أنطونيو جالا
أنطونيو جالا


أنطونيو جالا يعود إلى حقول عدن الخضراء

أخبار الأدب

السبت، 03 يونيو 2023 - 04:07 م

رحل أنطونيو جالا، صاحب «المخطوط القرمزي» «والوله التركي» ، الخبر الحزين وقع فجر الأحد، 29  مايو،  فى مستشفى الملكة صوفيا بقرطبة، بعد مضاعفات فى حالته الصحية تدهورت بشكل كبير فى الأسابيع الماضية. 


ولد جالا فى براثاتورتاس، بمدينة  ثيوداد ريال، فى 1930، وفى 2015، أعلن الكاتب أنه شفى تمامًا من سرطان القولون، الذى كان أصيب به قبل ذلك بأربع سنوات.

اقرأ ايضاً | عبد الرحمن مقلد يكتب: قصيدته التى تتكلم

وكان حينها يرتدى حلة زرقاء ورابطة عنق مخططة، وشعره الكثيف مصفف بعناية، وصوته مكسور، وقام بفعل أكثر شيء يحبه: أن يتسيد اللقاء، راسمًا نصف ابتسامة، ومحركًا مقبض عصاه، وهو يمضغ كلماته بهدوء، مستمعًا لكلماته نفسها: "أعلن الأطباء شفائى من سرطان القولون"، وسط احتفال قرطبة به بعد تتويجه بلقب الابن البار.


فى هذه الأثناء، فى صيف عام 2012، فى أحد المساءات الخانقة فى بار "بمبي" بمالجة، تشارك الكاتب العرق والاعترافات مع هذه الجريدة: "العلاج الكيماوى يعالج أحيانًا، ويقتل دومًا. يزيل الجيد والسيىء. أليس كذلك؟ جعلنى المرض أكثر وعيًا بالموت ، لا أخاف، ولم أخف أبدًا من الموت، يموت الإنسان، فى جميع الأحوال ، لقد عمرت طويلًاـــ كنت دومًا، الآن بشكل أقل بكثير، محبًا للناس بحق. وكانت أى خطيئة فى الصداقة تؤذينى بشكل مرعب".


لماذا تقول الآن بشكل أقل بكثير؟
لأننى سأموت، لأننى أصبحت معزولًا جدًا، لأننى لا أمنح نفسى سوى القليل جدا. لأننى أخصص كل وقتى لكلابي. أتمنى لو ندفن معًا، لقد كانوا رفقتى الوحيدة، وتوفى هذا الأحد أنطونيو جالا، الشاعر، والمسرحي، والروائي، والكاتب المثير للجدل، وكاتب المقال، والمخرج التليفزيوني.


كان جالا للجميع وليس لأحد ، ما يعنى أنه وصل بعيدًا، بعيدًا جدًا، ولكن مسألة قراءته كانت أمرًا آخر ، هكذا كان يقول هو، وليس أحد آخر. فى أحد المساءات أثناء لقاء معه فى منزله فى مدريد.


فى كل مرة يوجد كتاب لك فى معرض الكتاب يصبح أكثر الكتب مبيعًا أو ثانى أكثر الكتب مبيعًا، نعم، ولكن هذا لا يعنى أنه الأكثر قراءة، بالطبع. أنا من أكثر الكتّاب مبيعًا فى هذا البلد، ولكن من أقلهم قراءة.


قد ولد أنطونيو جالا فى لامانشا، نعم، لكن قضى طفولته فى قرطبة، وهى المدينة، التى ربما بجانب مدريد - وقرية الأورين الكبير بمالجة، كونوا المثلث السحرى لحياته.


درس ونال ليسانس الحقوق، والفلسفة، والآداب، والعلوم السياسية والاقتصادية، وهو تكوين أكاديمى رفيع المستوى، ينضم إليه الحدس وسعة الاطلاع والمعرفة بالأساطير الكلاسيكية، وصناعة الأفكار.


إن المزج بين التكوينين، الرسمى والميداني، حول جالا، من بين اشياء أخرى، إلى محب ومتخصص فى العالم العربي. كان يكفى أن تلمح لجالا فى أحد الحوارات بقرطبة، ابن رشد - أو حتى باسم الفيلسوف اليهودى موسى بن ميمون - حتى يلقى بمحاضرة عصماء، بل وصل به الأمر إلى تأسيس ورئاسة جمعية الصداقة العربية ـــــ الإسبانية، وفى إطار عملها سافر إلى بغداد عام 1982 للتعرف على صدام حسين. هذا الفصل الخاص بغداء مع الطاغية يصلح أن يكون بمثابة استعارة لشخصية جالا، رغم أنه عند التفكر مليًا، فمن المحتمل أن تصلح أيضا لصدام.


كتب جالا حينها: " كان طاغية، لكنه طاغية الولايات المتحدة التى منحته أسلحة الدمار الشامل التى تبحث عنها الآن، كى يستخدمها ضد إيران... كنت أسميه مانولو، لمظهره الذى يترواح بين عامل بناء وسائق حافلة، بتلك العيون السوداء وشاربه الكث. وبينما كنت أقرأ أشعاري، كان يصرخ بكلمة غير مفهومة، وكنت أشعر بالخوف: أن هذا الشخص سوف يقتلنى بالغاز".


دون تفريط، لنذهب للجزء الأهم. إن جالا الذى كان يعرف معنى النضج المبكر، كتب ثلاثين عملًا مسرحيًا بعد أن فازت مسرحيته الأولى فى عام 1963 " حقول عدن الخضراء" بجائزة المسرح الوطنى " كالديرون دى لا باركا". يأتى بعدها، من بين أعمال أخرى " خواتم لسيدة" فى 1973، وتحولت على يديه لمسلسل بالتليفزيون، حيث أخرج مشهدًا طبيعيًا مليئًا بالأشباح، "وآلات موسيقية معلقة فى الأشجار" فى 1974، "ولماذا تجرى يا عوليس؟" فى 1975، "وبترا المهداة" فى 1980، "والجمال النائم" فى 1994.


من بين أشعاره  ــــ التى باعت كثيرا ولكن قرأها القليل من الإسبان، حسب جالا نفسه ـــ يبرز ديوان " العدو المقرب"، "وشهادة أندلسية"، و"توبياس بلا روح". أما عن أعماله الروائية، فقد كانت حقًا عبارة عن إلهام متأخر. فحتى 1990، لم يكن قد نشر بعد روايته " المخطوط القرمزي"، ولكنها حصدت جائزة البلانيتا. ثم نال شهرته كروائى بروايات (الوله التركي) 1993، و(ما وراء الحديقة)1995.


وفى فترة التحول للديموقراطية والأعوام التى تلتها، كان ديموقراطيًا قحًا منذ الوهلة الأولى. طالب بالحكم الذاتى لإقليم الأندلس. ترأس منصة رفض حلف الأطلسي ، وأسس فى قرطبة مؤسسة أنطونيو جالا لدعم شباب المبدعين، وتعاون مع وسائل الإعلام مثل الباييس الأسبوعى، حيث نشر مقالاته الشهيرة باسم (حوارات مع ترويلو) وأيضا مع جريدة الموندو، حيث كان يوقع يوميًا عموده "النافذ".


كان ساخرًا ومشاكسًا، مثقفًا جدًا ومرحا ومبدعًا، متعاليًا مثل مقالاته الحرّاقة ومحتالًا إلى حد ما، وطبقيًا دون أن يعترف بذلك، ومحبوبًا جدًا عندما يهجر. يترك أنطونيو جالا العالم الذى عاش فيه ويرحل لحقول عدن الخضراء. أو إلى أى مكان آخر به هذه الحقول. 

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة