فيلسوف مصر القديمة "بتاح حتب"
فيلسوف مصر القديمة "بتاح حتب"


أصل الحكاية | فيلسوف مصر القديمة «بتاح حتب» يضع أسس الفضائل الإنسانية

شيرين الكردي

الأحد، 14 مايو 2023 - 02:23 م

بتاح حتب هو حكيم مصري قديم عاش في أواخر القرن الخامس والعشرين وأوائل القرن الرابع والعشرين قبل الميلاد، عمل وزيرًا في عهد جد كا رع مؤسس الأسرة الخامسة وله كتاب شهير عن الأخلاق والسلوك الحسن.

أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار أن الحضارة المصرية القديمة أقدم الحضارات التى وضعت أسس الحكمة والفلسفة وأخذت عنها الحضارة اليونانية وكان الحكيم بتاح حتب هو فيلسوف مصر القديمة وتعد حكمه من الروائع المصرية القديمة في أدب الحكمة التي تهتم بإرشاد النشأ وتوجيههم إلى الأخلاق، ويقول عنه (ديورانت) أنه أول فيلسوف في العالم بحكم ما حصلنا عليه من بقايا المخطوطات السابقة في الفلسفة الأخلاقية 
وتتخذ هذه الأمثال منحى تقديم النصح والإرشاد من أب لإبنه وتعرض المخطوطة التي يطلق عليها بردية بريسي في متحف اللوفر، وهي تحتوي على 37 وصية وإرشاد.

«الفيلسوف».. صاحب أسرع هدف في الدوري المصري

وأضاف الدكتور ريحان أن أمثال بتاح حتب أو تعاليم بتاح حتب تعد أحد أعمال بتاح حتب وزير الملك جد كا رع (الشهير بـ إيزيسي) أحد ملوك الأسرة الخامسة (حوالي: 2414-2375 ق.م). وهي مجموعة من الأحكام والنصائح حول العلاقات الإنسانية، والموجهة من بتاح حتب لابنه، النص موجود على برديات، منها بردية بريسي التي تعود إلى عصر الدولة الوسطى، والمعروضة في مكتبة فرنسا الوطنية في باريس.

هناك اختلافات كبيرة بين نسخة بردية بريسي والنصين المحفوظين في المتحف البريطاني، وقد قام بترجمتها (باتيسكومب جن) في عام 1906 كجزء من مجموعة كتب حكمة الشرق حيث قام بترجمة بردية بريسي في باريس ولا تزال تنشر حتى الآن.

ونوه الدكتور ريحان إلى أن الأمثال تبدأ بتوضيح كاتبها لسبب كتابتها، وهي وصوله لسن الشيخوخة ورغبته في نقل حكمة أسلافه، التي وصفها بأنها كلمات الآلهة تمجّد تلك الأمثال فضائل السلوك السوي بين الناس، مثل الصدق والعدل وضبط النفس والرفق بالآخرين، والدعوة للتعلم عن طريق الاستماع إلى الجميع ومعرفة أن المعرفة البشرية لن تكتمل أبدًا، إضافة إلى تجنب الصراعات كلما كان ذلك ممكنًا، ولا ينبغي أن يعتبر ذلك ضعفًا، وينبغي السعي إلى العدالة، وفي النهاية ستسود كلمة الآلهة وتشير بعض النصائح إلى كيفية اختيار السيد المناسب وخدمته، وتلقن نصائح أخرى دروسًا حول الطريقة الصحيحة للقيادة من خلال الانفتاحية والطيبة، واعتبرت تلك الإرشادات أن الطمع هو أساس كل شر ويجب الاحتراس منه، وأن الكرم مع الأهل والأصدقاء أمر جدير بالثناء، وقبول السمو في المقام الاجتماعي باعتباره منحة إلهية، ويمكن الحفاظ عليه بقبول العمل تحت إرادة الرئيس، وقد ذكرت بعض هذه الحكم فى ترجمة كريستيان جاك "الحكمة المعيشية في مصر القديمة".

وأردف الدكتور ريحان بأن حكم بتاح حتب اهتمت بالأسرة كأساس لبناء المجتمع فقال "أحب شريكة حياتك، اعتنِ بها، ترعي بيتك، أطعمها كما ينبغي، أكسى ظهرها وعانقها، افتح لها ذراعيك، وادعوها لإظهار حبك لها، واشرح صدرها وأدخل السعادة إلي قلبها بطول حياتها، فهي حقل طيب لسيدها وإياك أن تقسو عليها، فإن القسوة خراب للبيت الذي أسسته فهو بيت حياتك لقد أخترتها أمام الإله" .

وعن كيفية تربية الأطفال ونشأتهم يقول بتاح لابنه "إذا كنت رجلًا عاقلًا فليكن لك ولد تقوم على تربيته وتنشئته، فذلك شيء يسر الآلهة، فإذا اقتدى بك ونسج على منوالك ونظم من شئونك ورعاها، فاعمل له كل ما هو طيب لأنه ولدك وقطعة من نفسك وروحك، ولا تجعل قلبك يجافيه، فإذا ركب رأسه ولم يأبه لقواعد السلوك فطغى وبغى، وتكلم بالإفك والبهتان، فقوِّمه بالضَّرب حتى يعتدل شأنه ويستقيم قوله، وباعد بينه وبين رفاق السوء حتى لا يفسد".

وتحدّث عن الاجتهاد وقيمة العمل "كن مجتهدًا في كل وقت، افعل أكثر مما هو مطلوب منك، ولا تضيع فرصة لزيادة ثروات بيتك، إن العمل يأتي بالثروة، الثروة لا تدوم إذا هُجر العمل".

"إذا كنت فى صحبة جماعة من الناس، وكنت عليهم رئيسًا ولشئونهم متوليًا  فعاملهم معاملة حسنة حتى لا تلام، وليكن مسلكك معهم لا يشوبه نقص، إن العدل عظيم  طريقه سوى مستقيم".

وتحدث عن حكمة تواضع العلماء "لا تكونن متكبرًا بسبب معرفتك, ولا تكونن منتفخ الأوداج لأنك رجل عالم، شاور الجاهل والعاقل, لأن نهاية العلم لا يمكن الوصول إليها، والحكمة قد توجد في أي مكان, حتى بين النساء الجالسات أمام الطواحين فلا أحد بارع في فنه".

وعن أدب المجلس "إذا كنت في مجلس فاعمل طبقًا لما كلفت به أول يوم ولا تتغيب بل انتظر حتى يأتي دورك، وعندئذ كن مستعدًا للدخول دون دفع أو تزاحم فالمكان رحب وقاعة المجلس يسيطر عليها نظام دقيق، وتسير أمورها وفق خطة محكمة  أنه هو الرب الذي يهب المرء مقعدًا فيها يجزى به المستحقين ولا يناله المعتدون".

وعن حرمة المنازل "إذا كنت تريد أن تكون موفور الكرامة فى أى منزل تدخله سواءً كان منزل عظيم أم أخ أم صديق، فلا تقرب النساء، فما من مكان دخله التعلق بهوى النساء إلا وفسد، ومن الحكمة أن تجنب نفسك مواطن الشطط والزلل، ولا توردها موارد التهلكة، فإن ألافًا من الرجال أهلكوا أنفسهم وعملوا على حتفهم من أجل تمتعهم بلذة عارضة تذهب كحلم في لمح البصر".
وقال عن الطمع "لا تكن شرهًا  في القسمة، فلا تأخذ منها ما ليس لك، ولا تطمع فيما هو لأقاربك، والكلمة الطيبة اللينة خير من القوة وأجدى، والطمّاع يخرج دائمًا صفر اليدين من بين أقاربه وأخدانه، لأنه حرم موهبة الكلام الرقيق، وأن القليل الذي يختلس يولد العداوة حتى عند صاحب الطبع اللين".

وعن حسن اختيار الصديق وآداب الحوار قال "إذا كنت تبحث عن أخلاق صديق فلا تسأل أقرانه عنها، ولكن اختلط  به وأقض وقتًا معه حتى تختبر أحواله، وتناقش معه بعد زمن وامتحن قلبه فى معرض كلام، فإن كشف لك عن ماضى حياته فقد هيأ لك الفرصة إمّا أن تخجل منه أو لكى تكون له صديقًا، ولا تكن متحفظًا عندما يبدأ الحديث، ولا تجبه بخشونة ولا تتركه ولا تقاطعه حتى ينتهى من حديثه، فقد تستفيد مما يقول، أمّا إذا أفشى شيئًا يكون قد رآه أو فعل شيئًا يغضبك، فكن حذرًا حتى فى إجاباتك".
وعن التفاؤل قال "كن سمح الوجه وضّاء الجبين مشرق الطلعة ما دمت حيًا، ولا تحزن على ما فات، والمرء يذكر بأعماله بعد موته".

كما تضمنت حكمه آداب المائدة "عندما تجلس إلى مائدة أحد الكبار، فخذ إذا أعطاك مما هو موجود أمامك ولا تنظر إلى ما وضع أمامه، بل أنظر إلى ما وضع أمامك أنت، ولا تصوب إليه نظراتك الكثيرة لأن النفس (كا) تشمئز عندما يصطدم المرء بها، وغض من بصرك حتى يحييك ولا تتكلم إلا إذا حيَّاك، أضحك عندما يضحك فإن هذا مما يبهج قلبه ويجعل ما تفعله مقبولًا لديه لأن الإنسان لا يعلم ما فى القلب".

وعن ثورة الغضب قال "لا تردد كلامًا قيل في ساعة غضب ولا تصغ إليه، لأنه خرج من بدن أحمته ثورة الغضب، وإذا أعيد هذا الكلام عليك فلا تستمع إليه بل انظر إلى الأرض ولا تتكلم  بشأنه، فيخجل من هو أمامك ويعرف الحكمة، وإذا أمرت باقتراف سرقة فعليك أن تتفادى الأمر لأن السرقة شنيعة طبقًا  للقانون".


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة