جلال عارف
جلال عارف


فى الصميم

أى ديمقراطية.. فى ظل الاحتلال؟!

جلال عارف

الجمعة، 31 مارس 2023 - 08:46 م

لن ينجو «نتنياهو» من أزمته هذه المرة.. الرجل الذى استطاع أن يحكم إسرائيل لعشرين عاماً يقاتل الآن وظهره للحائط. مع تشكيله لحكومته الأخيرة لم يعد أمامه أى مساحة للمناورة بتحالفه مع «بن غفير» وباقى زعماء عصابات اليمين المتطرف أصبح اللعب على المكشوف والمواجهة مع الجميع فى الداخل والخارج وحين تراجع خطوة للوراء وأعلن تأجيل مشروعه للهيمنة على القضاء كان الكل يدرك أنه يريد شراء الوقت..

ورغم موافقة زعماء المعارضة على التفاوض معه فقد رفض الشارع واستمر التظاهر ثم جاءته الضربة القوية من الرئيس الأمريكى بايدن الذى تعمد أن يظهر خلافه مع نتنياهو للعلن وهو يطلب إلغاء تشريعات نتنياهو وحكومته وليس مجرد تأجيلها.. ورغم رد نتنياهو بأن القرار لإسرائيل وليس لأحد آخر، فقد عاد فوراً لمحاولة التهدئة مع «بايدن» رغم تأكيد الأخير على أنه لا موعد قريبا للقاء مع نتنياهو.. وهو ما يسعى له رئيس الحكومة الإسرائيلية عبثاً منذ تشكيل حكومته!!.

موقف قريب مما حدث بين الرئيس الأسبق «أوباما» ونتنياهو وخلافهما الشهير.. الفارق أن نتنياهو الآن يواجه معارضة غير مسبوقة وعصياناً مدنياً كاد يشل حركة الدولة لولا تراجعه، وأن «بايدن» يستند إلى رأى عام أمريكى يؤيد معظمه موقفه بمن فيهم الجانب الأكبر من اللوبى اليهودى الذى يدرك خطورة حكم يسيطر عليه أمثال «بن غفير» و«تسيمو تريتش» على مصالح أمريكا ومصير إسرائيل نفسها.

أيضاً.. يزداد موقف نتنياهو صعوبة مع «بايدن» الذى يتحدث من موقف المناصر الكبير لإسرائيل، والذى يتمتع بتاريخ طويل فى دعمها منذ أن كان مسئولاً عن الشئون الخارجية بمجلس الشيوخ، والذى أعلن قبل شهور أنه يعتز بكونه «صهيونياً» حتى لو لم يكن يهودياً!! أى أن الخلاف الآن هو مع نتنياهو وحلفائه فى حكومة اليمين المتطرف وليس مع إسرائيل التى يؤكد بايدن على الدوام دعمه الكامل لها واعتماده عليها حليفاً أساسياً فى المنطقة وقد رأينا ذلك حتى وهو يؤكد فى الشهور الماضية على حل الدولتين باعتباره الحل الذى يضمن أمن إسرائىل.. وهو ما يرفضه نتنياهو وحلفاؤه من زعماء عصابات التطرف اليمينى الذين وضعوا الاستيطان هدفاً أساسياً لحكومتهم، ورسموا خرائط التوسع التى ضمت فلسطين كلها مع الأردن، وبدأوا سياسة «المحارق» للتمهيد لمرحلة جديدة من التهجير القسرى للفلسطينيين.. كما يتوعدون!!.

من هنا تبدو التغييرات فى الرأى العام الأمريكى أقوى وأشمل من التغييرات فى موقف الإدارة. تكتسب القضية الفلسطينية أرضاً جديدة لدى المثقفين وصناع الرأى وبين شباب الجامعات، وجماعات الضغط الصهيونية تشهد انقسامات كبيرة وأصبح معظمها يرفض أن يكون «رهينة» لدى حكومات إسرائيل التى أصبحت تمثل عبئاً كبيراً عليهم.. استطلاعات الرأى تقول أن نسبة التأييد لحقوق فلسطين فى قواعد الحزب الديمقراطى تفوق بكثير الآن مؤيدى إسرائيل وفى آخر تحرك سياسى داخل أمريكا رأينا عدداً من النواب الديمقراطيين يطلبون من بايدن وضع قيود على السلاح الأمريكى حتى لا تستخدمه إسرائيل فى ارتكاب انتهاكات ضد القانون، ويطالبون بإجراءات لحماية الفلسطينيين وضمان حقوقهم.

الربط الحتمى بين أزمة إسرائيل الداخلية وبين احتلالها للأراضى الفلسطينية سيفرض نفسه.. لا يمكن الاستمرار فى الخداع بالحديث عن «ديمقراطية» تحتل وتستوطن على حساب شعب آخر، وتقيم المذابح وتمارس أبشع أنواع العنصرية والتميز حتى ضد مواطنيها الفلسطينيين أصحاب الأرض الحقيقيين «!!» ولا يمكن الحديث عن «ديمقراطية» فى دولة يطالب وزراؤها بـ«محو» الفلسطينيين من الوجود، ويرسلون أتباعهم لحرق القرى الفلسطينية «!!» الوجه الحقيقى للكيان الصهيونى يظهر الآن واضحاً بعد أن أسقطت حكومة نتنياهو وحلفاؤه من زعماء عصابات اليمين المتطرف كل الأقنعة.. وأولها هو قناع الديمقراطية الزائفة التى روجوا لها كثيراً!!.

الخلاف بين «بايدن» و«نتنياهو» سينتهى مع سقوط حكومة اليمين المتطرف.. وسيبقى السؤال الحقيقى أمام الإدارة الأمريكية هو: هل سيستمر دعمها لإسرائيل بلا شروط ولا حدود.. أم ستدرك أن القضية الأساسية هى الاحتلال، وأنه لا سلام ولا أمن إلا بحل عادل للقضية الفلسطينية ينهى الاحتلال ويعيد للفلسطينيين حقوقهم ودولتهم وقدسهم؟!

فى الأزمة السابقة بين «أوباما» و«نتنياهو» انتهى الأمر بنزع سلاح «الفيتو» الأمريكى الذى يحمى إسرائيل من المحاسبة، وامتنعت أمريكا عن التصويت على قرار مجلس الأمن بإدانة إسرائيل وعدم شرعية المستوطنات.. هل تسير إدارة «بايدن» فى الطريق حتى نهايته، وترفع الحماية التى تمنحها لإسرائيل لتفلت من الحساب على جرائمها؟!

الخلاف مع «نتنياهو» مجرد تفصيل. بدون إيقاف الدعم الأمريكى للاحتلال الإسرائيلي، لن يكون هناك أى مصداقية للحديث عن الأمن والسلام.. أو الديمقراطية!!.
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة