صوره أرشيفيه
صوره أرشيفيه


فصاحة القرأن| الذي خلقني فهو يهدينِ

الأخبار

الثلاثاء، 11 أبريل 2023 - 08:04 م

كتب: د. محمد عاطف التراس

مما يظنه بعض الناس وبعض الظن إثم أنه إذا أصيب بمرض ما ثم ذهب لطبيب فلم تنجع أدويته، ثم ذهب لآخر فلم تنجع أدويته كذلك، ثم ذهب لثالث فكانت النتيجة طيبة، ساعتها يظن المرء أن الذي شفاه هو الطبيب ويتعلق قلبه وعقله بكلام الطبيب، وينسى حظه من الدعاء والرقية والتعلق بالله، وقد يصرح بهذا للناس بأن الذى شفاه هو الطبيب فلان الفلاني، وهذا فيه إساءة أدب مع الله؛ لأن الطبيب والعلاج سبب من أسباب الشفاء، وإنما الشافى على الحقيقة هو الله.

وهنا لا بد لنا من أدب فى اختيار الألفاظ علّمناه القرآن الكريم فى غير موطن، ومن ذلك قوله تعالى على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام فى سورة الشعراء: «الذى خلقنى فهو يهدينِ والذى هو يُطعمنى ويسقينِ وإذا مرضتُ فهو يشفينِ»، فتأمل معى أيها القرآنى القارئ كيف أن سيدنا إبراهيم انتقى ألفاظه فنسب الخير لله تعالى: «يهدين» و«يطعمني» و«يسقين» و«يشفين»، ثم نسب المرض لنفسه بقوله: «مرضتُ» وعدل عن أن يقول: «أمرضني».

وفى هذا نكتة أخرى بديعة يشير لها أهل العلم، ألا وهى أن غالب الأمراض تصيب الإنسان بتفريط منه فى الأكل والشرب، فلذا كانت نسبة المرض لنفسه أفصح فى التعبير عن المعنى، وآدب فى نسبة الخير لله تعالى.

اقرأ ايضا

ما حكم قراءة القرآن قبل صلاة الفجر في المسجد؟.. «الإفتاء» تُجيب 

ومن الأمثلة على ذلك أيضًا قوله تعالى فى سورة نوح على لسان مؤمنى الجن: و«أنّا لا ندرى أشرٌّ أُرِيدَ بمَن فى الأرضِ أم أراد بهم ربُّهم رشدًا»، ولو أساءوا الأدب لقالوا: «أشرٌّ أراده الله بمن فى الأرض أم أراد بهم ربهم رشدًا».

ولكنهم لما رأوا السماء قد مُلئت حرسًا شديدًا وشهبًا قالوا مقالتهم السابقة، فنسبوا الفعل «أُريد» للمفعول، ولم يصرّحوا بنسبته إلى الله تأدبًّا، ثم نسبوا الخير والرشد فى عجُز الآية إلى الله! .

فتأمل كيف أن القرآن الكريم يعلمنا اختيار الألفاظ الفصيحة المعبرة عن المعانى الأدبية الراقية، ولو تتبع قارئ القرآن أثناء قراءته مثل هذه المعانى لانكشفت له أسرار بلاغية ونكات أدبية تعينه على المضى فى القراءة وترفع من حسه التدبرى للقرآن.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة