محمد بركات
محمد بركات


يوميات الأخبار

روحانيات رمضانية

محمد بركات

الثلاثاء، 11 أبريل 2023 - 06:57 م

للمصريين حالة رمضانية خاصة تجاه الشهر الفضيل، تعود فى جوهرها إلى الكم الهائل من المشاعر الروحانية، الكامنة فى وجدان كل المصريين لشهر الصوم والمغفرة.

بالرغم من أننا نبدأ اليوم الخطو فى الثلث الأخير من شهر الصوم والبركة والمغفرة،..، إلا أننا مازلنا بحمد الله نعيش فى رحابه العطرة ونتنفس ونستشعر الحالة الرمضانية السمحة، طامحين فيها إلى مرضاة المولى عز وجل وطامعين فى عفوه وغفرانه.

ومازلنا نستظل بشهر الصوم من لفحات الدنيا وهنات نفوسنا الضعيفة متلمسين إشراقاته المنبعثة من كل أرجاء الكون، والنافذة إلى عمق الوجدان والغامرة بأشعاعاتها النورانية كل النفوس المطمئنة لقدرة الله ورحمته.

ونحن جميعا فى الشهر الفضيل وفى العشر الأواخر منه، نتطلع إلى مرضاته ونهفو إلى قربه أملا فى عفوه وطمعا فى غفرانه وتشوقا لهدايته وتمنيا لحسن الخاتمة.

ولا مبالغة ولا تجاوز للواقع فى القول، بأننا اعتدنا على الإيمان بأن لمصر وللمصريين جميعا حالة رمضانية خاصة، بل ومتفردة فى خصوصيتها بين كل الدول العربية والإسلامية الشقيقة والعزيزة، التى أنعم الله عليهم وعلينا بشهر الصوم الكريم بكل ما فيه من فضائل ونعم وكرم.

حالة خاصة

وإذا ما تحرينا الواقع الملموس والمدرك منا جميعا، لوجدنا أن الشهر الكريم «رمضان» بالنسبة للمصريين له وقع ومعنى خاص،..، وأن رمضان فى مصر بالذات يختلف عنه فى أى مكان آخر فى دنيا الله الواسعة،..، وذلك ودون مبالغة هو ما يحس به وما يقتنع به كل المصريين.

ورغم اختلاف هذه الحالة الرمضانية عما كانت عليه قبل سنوات وسنوات، إلا أنها ظلت محتفظة بخصوصيتها وتفردها التى تميزت بهما عن غيرها من الحالات الرمضانية، فى كل بلاد وأقطار العالمين العربى والإسلامى.

وبالمناسبة لسنا نحن فقط من نقول بذلك، لكن يتفق معنا فى هذا القول كل الأخوة العرب وأبناء الدول الإسلامية الشقيقة، على وجه العموم والشمول.
ومبعث الحالة الرمضانية الخاصة بالنسبة للمصريين جميعا تجاه الشهر الفضيل، تعود فى أساسها وجوهرها إلى ذلك الكم الهائل من المشاعر الروحانية الكامنة فى عمق ووجدان كل المصريين لشهر الصوم والعبادة والتقرب إلى الله سعيا لرضائه وغفرانه.

وتعود أيضا لذلك التفاعل الوجدانى التلقائى مع جوهر ومعنى ومبنى شهر الصوم فور قدومه إلينا، وبمجرد أن يهل علينا وتغمرنا أنواره وإشراقاته المنبعثة من كل أركان الكون، والنافذة مباشرة إلى عمق النفوس المصرية المطمئنة لقدرة الله وعزته وجلاله، والواثقة فى رعايته سبحانه وحفظه لمصر وشعبها من كل شر.

وفى هذا الإطار يشعر كل أبناء مصر بروحانيات الشهر الكريم وإشراقاته الدينية، تشع وتنبعث من جميع المساجد وكل الأضرحة لأولياء الله الصالحين، أهل البركة المنتشرين بطول وامتداد أرض مصر الطيبة، ابتداء من الجامع الأزهر ومسجد سيدنا الحسين ومسجدى السيدة زينب والسيدة نفيسة، ومرورا إلى مساجد القلعة وعمرو بن العاص وصولا إلى المرسى أبو العباس والسيد البدوى وإبراهيم الدسوقى وعبد الرحيم القناوى وغيرهم بطول وعرض مصر من أسوان وحتى الإسكندرية.

وفى مصر أيضا كم هائل من الأنشطة الدينية والثقافية فى كل مكان، وخلال ذلك كله تجد الكل فى رمضان يسعى جاهدا لصفاء النفس وترطيب القلب بذكر الله والدعاء والسعى لنيل المغفرة والتشوق للهداية والرحمة والمغفرة.

معنى الصوم

والصيام فى اللغة هو كلمة تعنى الإمساك عن الفعل والترك أو التوقف عن فعل الشىء، أو الصمت أى ترك الكلام والإمساك عن الحديث،..، وقد استخدم هذا المعنى فيما ذكر فى القرآن الكريم عدة مرات، حيث قالت السيدة مريم «إِنِّى نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا»،..، أى أنها نذرت للرحمن أن تصمت أو تمسك عن الكلام فلن تكلم أحدا.

والصوم فى الشرع أى الشريعة.. هو الإمساك عن تناول الطعام والشراب وكل المفطرات منذ طلوع الفجر وحتى غروب الشمس.

وقد فرض الله سبحانه وتعالى علينا صوم شهر رمضان وجعله من أركان الإسلام الخمسة، باعتباره فريضة مؤكدة مع شهادة «لا إله إلا الله وسيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم» والصلاة، والزكاة، والصوم، وحج البيت، وفى هذا المقام قد يتساءل البعض منا عن الموعد الذى فرضت فيه علينا فريضة الصوم وعن الحكمة فى اختيارها فى شهر رمضان بالذات.

وفى ذلك نقول إن الله سبحانه وتعالى فرض على المسلمين الصيام فى شهر شعبان فى السنة الثانية لهجرة الرسول عليه الصلاة والسلام إلى المدينة المنورة ولذلك فقد بدأوا الصيام فى أول شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة.

الشهر الفضيل

أما عن الحكمة الربانية فى أن فريضة الصيام جاءت فى شهر رمضان.. فهناك إجماع بين الفقهاء على أن اختيار شهر رمضان بالذات من بين كل الأشهر ليكون فيه الصيام المفروض على أمة المسلمين، نظرا لما لشهر رمضان من كرامات عالية المقام حيث إنه الشهر الذى شرفه الله «بنزول القرآن الكريم فيه».
وفى ذلك قال ابن سعد «جاء الوحى لرسول الله صلوات الله عليه وسلامه، وهو فى غار حراء يوم الاثنين لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان».

والقرآن الكريم يؤيد هذا المعنى فى قوله تعالى «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ» وهو مدح وثناء من الله سبحانه وتعالى على شهر رمضان لتشرفه بنزول القرآن فيه.

وفى ذلك يقول ابن كثير «الإمام» إن الله سبحانه يمتدح شهر الصيام «رمضان» من بين سائر الشهور لأنه سبحانه اختاره لإنزال القرآن العظيم فيه.
ويقول الدكتور محمد سيد طنطاوى شيخ الأزهر السابق فى كتابه «رسالة الصيام» الصادر عن دار المعارف إنه قد ورد فى الحديث الشريف أن رمضان هو الشهر الذى أنزلت فيه الكتب والرسالات الإلهية على الأنبياء، وعن وائلة بن الأسقع.. أن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه قال «أنزلت صحف إبراهيم فى أول ليلة من رمضان.. وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان،..، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان،..، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان».

لماذا رمضان؟

وأحسب أننا ندرك جميعا أن حكمة الله العلى القدير قد اقتضت بأن يفضل بعض الناس على بعض، وأن يفضل بعض الأنبياء على بعض، كما قال سبحانه «تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ»

كما اقتضت حكمته عز وجل أن يفضل بعض الأمكنة على بعض، وبعض الأزمنة على بعض،..، كما اختص سبحانه بعض الأوقات والأيام والشهور بنفحات وفيوضات ربانية،..، من تعرض لها وأحياها بالعبادات والطاعات سعد وفاز،..، ومن أعرض عنها وشغل بغيرها من الرذائل والشهوات خسر وخاب.
وفى الحديث الشريف: «أن لله فى أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها، فلعل أحدكم تصيبه نفحة فلا يشقى بعدها أبدا».

ويقول الفقهاء والعارفون.. إن على رأس الشهور التى اختصها الله سبحانه بالكثير من التفضيل والتعظيم.. شهر رمضان، الذى لو علم الناس ما فيه من الخير والبركة لتمنوا أن يكون حولا كاملا.

ولقد كان أهل الجاهلية أيضا يعظمون هذا الشهر، فلما جاء الإسلام زاده تعظيما وتشريفا، ويكفى أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كان قبل البعثة يقضى هذا الشهر متعبدا فى غار حراء، حتى جاءه الوحى فى يوم الاثنين السابع عشر من رمضان فيه وهو فى سن الأربعين من عمره.

السنة المطهرة

ومن يراجع السنة النبوية المطهرة، يرى الكثير من الأحاديث النبوية فى فضل شهر رمضان، وفى فضل الصيام وفى فضل العمل فيه،..، من ذلك ما روى عن «أبى هريرة» رضى الله عنه قال: «إن النبى صلى الله عليه وسلم قال عندما حضر شهر رمضان: «قد جاءكم شهر مبارك فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم». وروى الإمام أحمد عن أبى هريرة، «أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: من صام رمضان إيمانا واحتسابا طالبا وجه الله وثوابه، غفر الله له ما تقدم من ذنبه».

وقال.. أخبرنا النبى صلوات الله وسلامه عليه «أن الصيام سر بين العبد وربه، وأنه وقاية من المعاصى ومن النار» وفى الحديث الشريف عن أبى هريرة رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قال الله تعالى.. كل عمل بنى آدم له إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به».

رمضانيات

ولعلنا لا نبالغ ولا نتجاوز الواقع والحقيقة إذا ما قلنا إن هناك كتبا ومؤلفات كثيرة تناولت الصيام وشهر رمضان بالشرح والتحليل فى كل جوانبه وأركانه، وأن العديد بل كل الفقهاء والعلماء لهم إسهام بارز فى ذلك.. وأيضا الأدباء لهم فى ذلك اجتهادات وإسهامات ومؤلفات.. وكذلك الأطباء شاركوا فى هذه الإسهامات، وأدلوا بدلوهم فيها وخاصة التركيز على الجوانب المرتبطة بتأثير الصيام على الصحة العامة.. 

وفى هذا السياق نجد العديد من الكتب والمؤلفات تتناول عادات الشعوب المختلفة فى رمضان احتفالا به وما جبلت عليه من اهتمام بالروحانيات والعبق الدينى فى أحيائها لليالى الشهر الكريم، وكذلك أيضا هناك مؤلفات تتناول أنواع الأطعمة والمأكولات والمشروبات التى يقبلون عليها بعد الإفطار فى رمضان. وفى كل عام هناك الجديد بما يصعب حصره أو ذكره.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة