لوحة الفنان الأمريكي جيسون ألين التي تم توليدها ببرنامج «ميدجورني»
لوحة الفنان الأمريكي جيسون ألين التي تم توليدها ببرنامج «ميدجورني»


الذكاء الإصطناعي.. «أعصاب جامدة» تنافس ريشة الفنان

آخر ساعة

الأربعاء، 17 مايو 2023 - 01:54 م

كتب: أحمد الجمال

نجح الذكاء الاصطناعي فى اقتحام ساحات الفن وربما ينوى احتلالها مستقبلًا، وسلب المبدعين من البشر ملكاتهم الإبداعية، وهو فى سبيل مهمته تلك مدجج بذكائه المفرط وقدراته الفائقة التى تمت تغذيته بها، خصوصًا بعد أن مَد يده إلى عَالمٍ ظل حِكرًا منذ آلاف السنين على الموهوبين فقط، وهو الفن التشكيلي، فقد بات بإمكان الذكاء الاصطناعي أن يرسم لوحة بديعة أو يبتكر صورة فوتوغرافية من الصعب اكتشاف أنها زائفة!

◄ تطبيقات ترسم لوحات فنية وتبتكر صورًا فوتوغرافية تحصد الجوائز

◄ تنتج أعمالًا متناسبة وجميلة وبعيدة عن الأخطاء الفنية الشائعة

◄ الروبوت يخضع لـ«تعلم عميق» يساعده على توليد الرسومات باحترافية

◄ د.عبدالعزيز الجندى: لا أعتقد أن هناك آلة ستلغى دور الفنان

■ صورة أنشأها الفنان الألمانى بوريس إلدجسن بالذكاء الاصطناعي

قد يتساءل البعض عن الطريقة التى بموجبها يصبح بمقدور الروبوت الذكي رسم اللوحات الفنية أو توليد التصاميم واختيار الألوان ومحاكاة ضربة الفرشاة لفنان كلاسيكى راحل، والأمر فى الحقيقة يتم بآلية معقدة، وإن كان يمكن تبسيط الفكرة، بأن الروبوت لديه «عقل مجازي» أشبه بوعاء يضع فيه المطوِّرون التقنيون كل المعلومات المراد تغذية الروبوت بها، والأداة الرئيسية التى تساعد تطبيق الذكاء الاصطناعي على الوصول إلى هذه المعلومات هى خوارزميات التعلم الآلى (Machine Learning Algorithms).

وهناك ما يُسمى بـ«الخلايا العصبية» (Neurons)، تُستخدم بشكل هندسي فى عملية تدريب النماذج الذكية المستخدمة فى تطبيقات الذكاء الاصطناعي. فعند تدريب النماذج بالتعلُّم العميق (Deep Learning)، يتم استخدام شبكات عصبونية اصطناعية (Artificial Neural Networks) تحاكى تقريبًا عمل مثيلتها فى الدماغ البشري.

ولتبسيط الأمر، يمكن القول باللغة الدارجة إن روبوتات الذكاء الاصطناعي لديها «أعصاب جامدة» أو «أعصاب من حديد»، وليست من شحم ولحم ودم، مثلما الحال فى بنى البشر، وهذه الخلايا العصبية مزودة بمهارات مثل الرسم والتصميم وإبداع اللوحات الفنية من خلال تدريب نماذج تعلُّم عميق على الفن والتصميم. ويمكن تدريب هذه النماذج على مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية والتصميمية وتحليلها لاستخلاص الأنماط والمَيزات الفنية التى يمكن استخدامها فى إنتاج أعمال جديدة.

وبعد تدريب الروبوت أو النموذج الذكي، يمكن استخدامه لتوليد لوحات فنية جديدة أو تصميم صور ورسومات مختلفة باستخدام المعلومات المستمدة من التدريب. وكذلك يتم تزويدها ببعض القواعد والمعايير الفنية للمساعدة فى إنتاج أعمال فنية متناسبة وجميلة وبعيدة عن الأخطاء الفنية الشائعة، ويمكن أيضًا تزويدها بمعلوماتٍ حول الألوان والأشكال والخطوط والظلال وغيرها من العناصر الفنية لمساعدة الروبوت على إنتاج أعمال فنية جميلة وساحرة وذات طابع احترافي.

اقرأ أيضا| باحثون يطورون أداة بالذكاء الاصطناعي تشخص النوبات القلبية

أوبرا الفضاء
وقد يبدو غريبًا أن نجد عملًا فنيًا يفوز صاحبُه بجائزة كبرى فى مسابقة مرموقة، رغم اعتماده فى صنع هذا العمل على أحد برامج الذكاء الاصطناعي، ولكن هذا ما حدث بالفعل فى عدة دول حتى الآن، ما تسبب فى حالة من الجدل فى الأوساط الفنية عالميًا.

■ جيسون ألين

وقد فجّر الفنان الأمريكي جيسون ألين (39 عامًا) مفاجأة صادمة، عقب إعلان فوزه بالمركز الأول فى مسابقة فنية كبرى أقيمت فى سبتمبر 2022 بولاية كولورادو، إذ كشف أنه صنع لوحته الرائعة «مسرح أوبرا الفضاء» معتمدًا على برنامج الذكاء الاصطناعى «ميدجورني» Midjourney.

الواقعة أثارت هجومًا شديدًا على ألين، وذهبت تعليقات الغاضبين من نتيجة المسابقة فى اتجاه واحد: «دخل شخصٌ ما فى مسابقة فنية بقطعة جرى إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعى وحصد الجائزة الأولى. هذا أمر سخيف جدًا»، بجانب تدويناتٍ أخرى على شاكلة: «نحن نشاهد موت الفن أمام أعيننا مباشرة. إذا لم تكن الوظائف الإبداعية آمنة من الآلات، فحتى تلك المهن التى تتطلب مهارات عالية هى الأخرى معرضة لخطر الاندثار».

لكن ألين رفض الاعتذار لمنتقديه، وقال: «لقد فزتُ، ولم أخالف أية قواعد»، لافتًا إلى أن عمله الفنى يُظهّر أن الناس بحاجة إلى تجاوز إنكارهم وخوفهم من التكنولوجيا التى بمقدورها تعزيز الاختراعات الجديدة وإعادة تشكيل عالمنا. وأضاف: «الذكاء الاصطناعى أداة، تمامًا مثل فرشاة الرسم، ومن دون الشخص الفنان، ليس ثمة إبداع قوي»، وعبّر عن استيائه من النقاد الذين عارضوا فوزه بالجائزة بأن وصفهم بأنهم لا يُقدِّرون الرسالة العميقة فى فنه الذى أنشأه بواسطة الذكاء الاصطناعي.

■ لوحة «الفتاة ذات القرط اللؤلؤى» المطوَّرة بالذكاء الاصطناعي وفى الإطار اللوحة الأصلية

تضليل متعمّد
على النقيض، فإن فنانًا ألمانيًا يُدعى بوريس إلدجسن، رفض جائزة فى التصوير الفوتوغرافي، فاز بها عن صورة استخدم فى إنشائها الذكاء الاصطناعي، فى أبريل الماضي، مبينًا أن الهدف من وراء ما فعله هو دق جرس إنذار للتنبيه بمخاطر استخدام هذه التقنية فى الأعمال الفنية والإبداعية. وقال إنه لن يقبل المكافأة الممنوحة له ضمن جوائز «سوني» العالمية للتصوير الفوتوغرافي، لأنّ «مسابقات مماثلة ليست جاهزة بعد للتعامل مع تقنية الذكاء الاصطناعي»، فى حين أن لجنة منح الجوائز فى المسابقة اتهمت الفنان بـ«التضليل المتعمّد».

ذات القرط اللؤلؤي
وقبل شهر واحد من تلك الواقعة، ضجّت الأوساط الفنية جدلًا، حين امتدت يد الروبوتات الذكية إلى واحدة من أشهر اللوحات العالمية، من خلال إعداد نسخة مطوَّرة منها بالذكاء الاصطناعي، وهو ما طبّقه حرفيًا المصمّم الرقمى جوليان فان ديكن على لوحة «الفتاة ذات القرط اللؤلؤي» معتمدًا على أداة «ميدجورني» إضافة إلى برنامج «فوتوشوب».

وهذه اللوحة التى تم وضعها فى متحف بمدينة لاهاي، ترجع النسخة الأصلية منها إلى الفنان الهولندى يوهانس فيرمير (1632-1675) أكبر فنانى القرن الـ17 فى أوروبا، وهى من أشهر الأعمال الفنية فى تاريخ الفن التشكيلي.

وحين ينظر أحدٌ إلى النسخة الجديدة، يلاحظ البريق ذاته والنظرة الرمزية نفسها للفتاة فى اللوحة الأصلية، لكن بعد التأمل فى اللوحة، تظهر تفاصيل غريبة.. الفتاة فى هذه اللوحة لا ترتدى قرطًا واحدًا فقط بل اثنان متلألئان، واحد فى كل أذُن، بخلاف وجود نمشٍ أحمر فى وجهها.

هذه النسخة المطوَّرة بالذكاء الاصطناعى جزء من معرض فى متحف ماورتشهاوس فى لاهاي، يجمع بين نسخ صنعها هواة عن اللوحة التى أنجزها فيرمير عام 1665، والموجودة حاليًا على سبيل الإعارة فى متحف رايكسميوزيم بأمستردام فى إطار معرض مخصّص لأعمال الرسام الهولندي.

وفجّرت اللوحة «المستنسخة تقنيًا» حالة من الجدل الواسع فى الأوساط التشكيلية عكستها مواقع التواصل الاجتماعي، ففى حين أشاد البعض بجمالية اللوحة، استنكر آخرون وجود عمل «غير أصلي» كهذا فى متحف ماورتشهاوس الذى يضم أعمالًا كلاسيكية فريدة لفيرمير وغيره من كبار الفنانين. وألمح المعترضون إلى أن أدوات الذكاء الاصطناعى قد تنتهك حقوق الملكية الفكرية لفنانين آخرين، من خلال استخدام أعمالهم كأساس لتوليد صور جديدة مصطنعة.

◄ اللقطة الواحدة
هذه الحَيرة ما بين كون الذكاء الاصطناعى أداة عصرية ملهمة لتطوير الفن، وتقنية تقتل الفنون وتهمّش دور المبدع الحقيقى فى مقابل إذكاء دور الآلة، دفعتنا لاستطلاع رأى أحد المختصين فى هذه القضية، أستاذ الفنون الجميلة بجامعة حلوان، الدكتور عبدالعزيز الجندي، الذى قال لـ«آخرساعة»: «إن الآلة موجودة منذ زمن بعيد، يستخدمها الفنان فى عمله الإبداعي، وإن كانت تتطوّر فى شكلها وطبيعة عملها بما يواكب العصر ويخدم العمل الفني، فظهور الكمبيوتر مثلًا لم ينهِ دور الفنان، بل إن الأخير هو مَنْ طوّعه لصالح جودة العمل الفني، وما نشهده حاليًا وما سوف نشهده مسقبلًا هو ثورة تكنولوجية بصورة أكبر، بالتالى لا أعتقد أن هناك آلة مهما كانت قدراتها ستلغى دور الفنان».

وعبدالعزيز الجندي، حقّق شهرة واسعة فى مصر وخارجها، بعدما أسّس فى عام 2002 مجموعة «فنانى اللقطة الواحدة»، التى ترتكز فكرتها الرئيسة على اجتماع عددٍ كبير من الفنانين الشباب فى مكان ما كحديقة عامة لرسم عنصر واحد، كلٌ من زاويته وحسب رؤيته وبصمته الفنية، وتكون النتيجة باقة من الأعمال المتنوعة التى تدور حول موضوع واحد. ومن هنا يؤكد الجندى أن «بصمة الفنان هى التى تميّز عمله عن غيره من الفنانين».

ويضيف: «لا أظن أن الروبوت الذكى سيقدر على مضاهاة هذه البصمة الإبداعية البشرية»، لافتًا إلى أن «كل تقنية جديدة تكون بمثابة سلاح ذى حدين، فمثلما يمكن استغلال الذكاء الاصطناعى بشكل إيجابي، فإن ثمة جانبًا سلبيًا قد يظهر لاحقًا مثل تزييف اللوحات الشهيرة أو تزييف النقود باحترافية ودقة فيصعُب اكتشافها، لكننى واثق فى الوقت ذاته من أن المطوّرين التقنيين سيبتكرون أيضًا أساليب مضادة لتلك العمليات الاحتيالية».

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة