السبت، 08 أبريل 2023 - 08:53 م

كتب : د. محمد عاطف التراس

من أهم أوجه الإعجاز القرآنى باب التقديم والتأخير، وهو باب واسع فى لغتنا العربية، وقد عقد له الأستاذ الكبير محمد إبراهيم البنا بابًا فى كتابه «من بلاغة القرآن»، التقط منه هنا بعض الأمثلة الدالة على إعجاز نظم القرآن وبديع ترتيب كلماته فى سياقاتها، ليعلم الطاعنون فى كتاب الله أنه ليس من كلام بشر، وأنه لا يدرك فصاحة القرآن إلا من وقف على هذه الأسرار البلاغية، وحينها سيُذعن لكتاب الله كما أذعن العرب الأوائل له، وقد كانوا من الفصاحة بمكان، فهذا الشاعر الكبير لبيد بن ربيعة العامرى صاحب المعلقة المشهورة: «عفتِ الديارُ محلُّها فمقامُها».

لما دخل الإسلام انقطع عن قول الشعر، رغم أنه عاش فى الإسلام ستين سنة لم يقل فيها بيتًا من الشعر،ولما سأله سيدنا عمر بن الخطاب عن سر تركه للشعر قال:«ما كنت لأقول شعرًا بعد أن علّمنى الله البقرة وآل عمران»، فزاده سيدنا عمر فى عطائه خمسمائة درهم من أجل هذا القول، فكان عطاؤه ألفين وخمسمائة.. فلما آلت الخلافة لسيدنا معاوية بن أبى سفيان.

اقرأ ايضا ً | رمضانياتl مساجد مصر عامرة بالقرآن

وأراد أن ينقصه من عطائه الخمسمائة. وقال له: ما بال العلاوة فوق الفَودَينِ؟ «والفَودان: هما العِدلانِ اللذان يُحملان على جانبتى البعير» فقال له لبيد: الآن أموت وتصير لك العلاوة والفَودانِ. فرقّ له معاوية وتركها له فمات لبيد إثر ذلك بأيام قليلة.

ولم يقل فى الإسلام إلا بيتًا واحدًا إذا تأملته وجدته إلى النثر أقرب منه إلى الشعر يقول فيه:

الحمدُ لله إذ لم يأتنى أجلي* حتى اكتسيتُ من الإسلام سِربالا وطال بنا الحوار بعيدًا عن موضوع الحلقة وهو التقديم والتأخير، فأرجع بكم من حيث بدأنا فنقول: إن التقديم والتأخير باب واسع فى القرآن وقد ضرب له البلاغيون أمثلة من القرآن منها تقديم «المال» على «الأولاد» فى غالب آيات القرآن كقوله تعالى فى سورة الكهف: «المالُ والبنون زينةُ الحياةِ الدنيا».

والسر هنا فى تقديم المال أنه هو سبب النعمة ولولاه ما تمكن المرء من الزواج وإنجاب الذرية، وإلى لقاء فى حلقة قادمة نتمم فيها هذا المعنى.