شخصية مصر كما رآها جمال حمدان 
شخصية مصر كما رآها جمال حمدان 


قلب العرب وقصة التوحيد ومركز إفريقيا.. شخصية مصر كما رآها جمال حمدان 

شيرين الكردي

الأربعاء، 26 أبريل 2023 - 02:35 م

التاريخ ظل الإنسان على الأرض والجغرافيا ظل الأرض على الزمان من هذا المنطلق ندخل لأبعاد الشخصية المصرية كما رآها الفيلسوف الكبير جمال حمدان .

وفى قراءة لشخصية مصر من خلال كتاب جمال حمدان يشير خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار إلى أن مصر هى قلب العالم العربى  وواسطة العالم الإسلامى وحجر الزاوية فى العالم الأفريقى فهى أمة وسطًا بكل معنى الكلمة فى الموقع والدور الحضارى والتاريخى والسياسة والحرب والنظرة والتفكير، وسطًا بين خطوط الطول والعرض بين المناطق الطبيعية وأقاليم الإنتاج بين القارات والمحيطات حتى بين الأجناس والسلالات والحضارات والثقافات فهى حلقة الوصل بين المشرق والمغرب وعندما نتبحّر فى شخصية مصر التى جسّدها لنا المفكر والعالم والمبدع والفيلسوف جمال حمدان وشرّحها لنا بمشرط الجرّاح نجد أنفسنا نغوص فى تاريخ وثقافات عدة شعوب أثرت وتأثرت بملامح شخصية مصر.

عبد العزيز مخيون يكشف الشخصية التي يحلم بتجسيدها

الإطار العربى الكبير 

 وينوه الدكتور ريحان إلى أن  هناك أربعة أبعاد ساهمت فى توجيه مصر، البعد الآسيوى والأفريقى على مستوى القارات، والنيلى والمتوسطى على المستوى الإقليمى، وكان البعد الأفريقى مصدر الحياة والماء والسكان، والبعد الآسيوى مصدر الدين والحضارة والثقافة، وكل هذه الأبعاد تتداخل مع الإطار العربى الكبير وهو ليس مجرد بعد توجيهى أو إشعاعى ولكنه خامة الجسم وكيان جوهر فى ذاته، وكلًا من تلك الأبعاد الأربعة كان يجذب مصر فى اتجاهه ويكوّن أو يلون شخصيتها بدرجات متفاوتة من عصر إلى آخر.

الحلقة السعيدة 
كانت مصر القديمة آسيوية بقدر ما هى أفريقية فالنيل فى مصر لا يجرى فى منتصف الصحراء ولكنه يجنح نحو الشرق بنسبة الثلث إلى الثلثين والدلتا مفتوحة مكشوفة من الشرق والغرب تؤدى تلقائيًا إلى سيناء التى تعتبر جسرًا بريًا إلى آسيا هيأته الطبيعة بكثبانها الرملية وبما تختزنه من مياه الأمطار لأن يكون المدخل الشرقى لمصر ومفتاحها الأم ، وإلى جانب سيناء يأتى البحر الأحمر كدهليز طويل يفضى بمصر إلى غرب الجزيرة العربية حتى اليمن ونتيجة هذا فقد دخلت مصر فى علاقة حميمة مع غرب آسيا ودخلت مصر عن طريق شريط سيناء الشمالى من ناحية ووادى الحمامات من ناحية أخرى فى دائرة الحلقة السعيدة وهى تلك الحلقة من الأراضى الخصبة أو الأكثر غنى التى تحيط بالجزيرة العربية تلك الحلقة التى كانت تجرى فيها تيارات التاريخ والحياة بلا انقطاع وكانت مصر قطبًا أساسيًا فى أقطاب هذه الدائرة ولهذا كانت تقف على بوابة أفريقيا وتنظر إلى نافذة آسيا 

رأس مثلث الأديان 

ويوضح الدكتور ريحان بأنه من الناحية الدينية كانت مصر طرفًا فى قصة التوحيد بفصولها الثلاثة فمواطن الأديان التوحيدية فى سيناء وفلسطين و الحجاز ترسم فيما بينها مثلثًا قاعدته فى سيناء فكانت لنبى الله موسى عليه السلام قاعدة ومنطلقًا ولنبى الله عيسى عليه السلام ملجأً وملاذًا وكانت لخير البشرية محمد عليه الصلاة والسلام هدية ومودة، ومنذ دخول الإسلام إلى مصر فإن كل الدماء القريبة أو البعيدة التى تسرّبت إلى مصر جماعات أو أفراد جاءت كلها تقريبًا من الجبهة الآسيوية باستثناءات قليلة فبجانب العرب جاء الأكراد والتركمان والغز والديلم ممن أتوا كمماليك الدولة الأيوبية أو المملوكية ومن بعدهم العثمانيون ومعهم الشراكسة ثم الأرمن وبعدها اشتدت هجرة ودخول عرب الشام ولبنان وفلسطين إلى مصر .

بوابة أفريقيا  

وتابع الدكتور ريحان بأن البعد الأفريقى لمصر م تجسّد نذ القدم فى رحلات قدماء المصريين إلى بلاد بنت وهى فى رأى الكثير من الباحثين تشمل المناطق الأفريقية والآسيوية المحيطة بباب المندب وعلى محور الصحراء الكبرى وجدت أدلة على المؤثرات الحضارية المادية والثقافية بين بعض قبائل نيجيريا وغرب أفريقيا وبين القبائل النيلوتية فى أعالى النيل وفى محور شمال أفريقيا دخلت مصر مع الليبيين فى احتكاك بعيد المدى وامتد النفوذ السياسى المصرى إلى برقة أيام البطالسة والعرب وكانت مصر بوابة التعريب بالنسبة للمغرب العربى كله وتواترت العلاقات المتبادلة فى العصور الوسطى والذى ساهم فى ازدهارها  طريق الحج إلى مكة المكرمة وانتشرت على طول الساحل الشمالى الغربى لمصر وقلب الدلتا الأضرحة التى تشكّل جزءًا لا يتجزء فى الوجدان المصرى  ومنها كما هو معروف  سيدى برانى وسيدى المرسى أبو العباس والسيد البدوى ويؤكد هذه العلاقة التى وصلت إلى قمتها قيام الدولة الفاطمية فى مصر  واليوم يمثّل أولاد على بمريوط حلقة وصل بشرية بين مصر والمغرب العربى

مصر والبحر المتوسط 

وأردف الدكتور ريحان بأن البعد المتوسطى تمثل فى علاقات مصر القديمة الحضارية والتجارية بكريت المينوية ثم باليونان وروما، وفى العصر الإسلامى أصبح للبحر المتوسط دورًا  حيويًا فى كيان النشاط التجارى بمصر وارتبطت مدن كالإسكندرية ودمياط  مع البندقية وجنوة  وبيزا بعلاقات تجارية وامتد بينهم جسرًا بحريًا ، وفى العصر المملوكى كانت الإسكندرية والقاهرة موطنًا دائمًا لتجار نشيطين من تجار المدن الإيطالية، وبالمثل كانت علاقات مصر مع بلاد الشام عن طريق البحر المتوسط، وفى العصر العثمانى انتقل كثير من مهاجرى سواحل البلقان واليونان وألبانيا إلى مصر وأقاموا بها  ومنهم الإنكشارية والألبان وبقيت أسماؤه المعرّبة تكشف عن أصلهم أحيانًا مثل الدرملى من مدينة دراما والجريتلى من كريت والأزميرلى من أزمير والمرعشلى (مرعش) والخربوطلى (خربوط) ثم جاءت قناة السويس فأعادت تأكيد البعد المتوسطى فى كيان مصر.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة