محمود الورداني
محمود الورداني


محمود الورداني يكتب: هل للموت يوم عُطلة ؟ ( 2-2 ) فصول في الجحيم

أخبار الأدب

الأحد، 14 مايو 2023 - 08:00 م

أواصل هنا ما بدأته الأسبوع الماضى حول رواية خليل صويلح «احتضار الفَرَس». وكنتٌ قد أشرت إلى الافتتاحية التى تضمنت وصول جثمان أحد الجنود العائدين من ميدان القتال إلى قريته ليُدفن، لكنه كان بلا رأس وبثلاث أذرع. لا يعود الكاتب إلى هذه الأحداث الخاطفة، ويكتفى بأنه عرف تفاصيلها بحكم عمله الصحفى.

ثم تبدأ الرواية، حين يتلقى الراوى خبر موت أمه، فيقرر السفر من دمشق، إلى قريته البعيدة فى الشمال الشرقى بالطائرة، ويعود بسيارة ركاب. رحلتا الذهاب والعودة، رحلات جحيمية بامتياز. تتتابع المدن، أو تلك التى كانت مدن، والتى كانت قرى، وقد تم تدميرها على يد الجميع: الشعب والنظام والأطراف الخارجية ووكلائهم وعملائهم. ومنذ صيف 2014 وتنظيم الدولة الإسلامية على سبيل المثال، رسم «خريطة احتلاله للقرى والمدن على هيئة رؤوس معلّقة عند مفترقات الطرق، وأجساد مصلوبة فى مراكز المدن» وانتهت حروب العملاء «بإقامة قاعدة عسكرية أمريكية تضم سجنا لبقايا فلول التنظيم الإرهابى».

رحلتا الذهاب والعودة لا تحفل ان بالمعاصرين الذين يستدعيهم الراوى فقط، بل يستحضر أيضا عشرات الراحلين مثل الكاتب المكسيكى خوان رولفو، ومحمود درويش والمعري، وصادق هدايت صاحب رواية البومة العمياء، وحارس الآثار والمدينة خالد الأسعد الثمانينى الذى قطع الغزاة رأسه واقفا بعد أن رفض تنفيذ أمر تركيعه. يستدعى أيضا أصدقاءه من المنتحرين أو مئات القوارب التى حملت المهاجرين وغرق أغلبهم، والبحر الأبيض المتوسط وحده ابتلع فى سنوات الحرب سبعة عشر ألف جثة.

 هذه المذابح والمقتلة العبثية الدائرة مكتوبة عارية بلا أدنى شفقة، ولامكان للمجاز، فما يجرى تجاوز المجاز.. المقتلة الدائرة هى المجاز الذى لايمكن استيعابه أو احتماله.

أما النصف الثانى من الرواية فيقدم الكاتب من خلاله جانبا آخر للكارثة، عندما يعود ليواصل عمله محررا ثقافيا لإحدى الصحف. حضور الموت هنا أيضا ثقيل حتى أن الكاتب يتساءل «هل للموتى يوم عُطلة»؟.. ويتبادل أطراف الحديث مع كثير من الذين اشتهر عنهم تناولهم للموت من القدامى والمحدثين سواء من العرب أو غير العرب. أو«يسير بلا هدف فى شوارع مدينة تحتضر على مهل، مثل فرس. مدينة تبدّل جلدها مثل أفعى كوبرا تبتلع ذاكرتها وتاريخها وعمارتها كل يوم، مدينة مهاجرين ومهاجرين، مدينة الطاعون والجرب والمعتقلات ، مدينة الحملات التأديبية المتعاقبة منذ ألف عام وعام».

 كان صويلح قادرا على النجاة من النوستالجيا ومن اصطناع القسوة والكآبة، وصاغ عمله باقتدار وتجّنب الانجرار العاطفى أو إقامة مناحة على ما فقدته بلاده. وسواء كان فى الرحلتين الخاطفتين لما يزيد على ألف كيلومتر، أو يكتب عن مدينته، مدينة الأشباح واللصوص ومافيات الأمن أو التهريب، فهو لا يلجأ للزعيق، ولغته عارية وجارحة: لغة لتوصيل رسالة محددة صارمة وغاضبة ضد الحرب العبثية.

 مدينة صويلح بلا حب طبعا ولاصداقة ولا جيران. كانت الصحف قد ماتت، والضباع تجول فى شوارع المدينة، وهناك تصفيات متبادلة بين عصابات المافيا. لا يبدو هناك أى بصيص أمل حتى السطر الأخير حيث أيقن الراوى أن حبيبته دلال شاكر لن تأتي.

 رواية مكتنزة قاسية وصارمة تليق بكاتبه بعد عدة تجارب روائية حافلة،  وفى النهاية أود أن أشير إلى خطأ طباعى أتمنى تداركه، فأرقام الفصول بها أخطاء أرجو تصويبها فى الطبعات التالية.

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة