د. محمد أبوالفضل بدران
د. محمد أبوالفضل بدران


يوميات الأخبار

القرية فى العيد

د.محمد أبوالفضل بدران

الأربعاء، 26 أبريل 2023 - 06:44 م

إنها مناسبة للفرح وفرصة للترويح عن النفس فى كل مولد «رَوِّحوا القلوب ساعة فإن القلوب إذا كلَّتْ عميتْ»

َمنْ لم يعِشْ فى القرى فاتَه الكثير، فالقرى مكنز العادات والتقاليد التى ليست كلها جيدة لكن معظمها يتفق مع النقل والعقل، العيد هنا بين الأهل بالجلاليب التى تتحول إلى لوحة جميلة فى صلاة العيد يوم فرح وكأنك تزيح هموم عام مضى من على كاهلك، ما تزال القرية تمنح المدن الخضراوات واللبن والجبنة والسمن البلدى والحبوب، وكم أتمنى أن تعاد لها سلالات الدواجن المصرية الأصيلة التى فقدناها فى انفلونزا الطيور بعد إعدامها، الفَرُّوج البلدى يكاد يختفى من القرى، حلت محلَّه الدجاجة البيضة البياضة التى تلعب رياضة - على حد قوْل بائعها صائحا - اختفى البط البلدى والديوك الرومية ولو أن وزارة الزراعة أعادت ووزّعت هذه السلالات الأصيلة لرأينا وفرة فى الإنتاج وجمالا فى المذاق، يبدو أنه حنين لأيام الطفولة؛ أمُرُّ على المنادر مهنئا، وفى اليوم التالى أزور مقابر موتانا، كان شجر الصبَّار يغطى القبور وشواهد أسماء تشير إلى ساكنيها وأنهار ذكريات تتدفق على القلوب فتدمع لها العيون، ما أصعب أن يتحول هذا الكائن إلى كومة تراب وأحرف شاهدة «هنا يرقد فلان»! أجلس بجانب قبر أبى وقبر أمى وأخواتى وأحكى لهم ما ناء قلبى بحمله وأحس بشيء من الرضا والارتياح فألمح شاهد قبر أبى مولانا «الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا»

لماذا لا نستثمر «الموالد» ثقافيًا؟

لماذا لا نستثمر «الموالد» ثقافيًا بحيث نقيم ورش عمل ثقافية تعمل على تثقيف الجمهور؟ ونؤسس مركزا للحِرف التقليدية فى كل محافظة يتعلم فيه مرتادو الموالد حرفة، كما أنها فرصة لاكتشاف مواهب الشباب؛ فكم يفرح الناس كثيرا بالموالد، ومنذ طفولتى كان أبى يرحمه الله يأخذنا لمولد سيدى عبد الرحيم القنائى بقنا وكانت فرصة لمشاهدة طوفان من البشر فى المسارح المتنقلة والمراجيح وألعاب الرماية والدارتس وكل منا يختبر عضلاته؛ وللتصوف دور كبير فى الحياة السياسية والاجتماعية والدينية والاقتصادية والثقافية فى مصر فلو نظرنا إلى الموالد التى تقام فى مصر وقد أحصت المستشرقة فاليرى هوفمان عدد الموالد بمصر فوجدتها تزيد على 2850 مولداً فى السنة وهنا ندرك مدى ما يكنُّه المصريون من حب لآل البيت والأولياء؛ والمولد هو مناسبة اجتماعية إذ يتلاقى المريدون وغير المريدين لإقامة فرح اجتماعى بعيدا عن العصبيات القبلية والدينية والجغرافية؛ كما أنه محاولة للتنفيس عن الضغوط النفسية إذ يقوم المجتمع بدور الرقيب المحافظ الذى لا يسمح لأحد بالضحك بصوت عالٍ أو الرقص أو الفرح حيث تقوم أساسياته على الرزانة أو على حد قولهم «التُّقل» لكنه يسمح بذلك فى الموالد، ويندر أن توجد مدينة أو قرية أو نجع فى كل مصر دون شيخ وقبة وضريح ومولد، وقد استطاعت هذه الاحتفالات أن تنمو وتزدهر.

وقد وُجدتْ الطرق الصوفية قديما فى مصر وتزيد على 67 طريقة وازدهرت فى الموالد وأضحت وسيلة دعاية للطريقة ولشيخها ومريديها كما أن المشهورين من المنشدين يتبرعون بإحياء ليالى الموالد مجاناً على سبيل التبرك والدعاية، فكل المنشدين الكبار اشتهر اسمهم من خلال الموالد كالشيخ أحمد التونى والشيخ ياسين التهامى والشيخ إبراهيم البخ والشيخ رفاعى والشيخ عبد الحى والشيخ أمين الدشناوى وغيرهم. وتنشأ الموالد من خلال كرامات تُحكَى عن الولى المتوفَّى وسرعان ما تتناقلها الألسن حتى يتم الاعتراف بالشيخ وبمقامه ومولده، إنها مناسبة للفرح وفرصة للترويح عن النفس فى كل مولد «رَوِّحوا القلوب ساعة فإن القلوب إذا كلَّتْ عميتْ».

الدستورية والتوزيع الإقليمى

قبل سنوات نشرتُ هنا وفى صحيفة الأخبار مطالبات بإلغاء التوزيع الإقليمى والجغرافى المفروض على الحاصلين على الثانوية العامة عند التحاقهم بالكليات وطرحتُ ذلك فى جلسات رسمية بالمجلس الأعلى للجامعات فى (مجلس شئون التعليم والطلاب الأعلى) وحجتى فى ذلك أن الطالب طالما حقق المجموع المطلوب لأية كلية بمصر فمن حقه أن يلتحق بها وأن منعه من دخول كليات لبعدها الجغرافى حرمان من هذا الحق، وأن الطالب وقد أمضى سنوات فى مدينته أو قريته فحبذا لو التحق بجامعة خارج نطاق محافظته حتى يتعرف على زملاء جدد ويكتشف مدنا أخرى توسّع من مداركه ورؤاه كما أن تنّوع المشارب يُغنى العقول وأبنتُ هذا الرأى معددا مزايا إلغاء التوزيع الجغرافى الملزم للطلاب ثم أردفتُ - مازحاً - لو أن فتاة من المنصورة التحقت بإحدى كليات الصعيد وأُعجب بها زميلها الصعيدى وتزوّجا فسينجبان... وهنا قاطعنى الدكتور أشرف حاتم وكان أميناً عاماً للمجلس الأعلى للجامعات آنئذ مازحاً: لو تزوج صعيدى بفتاة من المنصورة  فسيُنجبان  «صعيدى» أيضا.. ولم تتم الموافقة على مقترحى، ولذا كم أسعدُ بحكم المحكمة الدستورية العليا برئاسة المستشار بولس فهمى فى الشهر الماضى بعدم دستورية قواعد التوزيع الإقليمى المنصوص عليه فى توزيع طلاب الثانوية العامة الناجحين للالتحاق بالجامعات لأنها تناقض الدستور لأنه يغيّب مبدأ العدالة العلمية وقواعد الاعتداد بمجموع الدرجات المؤهلة للقبول بتلك الكليات وأنه قوّض موازين العدل والمساواة وتكافؤ الفرص ويخلُّ بالحق فى التعليم؛ كما سبقت المحكمة الإدارية العليا فى أغسطس الماضى بإصدارها مبدأ قضائيا بعدم الاعتداد بقاعدة التوزيع الجغرافى كحائل لالتحاق الطالب بالكلية التى يؤهله مجموعه الكُلى للقبول بها لأن هذا المعيار معيار فاسد لا يصلح سندا للتمييز بين الطلبة؛ أبقى الله لنا سدنة القضاء وشيوخه رمزا للعدل وإحقاق الحق، فالعدالة حصن الجميع حكاما ومحكومين.

وأتذكر ما قاله الشاعر الجاهلى دُرَيد بن الصِّـمَـة:

أمرتُهمُ أمْرى بمُنْـعَرَج اللِّوى/فلم يَستبينوا النصحَ إلا ضحى الغدِ

فلما عصَونى كنت منهم وقد أرى/ غوايتهم، أو أننى غيرُ مهتدِ

مرض قطع الأشجار

لا أجد تفسيرا لحملة قطع الأشجار التى تنشط بهمة كبرى دون كلل أو ملل سوى أنه مرض وباء لأنك تجده فى كل المحافظات والأعجب أنه فى الوقت الذى نعقد فيه مؤتمر المناخ العالمى ونرى فيه مبادرات الدولة لزراعة ملايين الأشجار نجد ممثلى الدولة فى المدن والقرى والمحافظات يجتثون الأشجار دون هوادة بحجة أن فرعا منها سيقع أو أنها تعيق الأتوبيسات أو أنها تحجب الرؤية أو أنها تزغلل عيون السائقين أو أن جذورها ستقتلع الأحجار والأسمنت على حواف الترع أو أن الجن يبيت على فروعها أو.... حجج وتآليف قد يكون بعضها صحيحا لكن علاجه ليس القطع بل التقليم والتهذيب.

من فضلكم اتركوا للناس أشجارهم وكفاكم ما قطعتم من أشجار بحجة تبطين الترع، وتذكروا أن أسباب إذهاب الحزن هى «الخضرة والماء والوجه الحسن». 

موقف قفط وقوص بالمقابر

قبل أن أحكى عن تغيير موقع موقف سيارات قفط وقوص بمحافظة قنا وما أحدثه هذا التغيير المفاجئ من تعب للناس وخوف على بناتهم أودّ أن أذكّر المسئولين بمكانة البلدين التاريخية فقوص كعبة العلماء وعاصمة الصعيد الثقافية وأما قفط فهى بلدة الأولياء والأدباء والعلماء ويكفى أن القارئ ورْش أحد أبنائها وكلا المركزين أنجب من العلماء والأدباء والمثقفين والمفكرين الكثير والكثير، ولأن الناس يحبون التعليم فقد أرسلوا أبناءهم وبناتهم إلى الجامعة، وقد رأى المسئولون نقْل موقف السيارات التى تقل المواطنين من قنا إلى قفط وقوص وقراهم إلى أطراف مقابر قنا، وهذا مكان لا يصلح على الإطلاق لأن لدينا ما يقرب من عشرة آلاف طالبة من المركزيْن وما حولهما فى كليات جامعة جنوب الوادى والمعاهد وهؤلاء يتأخرون حتى الثامنة والتاسعة مساء فكيف يمرون بالمقابر حتى يصلوا إلى موقف سيارات لا يصلح البتة ولو أن المسئولين كانت لديهم بنات فلن يرضوا مرور بناتهم ليلا بهذا الموقع، وتقاس درجة نجاح المسئول برضا المواطنين، وأتذكر عندما كنت أستاذا زائرا بجامعة بون بألمانيا أن تلقيت مكالمة من بلدية بون لاجتماع بالبلدية لمناقشة تحويل محطة أتوبيسات عشرين مترا واجتمع من حضر يناقشون المسئول ويعترضون وفى نهاية الاجتماع تم رفض الموضوع بالأغلبية، كلى أمل فى اللواء أشرف الداودى محافظ قنا فى العدول عن هذا الموقع رحمة بالمرضى وأمانا للطالبات وتحقيقا لرغبة نصف مليون مواطن. 

الترع المُبَطّنة

يجد الشخص - الذى ألقاه قدره فى ماء الترع المبطنة ولا يجيد السباحة - نفسه يصارع الموت فلا يجد شجرة ولا طينا يمسك به لينجو وإنما يغوص عميقا ليلقى حتفه، فهل نقيم على حواف الترع سورا بارتفاع متر حتى نحمى السكان والمارين من الغرق؟

فى النهايات تتجلى البدايات

قال الشاعر أبو الحسن الششترى:

يا ساقيَ القَوْم من شَذاهُ/الكلُّ لمَّا سَقيْتَ تاهوا

تاهوا وبالسُّكرِ فيك طابوا/وصرَّحوا بالهوى وفاهُوا

ما شِربَ الكاسَ واحتساهُ/إِلا محِبُّ قدِ اصطفاهُ

يا عاذِلى خلِّنى وشُرْبي/فلسْت تدرى الشراب ما هُو

واطْرب بذكْرِ الحبيب وافْرحْ/ قد بلَغَ الشَّوق منْتهاهُ

ما قُلْتُ للقلْب أين حِبيِّ/إِلاَّ وقال الضَّميرُ ها هُو

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة