الشيخ محمد متولي الشعراوي
الشيخ محمد متولي الشعراوي


خواطر الإمام الشعراوي: الحق ثابت

الأخبار

السبت، 08 أبريل 2023 - 07:55 م

يقول الحق فى الآية 188 من سورة البقرة:«وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ».

وفى خواطره حول هذه الآية يقول الشيخ الشعراوي: ومادامت أموالي فلماذا لا آكلها؟ إن الأمر هنا للجميع، والأموال مضافة للجميع، فالمال ساعة يكون ملكا لي، فهو فى الوقت نفسه يكون مالاً ينتفع به الغير.

إذن فهو أمر شائع عند الجميع، لكن ما الذى يحكم حركة تداوله؟ إن الذى يحكم حركة تداوله هو الحق الثابت الذى لا يتغير، ولا يحكمه الباطل. وما معنى الباطل، والحق؟ إن الباطل هو الزائل، وهو الذى لا يدوم، وهو الذاهب. والحق هو الثابت الذى لا يتغير فلا تأكل بالباطل، أى لا تأكل مما يملكه غيرك إلا بحق أثبته الله بحكم: فلا تسرق، ولا تغتصب، ولا تخطف، ولا ترتش، ولا تكن خائناً فى الأمانة التى أنت موكل بها، فكل ذلك إن حدث تكن قد أكلت المال بالباطل.

وحين تأكل بالباطل فلن تستطيع أنت شخصياً أن تعفى غيرك مما أبحته لنفسك، وسيأكل غيرك بالباطل أيضاً. ومادمت تأكل بالباطل وغيرك يأكل بالباطل، هنا يصير الناس جميعاً نهباً للناس جميعا. لكن حين يُحكَم الإنسان بقضية الحق فأنت لا تأخذ إلا بالحق، ويجب على الغير ألا يعطيك إلا بالحق.

وبذلك تخضع حركة الحياة كلها لقانون ينظم الحق الثابت الذى لا يتغير، لماذا؟ لأن الباطل قد يكون له علو، لكن ليس له استقرار، فالحق سبحانه وتعالى يقول:«أَنَزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فاحتمل السيل زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِى النار ابتغآء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كذلك يَضْرِبُ الله الحق والباطل فَأَمَّا الزبد فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ الناس فَيَمْكُثُ فِى الأرض كذلك يَضْرِبُ الله الأمثال) الرعد: 17.

وساعة ترى مطراً ينزل فى مسيلٍ ووادٍ، فأنت تجد هذا المطر قد كنس كل القش والقاذورات وجرفها فطفت فوق الماء ولها رغوة، وكذلك فأنت عندما تدخل الحديد فى النار تجده يسيل ويخرج منه الخبث، ويطفو الخبث فوق السطح، وهكذا نجد أن طفو الشيء وعلوه على السطح لا يعنى أنه حق، إنه سبحانه يعطينا من الأمور المُحسة ما نستطيع أن نميز من خلاله الأمور المعنوية، وهكذا ترى أن الباطل قد يطفو ويعلو إلا أنه لا يدوم، بل ينتهي، والمثل العامى يقول: (يفور ويغور).

اقرأ أيضا| خواطر الإمام الشعراوي.. تعامل الزوجين خلال الصيام

وإن الله يريد أن تكون حركة حياتنا نظيفة شريفة، حركة كريمة فلا يدخل فى بطنك إلا ما عرقت من أجله، ويأخذ كل إنسان حقه. وقبل أن يفكر الإنسان فى أن يأكل عليه أن يتحرك ليأكل، لا أن ينتظر ثمرة حركة الآخرين، لماذا؟ لأن هذا الكسل يشيع الفوضى فى الحياة. وحين نرى إنساناً لا يعمل ويعيش فى راحة ويأكل من عمل غيره فإن هذا الإنسان يصبح مثلاً يحتذى به الآخرون فيقنع الناس جميعاً بالسكون عن الحركة ويعيشون عالة على الآخرين.

ويترتب على ذلك توقف حركة الحياة، وهذا باطل زائل، وبه تنتهى ثمار حركة المتحرك، وهنا يجوع الكل، وإن الحق يريد للإنسان أن يتحرك ليشبع حاجته من طعام وشراب ومأوى، وبذلك تستمر دورة الحياة. إنه سبحانه يريد أن يضمن لنا شرف الحركة فى الحياة بمعنى أن تكون لك حركة فى كل شيء تنتفع به؛ لأن حركتك لن يقتصر نفعها عليك، ولكنها سلسلة متدافعة من الحركات المختلفة، وحين تشيع أنت شرف الحركة فالكل سيتحرك نحو هذا الشرف، لكن الباطل يتحقق بعكس ذلك، فأنت حين تأكل من حركة الآخرين تشيع الفوضى فى الكون.

وعلى هذا فالحركة الحلال لا يكفى فيها أن تتحرك فقط، ولكن يجب أن تنظر إلى شرف الحركة بألا تكون فى الباطل، لأن الذى يسرق إنما يتحرك فى سرقته، ولكن حركته فى غير شرف وهى حركة حرام.

إذن كل مسروق فى الوجود نتيجة حركة باطلة، وكذلك الغصب، والتدليس، والغش، وعدم الأمانة فى العمل، والخيانة فى الوديعة، وإنكار الأمانة، كل ذلك باطل، وكل حركة فى غير ما شرع الله باطل، حتى المعونة على حركة فى غير ما شرع الله، كل ذلك باطل.

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة