الإمام الشعراوي
الإمام الشعراوي


خواطر الإمام الشعراوي:الانتفاع بالإيمان

الأخبار

الإثنين، 03 أبريل 2023 - 09:03 م

ختام سورة  البقرة بهذا النص «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ»يوحى بأن الذى آمن يجب أن يعدى إيمانه بربه إلى الخلق جميعا، حتى تتساند حركة الحياة،

ولا توجد فيها حركة مؤمن على هدى لتصطدم حركة كافر على ضلال؛ لأن فى ذلك إرهاقاً للنفس البشرية، وتعطيلاً للقوى والمواهب التى أمد الله بها ذلك الإنسان الذى سخر من أجله كل الوجود، فلا يمكن أن يعيش الإنسان الذى سوّده الله وكرّمَه على سائر الخلق إلا فى أمان واطمئنان وسلام وحركة تتعاون وتتساعد لتنهض بالمجتمع الذى تعيش فيه نهضة عمرانية تؤكد للإنسان حقاً أنه هو خليفة الله فى الأرض. ولا يكتفى الإيمان منا بأن يؤمن الفرد إيماناً يعزله عن بقية الوجود، لأنه يكون فى ذلك قد خسر حركة الحياة فى الدنيا، والله يريد له أن يأخذ الدنيا تخدمه كما شاء الله لها أن تكون خادمة، فحين يعدى المؤمن إيمانه إلى غيره ينتفع بخير الغير، وإن اكتفى بإيمان نفسه فقط وترك الغير فى ضلالة، انتفع الغير بخير إيمانه وأصابته مضرة الكافر وأذاه. إذن فمن الخير له أن يؤمن الناس جميعاً، ويجب أن يعدى ذلك الإيمان إلى الغير. ولكن الغير قد يكون منتفعاً بالضلال؛ لأنه يؤدى به طغيانه، عندئذ تنشأ المعركة، تلك المعركة التى غاية كل من دخل فيها أن ينتصر، فيعلمنا الله أن نطلب النصر على الكافرين منه؛ لأن النصر على الكافرين لا يعتبر نصراًَ حقيقياً إلا إن أَصَّل صفات الخير فى الوجود كله، وحين تتأصل صفات الخير فى الوجود كله يكون المؤمن قد انتصر بحق. وحين يطلب منا الله أن نسأله أن ينصرنا لابد أن نكون على مطلوب الله منا فى المعركة، بأن نكون جنوداً إيمانيين بحق. وقد عرفنا أن المؤمنين حين يدخلون فى معركة مع غيرهم يستطيعون أن يحددوا مركزهم الإيمانى من غاية المعركة. فإن انتهت المعركة بنصرهم وغلبتهم علموا أنهم من جنود الله، وإن هُزموا وغُلبوا فليراجعوا أنفسهم؛ لأن الله أطلقها قضية إيمانية فى كتابه الذى حفظه فقال: «وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغالبون» «الصافات: 173».

فإن لم نغلب فلننظر فى نفوسنا: ما الذى أخللنا به من واجب الجندية لله. وحين يعلمنا الحق أن نقول: «فانصرنا عَلَى القوم الكافرين»، أى بعد أن أخذنا أسباب وجودنا من مادة الأرض المخلوقة لنا بالفكر المخلوق لله، نعمل فيها بالطاقة المخلوقة لله، وحينئذ نكون أهلاً للنصر من الله؛ لأن الحق سبحانه وتعالى قد مد يده بأسباب النصر: «وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا استطعتم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخيل تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ الله وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ الله يَعْلَمُهُمْ» «الأنفال: 60». حينئذ لا تخافون أبداً؛ لأن لله جنوداً لم تروها، ولا يتدخل الله بالجنود غير المرئية لنا إلا إذا استنفدنا نحن أسباب الله الممدودة لنا. وحين يختم الحق سبحانه وتعالى سورة البقرة وهى الزهراء الأولى لتأتى بعدها الزهراء الثانية وهى سورة آل عمران نجد أن هذا هو الترتيب القرآنى (الآن) وهو ليس على ترتيب النزول الذى حدث، فللقرآن ترتيبان: ترتيب نزولى حين نزلت الآيات لتعالج حدثاً وقع للأمة المسلمة فى صراعها مع الكافرين بربهم، وفى تربيته لنفوسهم، فكانت كل آية تأتى لتعالج حادثة. والأحداث فى الوجود إنما تأتى على أيدى البشر، فليس من المعقول أن تنزل آيات من القرآن. تعالج أحداثا أخرى لا صلة بينها وبين ما يجرى من أحداث فى المجتمع الإسلامى أو ما ينشأ فى الكون من قضايا.

إذن فلابد أن توجد الأحداث أولا، ويأتى بعدها النص القرآنى ليعالج هذه الأحداث، ولكن بعد أن اكتمل الدين كما قال الله: «اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً» «المائدة: 3». جاء الترتيب الذى يرتب القضايا ترتيباً كلياً، لأنه عالجها من قبل علاجا جزئيا.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 

مشاركة