعال فتنة الخلاف فى المنطقة ما بين تأجيج التوتر الايرانى السعودى فى عهد رئاسة ترامب حتى ولاية جو بايدن الذى حاول احياء الاتفاق النووى الذى تعثرت المفاوضات الرامية لاحيائه فى ابريل ٢٠٢١.

ليأتى الوقت الذى يعى الطرفان السعودي والايراني جيداً أهمية المصالحة دون وساطة أمريكية كانت سببا فى إشعال الفتنة والتوتر بين الطرفين لعقود طويلة.. حيث تؤكد الولايات المتحدة على استحالة إتمام اتفاق المصالحة على يد الصين فى وقت تمر العلاقات بينهما بأزمة حقيقية.

حتى ولو تغيرت السياسات من نقيض للنقيض، وهذا ما أنعكس على التصريحات السعودية والإيرانية التى أكد فيها وزير الخارجية السعودى أن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين انطلاقا من رؤية المملكة القائمة على تفضيل الحلول السياسية والحوار وحرصها على تكريس ذلك فى المنطقة بين دول يجمع بينها مصير واحد وقواسم مشتركة تجعل من الضرورى ان نتشارك سويا لبناء نموذج للازدهار والاستقرار لتنعم به شعوبنا.. ومن جهته قال: وزير الخارجية الايرانى إن عودة العلاقات الطبيعية بين البلدين تضع امكانيات كبيرة فى متناول يد البلدين وكذلك المنطقة والعالم الإسلامى.

حروب بالوكالة
حتى الحروب بالوكالة فى العالم ومنطقة الشرق الأوسط تدور رحاها بلاهوادة، تحركها أجندات ومصالح غربية وإقليمية..  فتشهد التوتر والتغيير فى تشكيل حكومات وعمليات انتحارية وإرهابية فى أمور تجعل استقرار الدول أمراً بالغ الصعوبة ،ففى الاراضى المحتلة تزداد الأمور سوءا باندلاع عمليات انتحارية يقابلها انتقام وثأر إسرائيلى يهدد حياة الفلسطينيين والأحوال المعيشية فى مسلسل يومى بلا توقف..  وفى ليبيا تتأزم الأوضاع السياسية وسط تدخلات تركية تدفع فريقاً فى مواجهة آخر.. ولبنان الذى يعانى من أزمة اقتصادية طاحنة ناجمة عن أزمات سياسية وتعنت وسوء إدارة.. وفى تونس تحتدم الأزمة السياسية بين الرئيس قيس سعيد ومجلس النواب بسبب سيطرة تيار الإخوان المسلمين.. ناهيك عما يحدث فى سوريا من تمزقات على كافة الأصعدة جاوزت العقد من الزمن.

وليست الحرب الروسية الأوكرانية ببعيدة عن المشهد الذى يعد صورة مثلى لكافة أشكال المصالح.. فهى تجمع الجيوسياسية والاستراتيجية وتقدم نموذجا للحرب بالوكالة تمثله أوكرانيا بالانابة عن الولايات المتحدة  والاتحاد الأوروبي لاستدراج وانهاك الجانب الروسى وتهديده عبر الأراضى الأوكرانية فى التلويح بضربة عسكرية من حلف النيتو وسط سيناريو كسر حاجز العام واشعل الأحوال الاقتصادية  والسياسية وغير مفاهيم الصراع فى العديد من دول العالم بالابتعاد والتقارب والتفاهم ليصبح كل أمر متوقع وكل أمر جائز ليغيب معه عن المشهد كل صور حقن الدماء واتفاقيات السلام حتى ولو كانت عادلة لحقن دماء الابرياء وحماية حقوق الانسان!!. فى وقت غابت عنه المؤسسات الدولية التى أنشئت لهذا الغرض فى اعقاب الحرب العالمية الثانية وهى الأمم المتحدة التى يتحكم فيها دول كبار يحمون مصالحهم ويمنعون بالفيتو أى قرار يخالفها فيغيب السلام العالمي وتكتب شهادة وفاة كل المنظمات الدولية التى أتخذت منه ميثاقا لانشائها ويصبح على كاهل كل دولة دور لحماية مصالحها دون اللجوء أو الانتظار لمن يأخذ لها حقها.. فنحن فى عصر الاقوياء.. وليس للضعفاء مكان.. الضعفاء يموتون ويقتلون وينتحرون وينسون فى عالم المصالح.

أنه حقا عالم تحكمه المصالح على مستوى الدول والأفراد.. ففى أوقات الحروب يكون التأييد والتنديد بعيدا عن روح القضية وعدالتها.

دفتر الزيارات
وما يسير على الدول يكون على الأفراد.. تتجمع المصالح وتتنافر بين الأشخاص فى بيئات العمل بشكل كبير.. وتختفى وتندر فى بيئات الأقارب وصلات الدم.. فترى الكل يتودد ويظهر حباً ويخفى عداوات موجودة غير خافية عن أحد بدافع المكاسب والمصالح.. ليس بجديد هذا على البشر.. موجود منذ الأزل لكنه يشتد بوضوح وقت الأحداث التى يعقبها توزيع العطايا، فيفتح دفتر الزيارات للتوثيق والإشادة فى الأفراح والأحزان.. وما العيب؟! .. فهى مناسبات تستدعى إثبات الحضور.. بشر مع بشر.. ودول يحكمها بشر.. ويحيا داخلها بشر خلف أقنعة أو حتى فى أدوار موزعة بإتقان للتوزيع بشكل عادل أو غير عادل!!

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة