د. سارة الذهبى
د. سارة الذهبى


يوميات الأخبار

الهشاشة النفسية

الأخبار

السبت، 08 أبريل 2023 - 09:11 م

طيب هل اللى أكدوا اصابة الطفل بهذا الاضطراب متخصصين؟ دارسين؟ مؤهلين؟ الاجابة لأ… والأم تتوهم أن ابنها محتاج علاج وهو طبيعى ومفيهوش حاجة!

من الملاحظ ان جيل الأطفال والشباب الحالى غير قادر على تحمل أى نوع من أنواع الضغوطات باختلاف شدتها، وتوصيفهم لأى موقف مهما كان بسيطا على ان له تأثيرا سلبيا على صحتهم النفسية و العصبية.

أصبحنا فى زمن أى شخص يواجه فيه تحديا بسيطا فى شغله أو أزمة عابرة فى حياته يجرى ويلهث وراء العلاج النفسى حتى وأن كانت حالته لا تستدعى أبدًا أى علاج بل وهناك إصرار من البعض على الذهاب لأطباء لوصف الأدوية النفسية والطبيب اللى شايف ان حالة الشخص لا تستدعى أى علاج بيتقال عليه مش بيفهم لإنه رفض الجرى وراء تريند «المرض النفسى» اللى بعض الناس بتجرى وراه لأنه شماعة بيعلقوا عليها هشاشتهم وعدم قدرتهم على تحمل أى مسئولية.

الأول خلينا نفهم معنى مصطلح الهشاشة النفسية لأنه انتشر عالميًا للتعبير عن حالة عامة بتسيطر على الأجيال الحالية..

هو مصطلح جديد فى علم النفس معناه سرعة الانكسار فى مواجهة أى تحد، وسيطرة المشاعر السلبية بشكل مبالغ فيه وفقد القدرة على التكيف مع البيئة المحيطة الا بوجود مصدر خارجى للدعم النفسى والمعنوى.

أشخاص تعيش دور الضحية بشكل مطلق فى حياتها..

فى البداية أنا من أكتر الناس المقرة بوجود المرض النفسى ولذلك درست ارشاد نفسى لإنى تأثرت نفسيًا بعد معاناة أمى مع مرض السرطان لسنوات ومعايشتى لتدهور حالتها الصحية ولا أُخفى عليكم ازاى التواجد فى مستشفيات مكتظة بمرضى السرطان و تتابع سماع آهات المرضى ممكن يأثر على نفسية أى شخص.

تعرضت لضغوطات شديدة بسبب معايشتى لرحلة الألم وجلسات الكيماوى والاشعاع مع أمى وهى فى مرحلة متأخرة من المرض وبعدها مع أحداث وفاة أبويا المفاجئة فى غمضة عين.

وضيف على ذلك التاريخ الوراثى والچينات، أنا بحترم كل شخص يُعانى وبيكون نفسى أخفف عنه بشتى الطرق لأن المرض النفسى الحقيقى مشكلته ان وجعه وألمه أقوى مليون مرة من أى مرض عضوى.

المرض النفسى بيُفقدك الرغبة فى الحياة، بيحولك لشخص انت متعرفش عنه حاجة، بيصيبك بالكآبة لأبعد حد، كلب أسود بينهش فى روحك، بياخدك لبقعة سوداء محدش هيقدر ينتشلك منها الا برحمة ربنا سبحانه وتعالى وأنه يسبب الأسباب وتلاقى طبيب متخصص وشاطر يساعدك و يوجهك ..

ولكن على قد ما الابتلاءات والضغوطات زادت وبالتالى زاد عدد الأشخاص اللى محتاجين رعاية نفسية، الا اننا فى زمن اختلط فيه المريض النفسى الحقيقى بالشخص الهش اللى بيستسهل وعايز يِمرض نفسه على أى سبب لا يستحق..

أهم سبب للهشاشة النفسية هو الأخطر على الاطلاق..نابع من التربية الخطأ القائمة على «الحماية المُفرطة»، فى أهالى فاكرين ان دورهم انهم يمنعوا عن ولادهم أى ضغط أو مشكلة ممكن تواجههم.. لدرجة انهم ممكن يمنعوا عنهم ركوب العجل خوفًا عليهم من الوقوع أو الاصابة!

الأطفال دى بتتربى انها متواجهش أى حاجة فى حياتها..

متداريين وراء أهلهم علطول..

مش بيقدروا ياخدوا قرارات مهما كانت بسيطة «حتى لو كانت نوع حلويات هيشتروه!»

بيخافوا من المواجهة..

انطوائيين…

معتمدين اعتمادا كليا على أهلهم، ولو بعدوا عنهم يبقوا أشخاص عاجزة مصابة بالشلل…

ولو فقدوهم حياتهم بتتدمر بلا رجعة..

من الصحى ان ولادنا يتعرضوا لنسبة مسموح بيها من المشاكل والمصاعب -طالما لا تؤثر على سلامتهم و أمانهم- لتقوية مناعتهم النفسية.. لازم يختبروا بدرجة معينة مشاعر سلبية زى الحزن واليأس والوجع عشان يتعلموا يتعاملوا معاها فى كل مرحلة عمرية..

دلوقتى ممكن تلاقى بنت منهارة من العياط عشان صحباتها خرجوا من غيرها مرة ومقتنعة ان ده تنمر وظلم وتلاقى ردود أفعالها تجاه الموقف غير متناسبة إطلاقًا مع الموقف نفسه ولو سألتها عن سبب حزنها هترد بدون تفكير ان عندها اكتئاب وقررت تنعزل عن الناس ومش عايزة تعرف حد تانى.. وبالفعل شخصيتها بتتغير للأسوأ..

وصلكم معنى الهشاشة النفسية؟

شاب عنده امتحانات مهمة… وبدل ما يشد حيلة ويضع خطة للمذاكرة وينظم وقته… يغرق فى نوبة من الحزن ويقنع أهله ان عنده اضطرابات ولازم ياخد أدوية نفسية مع ان الموضوع مش محتاج كل ده..

بشوية تنظيم للوقت وتركيز وبعد عن المشتتات الموضوع هيتحل وبالفعل بعد انتهاء الامتحانات بتلاقى الشاب ده زى الفل ومفيهوش حاجة…
ايه بقى المرض النفسى اللى ساعة بيروح وساعة بييجى ده؟؟

المرض النفسى له شروط وأعراض وحدة للأعراض وتغيرات بتطرأ على الشخص لفترة معينة عشان يتشخص من قِبل طبيب مختص ان ده فعلًا مرض نفسى.. فا مش أى ضغط نتعرضله ونفشل فى مواجهته لإننا محاولناش بالقدر الكافى نسميه مرض نفسى!

المأساة دى بدأت من السوشيال ميديا وبعض المسلسلات..أشخاص بتدعو للعلاج النفسى بالأدوية بشكل يومى وبطريقة غير مباشرة لحد ما اتفهم ان ده عادى! و بدأت مصطلحات الاضطرابات تنتشر بدون أى وعى لدرجة فيها تحريض على الاستسلام وعدم مقاومة أى تحدى فى الحياة.

منظمة الصحة العالمية أقرت ان فى سنة ٢٠١٧ كان هناك أكتر من ٣٠٠ مليون شخص يعانى من الاكتئاب، تخيلوا دلوقتى الرقم ده تضاعف قد ايه.. بعد تحول الصحة النفسية لتريند.. و ياريت التريند ده هدفه التوعية النفسية، لأ هدفه فى معظم الأحيان الفوز بلقب «المريض النفسى» كإنه انجاز بيحققه الشباب هذه الأيام.. لقب بيعفيهم من المسئوليات ويأمنهم من التحديات ويأمن وجودهم فى منطقة راحتهم comfort zone بدون القاء اللوم عليهم من أى شخص.
للأسف بقى فيه «موضة الاضطرابات النفسية» بدون أى علم..

مشهد بسيط يتكرر على منصات التواصل الاجتماعي، أم بتشتكى من شقاوة ابنها الطبيعية فا تنهال عليها ردود تؤكد وتبصم بالعشرة ان ابنها مصاب بفرط الحركة وتشتت الانتباه ADHD خصوصًا بعد القاء الضوء عليه فى مسلسل رمضانى سابق.

طيب هل اللى أكدوا اصابة الطفل بهذا الاضطراب متخصصين؟ دارسين؟ مؤهلين؟ الاجابة لأ… والأم تتوهم ان ابنها محتاج علاج وهو طبيعى ومفيهوش حاجة!

لدرجة ان فى أشخاص بتوصف مهدئات ومنومات بدون أى علم عميانى لأشخاص تانيين عندهم أرق بقالهم يومين أو مديرهم فى الشخص ضاغطهم فا يلا ناخد مهدئات بدون الرجوع لطبيب مختص يوصف الأدوية دى وخطة استخدامها!!

أى شخص بقى بيشخّص أى مرض دون علم ..

أى شخص بقى بيوصف دواء بدون ما يرجع لمختص!

أى نوع بسيط من المشاكل اللى زمان كان بيتم تجاوزها عادى بقت بتتسمى اضطراب حاد! و محتاج دكتور و خطة علاج !!

عارفين ده خلق ايه؟ جيل هش نفسيًا.. جيل موّت جهازه المناعى النفسى اللى شغلته انه يقاوم ويعافر ويوقّفنا على رجلينا طول ما احنا عايشين.

بدل ما نسمحله يشتغل ويقوى، بنعمله تثبيط وخمول!

دلوقتى كام طفل فى المدارس لما بيتعرض لأى موقف طفولى من أصحابه يرجع يشتكى لأمه انه اتعرض لتنمر؟

الأطفال حفظت الكلمة من كتر ما الأمهات ماسكة فيها وحطاها شماعة تهاجم بيها وتدافع بيها عن ولادها فى أى موقف مخالف لهواهم.

وكلامى لا ينفى وجود التنمر ولا ينفى ان فى أطفال بتبتز أطفال وبتسىء معاملتهم ولكن مش الطبيعى اننا نعمم كلمة تنمر فى كل المواقف بشكل مبالغ فيه وبشكل بيحسس الطفل دايماً انه ضحية ومقهور !

بسبب ان الاكتئاب بقى تريند وشباب كتير أطلقت على نفسها لقب المكتئب بدون الرجوع لمختص يتقى الله، فى دراسة عملها آلن فرانسيس- طبيب نفسى أمريكى و مؤلف لعدة كتب مشهورة- أثبتت ان الأدوية الوهمية «placebos» لها نفس تأثير مضادات الاكتئاب على المرضى المشخصين بالاكتئاب لإن بعضهم فى الحقيقة ليسوا بمرضى ولا يحتاجوا علاج اكلينيكى من الأساس! فالمرضى اللى فاكرين نفسهم مرضى مش مرضى فى الأصل!

أطلق عالميًا على الأجيال الحالية «جيل رقائق الثلج» ..

جيل مش قادر يستحمل خطوبة اتفسخت.. أو صاحب بِعد عن صاحبه.. أو ضغط فى مذاكرة.. أو خلافات فى بيئة العمل..

جيل بيلهث وراء المرض النفسى للهروب من مواجهة الصعوبات و التحديات.

و وجب على الأهالى مساعدة أولادهم لتقوية مناعتهم النفسية.. بلاش حماية مفرطة.. اسمحولهم يواجهوا الحياة لوحدهم.. تدخلوا لو الوضع تطلّب.. اسمحولهم يغلطوا ويتألموا ويتعلموا.. قدمولهم الدعم بس ما تربوش جيل اعتمادى عاجز هش نفسيًا على أهون الأسباب.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة