د. أحمد عفيفي
د. أحمد عفيفي


د. أحمد عفيفي يكتب: ياعزيزي.. كلنا «علماء»!!

أحمد عفيفي

الخميس، 25 مايو 2023 - 06:46 م

تخيلت لو جاء يوم يتلقى «تشات جى بى تى» التهانى على مستوى العالم لفوزه بجائزة «نوبل» فى أحد مجاﻻتها الستة (الطب- الفيزياء- الكيمياء- اﻷدب- السلام- اﻻقتصاد). فهل سيمتلك ناصية الجدارة واﻻستحقاق أم سيكون يوماً مشهوداً ونجد أنفسنا أمام 6 استنساخات منه.. كلٌ تخصص فى فرع من «جائزة الكبار».. ولحظتها ستتهدد منظومة اﻹبداع البشرى والقدرة على اﻻبتكار اﻹنساني.

لقد اتسعت دائرة «الذكاء اﻻصطناعي» وباتت تغزو ميادين لم تدر بالأحلام وسعى ﻷن يترك مقعد «المساعد» فى الجهود العلمية ليتبوأ موقع «الصانع» الماهر، وقام بتقديم المقاﻻت والأبحاث وإكمال القصص والروايات وقرض الشعر.

هكذا، اندفعت استطاعات ذلك «التشات» نحو تجاوز الحدود وأصبح منافساً مدهشاً وعالماً مبهراً يصيغ اﻷبحاث العلمية بإتقان ويعتلى «اسمه» مصاحباً مؤلفين آخرين رأس منشورات علمية فى إصدارات عريقة ودوريات عالمية (نيتشر نموذجًا).

وتتعثر جهود العلماء ويتوقف عطاؤهم ويتعطل «الذكاء الطبيعى» فى مواجهة قدرات هائلة يظهرها «جى بى تى» كتطبيق للذكاء اﻻصطناعى ولسان حاله ينطق أمام الجميع: «ياعزيزى.. كلنا علماء».. وكأنها صيحة تحذير تدق ناقوس الخطر من «عالم بلا معمل»!!..

وفى المقابل يقف «فنان بلا مرسم» هو«دال إى مينى».. ذكاء اصطناعي آخر يقتحم الفنون التشكيلية لتحويل «النص» إلى صور ورسومات ولوحات عالية الدقة (بوريس جونسون يأكل سمكة- الكنغر المصنوع من الجبن).. مهام يعجز الفنان البشرى عن تنفيذها «دون فرشاة». علاوة على نظام «موزيك إل إم» و «جاكى بوكس» وهما أبرز مبادرات توليد الموسيقى عبر مدخلات معينة.

تتوالى تطبيقات «الذكاء اﻻصطناعى» الفذة فى إحلال اﻵلة محل اﻹنسان كى يؤدى أدواراً ووظائف شتى اعتماداً على «المحاكاة» التى تنطلق من «خوارزميات» وتقنيات تمنح الحواسب إمكانية «تعليم اﻵلة» مضاهاةً ﻹشارات الخلايا العصبية. ويعمل خبراء المجال على تغذية «الخوارزميات» بكم هائل من البيانات واﻷرقام والمعادﻻت ثم يتبعونها بآﻻف التدريبات وصولاً لأعلى درجات «التنبوء» وأفضل مستويات «التخمين».

وعندما يوجه 500 من الباحثين والخبراء «خطاباً مفتوحاً» لوقف أبحاث «الذكاء اﻻصطناعى» واﻻمتناع عن تطويرها لمدة 6 أشهر، فإنهم يعنون ما يقولون مطالبين بـ«استراحة محارب» أو«هدنة بحثية» نظراً لما تحمله هذه البحوث من أخطار وخيمة تحدق بالبشرية جمعاء فى ظل غياب معايير أخلاقية نافذة تحدد المردود الأمثل من استخدامات الذكاء اﻻصطناعى مع تقليص السلبيات الناجمة، اللهم إﻻ من توصية اليونسكو فى  2021 كإطار معيارى تقنينى عالمى ولكنه دون تفاصيل. كما أن استمرار تلك اﻷبحاث على نفس الوتيرة المتسارعة حالياً، ستدفعنا إلى الهاوية وتضع العصا فى عجلة الحضارة والازدهار.

إن نص ذلك «الخطاب المفتوح» يتعارض مع منطق «قوة المعرفة» التى تحكم العالم. فمن يمتلك قوة «اﻻبتكار» و«اﻹبداع» -وليس القوة الخشنة والغاشمة-هو صاحب التأثير والتطوير والتقرير، وبالتالى، فلن يجد ذلك «الخطاب» صداه أو يصادف مبتغاه. فمن ذا الذى يملك سلطة تنفيذه والسيطرة على عقل البحث العلمى ويوقف طاقة التفكير ويحظر حرية اﻻبتكار والإبداع؟. إن ذلك «الخطاب» ليس سوى مجرد «نداء» قد يستجاب له من خلال منع 4 عناصر: النشر العلمى -تداول المعلومات فى المحافل الدولية- تمويل اﻷبحاث وطرح مشروعاتها- إعداد التقارير الدورية من قبل الباحثين الرئيسيين.

إنهم يخاطبون الضمائر واﻷخلاق وليس التنافسات  الشرسة والصراعات المحمومة لحسم اﻷسبقيات وتحقيق اﻹنجازات..«فمن سبق امتلك». أما«البنية اﻷخلاقية» و«اﻷحكام الناعمة» التى تؤطر للممارسات المستحدثة ووضع قيودها وحدودها فى هذا المجال الذكى اصطناعياً، فلم تكتسب بعد الزخم المطلوب..إنهم يحرثون فى«البحر» الذى يبقى بعد أن تهدأ «العاصفة»!!؟؟
أستاذ بكلية العلوم جامعة القاهرة

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة