كاميليا حسين: «استغماية» بدأت بحلم
كاميليا حسين: «استغماية» بدأت بحلم


كاميليا حسين: «استغماية» بدأت بحلم

أخبار الأدب

الثلاثاء، 20 يونيو 2023 - 12:14 م

تفتتح كاميليا حسين لعبتها السردية من أمام باب وحيد ومهجور نسج العنكبوت شباكه عليه وعششت فوقه العصافير، وتنهيها من أمام الباب نفسه بعد أن هدمت العش وتخلصت من عصافيره. نص سردى مكثف ومحكم تفتح فيه بجرأة الكثير من الأبواب المغلقة وتطرح الأسئلة المسكوت عنها حول الأمومة والأبوة والبنوة والصورة المثالية فى اللحظة الحالية.. نشاهد فيه أماً جديدة مختلفة تقاوم بشجاعة أشباح أمومتها عبر لعبة «استغماية» لا حدود للاحتمالات فيها، فكل الاحتمالات واردة وكلها لها ما يبررها فى النص وهو سر براعة كاتبته وتمكنها.

«استغماية» هى الرواية الفائزة بجائزة «ورشة أصوات وخطوط لرواية الجريمة الأدبية» التى نظمتها «ستوريتل» للكتب الصوتية مؤخرا بالتعاون مع الدار المصرية اللبنانية وجاء فى حيثيات فوزها إشادة بمهارة الحذف وقدرة كاتبتها على قول الكثير من خلال القليل من الكلمات «وفوق هذا الإيجاز اللغوى هناك إحكام للبنية، وكاتبة امتلكت كل حريتها فى طرح وجهة نظرها فى علاقات الأمومة والبنوة التى تحاط فى العادة بسياج من القداسة تواضعت عليه مجتمعاتنا».
وهنا نتحدث مع كاميليا حسين عن روايتها بالتفصيل..

 

 

العمل تجاوز أخطاء البدايات. جملة أصبحت أقولها وأقرأها كثيرا مؤخرا ، فكرى معى كمتابعة للشأن الثقافى، ما الذى حدث فى رأيك، هل زاد وعى الكتاب؟ هل ساهمت وسائل التواصل فى هذا الأمر؟ أو ربما يكون انتشار الورش الأدبية.. وبشكل شخصى - وقد قيلت فى عملك الجملة نفسها - هل سبق «استغماية» تجارب أخرى؟ ما قصتك مع الكتابة بشكل عام؟

اقرأ ايضاً| الكابتن أحمد متولى

أعتقد أن الأمر يتعلق بتعريفنا ل«أخطاء» البدايات ، فى ظنى لا يوجد عمل خال من العيوب سواء كان العمل الأول أو العاشر، بمرور الزمن تمنحك ممارسة الكتابة بعض الخبرة التى تمكنك من رؤية العمل بعد ابتعادك عنه زمنيا.

فى حالتى أنا ممتنة للغاية لكل من أشار لعملى بهذه العبارة ، وهو أمر يسعدنى، لكنى الآن وبعد مرور أشهر طويلة منذ تسليم العمل بإمكانى أن أرى الأمور التى كانت تحتاج إلى تطوير. لكن هذه كانت قدراتى وقتها. بذلت كل ما يمكننى بذله، وأعتقد أن هذا ما يفعله أى كاتب مخلص، أن يبذل كل ما يمكنه لكتابة عمل يرضى عنه.

بالنسبة لقصتى مع الكتابة فلديَّ نفس القصة التى أعتقد أنها باتت معتادة رغم اختلاف التفاصيل، عن طفلة وحيدة انطوائية وجدت فى القراءة بديلا عن عالمها الضيق، وتطورت القراءة إلى محاولات بدائية لكتابة الشعر والخواطر ، اعتدت أن أخفى ما أكتبه، وربما أيضا ما أقرأه عمن حولى، كانت الكتابة والقراءة فى هذا العمر وكأنها مسبة، وصمة، أو خاتم للغرابة والعزلة، أخفيها عن الأصدقاء وزملاء الدراسة عدا قلة ممن يتشاركون ما بدا وكأنه متعة محرمة ، وفي ظل الأمر كذلك حتى فترة الجامعة حين تعرفت على مجموعة من الأصدقاء الذين يتشاركون الاهتمام نفسه، أعتقد أن هذه هى الفترة التى بدأت أعرف نفسى فيها باعتبارى كاتبة.

لسنوات طويلة ظللت أكتب القصة القصيرة، حلمت بالنشر لكنى كنت أؤجل الخطوة، شعرت دائما أننى أركض فى حلقة مفرغة، الرضا الناتج عن كتابة قصة أعتقد أنها جيدة لا يلبث أن يتلاشى بمجرد أن أعود لها بعد أيام قليلة، وكأن الخبرة الناتجة عن كتابة النص نفسه هى ما يسمح لك برؤية عيوبه ومشكلاته، وهى الخبرة نفسها التى لا تزال أقل من أن تمنحك قدرة على إصلاح هذه العيوب. وهكذا دائرة مفرغة وسباق لا ينتهى بين ما يرضينى كقارئة وما أتمكن من الوصول إليه بقدراتى الحالية ككاتبة.

لدى تساؤل دائم حول مدى جودة ما أكتبه، وما يقدمه للعالم. أحيانا أفكر فى أنه لولا الجائزة للحقت «استغماية» ببقية القصص التى كتبتها من قبل، وربما لم أكن أجرؤ أبدا على نشرها.

 -بات من المعروف أن الرواية نتاج ورشة «أصوات وخطوط لرواية الجريمة الأدبية» التى نظمتها «ستوريتل» بالتعاون مع الدار المصرية اللبنانية بل هى الرواية الفائزة بالمركز الأول. لكن الرواية ليست أدب جريمة فى شكله المعتاد والمتعارف عليه. هل كان التصنيف فى ذهنك منذ البداية أم انه اختيار الورشة؟ وبشكل عام متى بدأت الكتابة الفعلية وما الذى أضافته الورشة؟

أتذكر عند قراءة الإعلان وجود اسم منصورة عز الدين، كان بمثابة وعد بتجربة مميزة وثرية. ثم تعريف رواية الجريمة الأدبية الذى نص على أن: «المقصود بأدب الجريمة ليس الرواية البوليسية المشغولة بكشف لغز جريمة ما أو بالوصول إلى قاتل ما، بل عن نوع أدبى قد ينطوى على جريمة ما، لكنه يذهب أبعد منها ويتجاوزها إلى طرح انشغالات فكرية أو اجتماعية أو فلسفية بأسلوب أدبى مشوق سريع الإيقاع». تقدمت للالتحاق بالورشة وبداخلى مشاعر متضاربة، من ناحية روايات «الجريمة» بشكلها المتعارف عليه بعيدة كل البعد عما أكتبه. ومن ناحية أخرى طمأننى التعريف المكتوب فى الإعلان.

عادة ما أسجل أحلامى وأستغلها فى الكتابة، بدأت فكرة الرواية بحلم رأيت فيه نافذة انفتحت فى جدار بيتنا، عبرها شاهدت امرأة وطفلتين، فى ضباب الحلم كانت تراوحنى صورتها وأفكر فى أنها أنا رغم أنها لا تشبهنى. من هنا تحديدا وُلد الخط الرئيسى للعمل.

الفكرة المبدئية التى قدمتها للورشة كانت تركز أكثر على شخصية الزوج، وغيابه غير المبرر وعودته، بالإضافة إلى تفاصيل الحياة الموازية فى النافذة المقابلة.

أتذكر أننى على مدار الجلسات الأولى للورشة لم أحرز الكثير من التقدم تجاه «الجريمة»، واعتدت على تبادل المزاح مع زملاء الورشة حول كونى لا أستطيع الوصول للجريمة.

هناك لحظات فاصلة أتذكرها جيدا، حين طلبت منا منصورة عز الدين قراءة رواية «الغريب» لألبير كامو تملكتنى الدهشة، قرأت الرواية من قبل عدة مرات، واعتبرتها دائما من أكثر الروايات التى أحبها، ورغم ذلك لم أنتبه لكونها من الممكن أن تُصنَف كأدب جريمة، رغم مفارقة أن الجريمة تكاد تكون الحدث الرئيسى بل والوحيد البارز فيها.

أدركت بعد المناقشة أن أياً منا يمكنه أن يرتكب جريمة فى لحظة ما، الضغوط التى تدفعك للقتل قد تكون فى بعض الأحيان بسيطة جدا، بساطة الشمس والجو الحار التى دفعت ميرسو بطل الغريب للضغط على زناد مسدسه. قررت أن أكتب بطريقتى دون أن أنشغل بقيود التصنيف قدر الإمكان.

بمرور الوقت ظهرت شخصية الأب، وتوارى الخط الخاص باختفاء الزوج ليفسح المكان لتفاصيل علاقة البنوة بما فيها من تعقيدات وشكوك، لأقرر أن تصبح محور العمل، وهو ما نصحتنى به منصورة وأيضا أحمد كامل زوجى وصديقى الذى تابع معى مسودات العمل أثناء كتابته.

مررت بفترة من التوقف خلال الكتابة، مرضت أمى ثم توفيت قبل الموعد النهائى للتسليم بحوالى شهرين، لم أكن قد أتممت سوى جزء بسيط من العمل. حتى الآن لا أعرف كيف عدت لاستئناف الكتابة، أتذكر بامتنان بالغ دعم أحمد فى هذه الفترة، ودعم أصدقائى المقربين وكذلك زملاء الورشة، بعضهم كان يتصل بى يوميا فقط ليتأكد أننى لم أتوقف عن الكتابة.

أتذكر مكالمة من منصورة فى ذلك الوقت، قدمت لى فيها مجموعة من الملاحظات المهمة التى شكلت ما تلا ذلك من مسار عملية الكتابة، أخبرتها أننى أشعر بأنى أكتب فى الوقت بدل الضائع، فأجابتنى بأن علىَّ أن أكتب دون أن أتوقف للتفكير فى المسابقة أو حتى للتقيد بالتفكير فى الجريمة.

هل يمكننى أن أقول عن الكتابة فى هذا الوقت أنها كانت سبيلاً للتعافى؟ أو ربما عتبة من عتبات الحداد. لا أعرف لكن ما أعرفه، أننى لولا الكتابة لما تمكنت من تجاوز هذه الأيام دون أن أفقد عقلى.

بعد نشر الرواية أيضا ظل القلق يلازمنى من التصنيف، مع كامل احترامى لروايات الجريمة المكتوبة جيدا، لكنى أعلم أن بعض قراء هذا النوع لن يروقهم ما أكتبه، ومن ناحية أخرى، الكثير من قراء الأدب يستبعدون قراءة كتب الجريمة بشكلها المعروف من لائحة قراءاتهم، بعد نشر الرواية أخبرنى كاتب أعتز به أنه لا يفضل قراءة القصص البوليسية، أزعجنى هذا التعليق للغاية، وأقلقنى من تلقى الرواية.

- بالحديث عن القلق من التلقى، تقول الروائية منصورة عز الدين فى تقديمها للعمل أن «الحكى مراوغ يلاعب القارئ ويعتمد على فطنته». وهو كذلك فعلا فهو لعبة استغماية بلا حدود كل الاحتمالات فيها واردة، ألم تقلقك فكرة ألا يفهم القارئ اللعبة والأخطر أن يتوقف عن الاستمرار فيها.. متى وكيف تفكرين فى القارئ؟

أفكر فى القارئ بالطبع، لكنى أعتقد أن التفكير فى القارئ يحدث خلال عملية التحرير، لا الكتابة الأولية. خلال الكتابة أنشغل أكثر بأن أكتب ما أرغب فى كتابته، فى هذه الأوقات أعانى من نوع آخر من المراوغة، أحيانا تراوغنى الحكاية ولا تفصح، وفى أحيان أخرى تحضر الأحداث والتفاصيل بأكملها فى عقلى لكن اللغة تراوغنى وتستعصى عليَّ. فى هذه الأوقات أنشغل بالقبض على ما أريد قوله ومحاولة الوصول إلى المعنى وتجسيده على الورق أكثر من أى أمر آخر. فى مرحلة من مراحل التحرير أبدأ فى التفكير فى القارئ، ما الذى يحتاج إلى إيضاح صريح؟ وما الذى يكفى أن تشير إليه بإصبع خفى؟ ما مدى منطقية اللعبة؟

فى هذا العمل تحديدا أعتقد أن المراوغة تتعلق بعدة أسباب ربما من بينها: بناء الرواية الذى اخترت أن يعتمد فى الأساس على لعبة الاختباء، هذا هو خيار البطلة، حتى لو كان خيارا غير واع. هناك لحظة ما فقدت فيها هذه المرأة القدرة على مواجهة ما حدث، ما حدث لها فى طفولتها، وعلاقتها بوالدها ووجودها كأم، فى هذه اللحظة بدأت فى المراوغة والاختباء، من نفسها قبل كل شىء.

وأعتقد أن هناك سبباً آخر شخصياً يتعلق بى، عادة - أو فى حالتى على الأقل - ما يحمل العمل الأول أسئلة الكاتب الشخصية، لدى أسئلتى الخاصة حول الأمومة والبنوة، ربما لا أملك الجرأة بعد على مواجهتها، أو البحث عن إجابات لها، ربما لذلك مارست لعبة المراوغة.

- رغم المراوغة فالأسئلة ربما تكون واضحة، فنحن أمام أم أخرى جديدة لا تدعى المثالية بل تفكر بصوت عال وتقول ما لم يكن يجرؤ أحد على قوله. لكن هل خشيت من عدم تقبل طرح الأفكار بهذه الطريقة أم أصبح هناك مساحة لطرح مثل هذه الأفكار مؤخرا؟ كيف فكرت فى المسألة وكيف تختارين موضوعاتك بشكل عام؟

لسنوات طويلة عانيتُ من الغضب تجاه أمومتى، غضب يتعلق بالتغيير الذى طال حياتى كلها، غضب موجه تجاه طفلتى، وتجاه نفسى لأننى لا أستطيع أن أقدم لها مشاعر «الأمومة» المثالية التى قدمها لى العالم من حولى، وغضب من العالم لأن أحدا لم يخبرنى بأى شىء. لسنوات ظللت خائفة من التعبير عن ذلك. هناك صورة مثالية عن الحب الذى تشعر به الأمهات تجاه أطفالهن بمجرد الولادة. لم أشعر بهذا الحب وقت ولادتها، نما الحب بيننا عبر مرور الزمن، أحب ابنتاى الآن أكثر من أى شىء فى العالم، ولا يمكننى تخيل حياتى دون وجودهما. لكنى عانيت لسنوات من الإحساس بالذنب لعدم توافق أمومتى مع الصورة المثالية للأم. قدمت لى أمى محبة استثنائية وغير محدودة، وهو ما جعل أمومتى تبدو دائما مذنبة مقارنة بها.

أعتقد أن السنوات الأخيرة اتسعت لمساحة واسعة لطرح هذه الأفكار دون خوف، الحديث الجاد عن اكتئاب ما بعد الولادة، وعن صور الأمومة المختلفة، كتب مثل «كيف تلتئم.. عن الأمومة وأشباحها» لإيمان مرسال، و«حليب أسود» لإيليف شافاق، وغيرها أتاحت مساحة أوسع لطرح التساؤلات المختلفة حول الأمومة فى النور دون قلق.

لا أعتقد أننى أفكر فى الموضوع قبل الكتابة بشكل واع، أفكر فى الحكاية أولا، ثم تطرح الحكاية ما تحمله شخصياتها من تساؤلات، والتى تتقاطع بطبيعة الحال مع أسئلتى الشخصية فى لحظة الكتابة.

-تقدم الرواية حكاية متداخلة عن الأمومة وأشباحها باستعارة عنوان إيمان مرسال، لكن ما هو سؤالها الأساسى؟

أعتقد أنها تحمل سؤالاً أساسياً حول العلاقة المتداخلة بين الأمومة والبنوة، أعتقد أن هذا هو التساؤل الأساسى مع أسئلة فرعية كثيرة حول مراوغة الذاكرة.

- لا أعرف إن كنت تتابعين ردود الأفعال حول الرواية أم لا وأحب أن أعرف، لكن هناك مثلا من أرهقه مشهد تعامل البطلة مع الأب خصوصا مسألة تنظيفه التى وردت تفصيليا فى النص وربما توقف عن القراءة بسببه وتساءل عن ضرورة وجوده، هناك أيضا من أرهقته لعبة المرايا المتداخلة. بالطبع يوجد ثناء من قطاع أكبر لكن الحوار فرصة للرد على هذه الأسئلة التى ربما وردت فى أذهان قراء آخرين..

أتابع كل ما يُكتَب عنها بالطبع، خاصة على منصة جود ريدز، أعتقد أننى ممتنة لأننا فى زمن يتيح هذا النوع من التواصل شبه اللحظى بين الكاتب والقراء، أعى بأن له أحيانا جوانب سلبية، لكنى مازلت فى البداية وأستمتع بالجوانب الإيجابية له.

أسعد بالتأكيد بالثناء لكنى أهتم بشكل خاص بالملاحظات والتعقيبات التى تساعدنى فى تطوير ما يلى من أعمال.

لم يضايقنى التعليق حول مشهد تنظيف الأب، أتذكر أننى بعد كتابة هذا المقطع بالتحديد فكرت فى حذفه، أو تخفيفه بعض الشىء، هذه واحدة من اللحظات التى فكرت فيها فى القارئ خلال عملية الكتابة، لكنى قررت الإبقاء عليه، أعتقد أنه مشهد مهم فى سياق علاقة البنوة المسكوت عنها، الشيخوخة تحولنا جميعا إلى صغار، المحظوظ منا هو من لا يحتاج إلى أن يمسح أبناؤه فضلاته. ويزيد تعقيد الأمر فى حالة الأبوة السامة، التى تجعل «بر الوالدين» بمفهومه التقليدى يتحول إلى عبء لا يمكن التعامل معه.

أدركت خلال الكتابة أن لعبة المرايا المتداخلة قد تكون مرهقة للقارئ، حاولت قدر الإمكان أن أضىء بعض الجوانب، وأن أنثر إشارات هنا وهناك. بما لا يخل باللعبة الأساسية، وبالطريقة التى أرغب فى قص الحكاية عبرها.

- هل ستكررين تجربة الرواية مرة أخرى؟

حقيقة لست أكيدة، لسنوات طويلة عرفت نفسى باعتبارى كاتبة قصة قصيرة، سعيت وراء تعلم كل ما يمكن أن يبعدنى عن المط والتطويل (باعتبارها من عيوب القصة القصيرة الكلاسيكية)، أعتقد أن الأمر له علاقة بالطريقة التى أرى بها العالم، أحيانا أشعر أننى أراقبه من ثقب صغير فى باب مغلق، أعانى أحيانا لرؤية صورة كلية للأشياء، بينما تشغلنى لقطات مكثفة أو زوايا بسيطة للأمور قد لا تشكل فارقا للآخرين.

أشار بيان لجنة التحكيم عند إعلان القائمة القصيرة للحذف والإيجاز فى العمل، وهو الأمر الذى علق عليه أكثر من قارئ. لكن واقع الأمر أننى لم أحذف الكثير، عملت بالطبع على تحرير الرواية، لكنها مكتوبة من زاوية كاتبة لم تختبر سوى كتابة القصص القصيرة، وهو ما جعل كتابة الرواية تحديا بالغ الصعوبة لى. تشكيل عالم كامل متعدد الزوايا كان أمرا صعبا يتطلب التفكير والنظر بطريقة مختلفة عما اعتدت عليه.

لا أعرف بعد إن كنت سأكرر التجربة أم لا، لدىّ مجموعة من النصوص القصصية فى إطار مشروع مؤجل أسعى لإتمامه، أعتقد أن كتابة الرواية، وتجربة الورشة بمجملها بالخبرة التى أتاحتها لى ستجعلنى أعيد التفكير فى هذه النصوص، سواء بالتحرير أو إعادة الكتابة، وهو ما يشغلنى فى الوقت الحالى. لكن ربما أعود لكتابة الرواية مرة أخرى فيما بعد من يدرى. كما ذكرت أنظر للعالم من ثقب صغير فى الباب، وهو ما يجعل خططى دائما قصيرة الأمد.

- بالحديث عن الورش مجددا، البعض يعارض الفكرة من الأساس على اعتبار أن الكتابة موهبة لا يمكن تعلمها، بالتأكيد تتابعين الجدل المستمر والمتجدد حولها..

أعتقد أن الأساس فى الكتابة هو الموهبة، لكن هناك تفاصيل يمكن تعلمها تتعلق بحرفة الكتابة وأدواتها وتقنياتها. التعلم بطبيعة الحال لا يأتى على طريقة صب المعلومات، لكن عبر تبادل النقاش والقراءات بين ميسر الورشة والمشاركين، ليصل كل منهم إلى مفاهيمه الإبداعية الخاصة. الورش تساعد فى تطوير المفاهيم، واكتشاف مساحات جديدة من الإبداع، بالإضافة إلى العصف الذهنى المتبادل بين المشاركين وبعضهم البعض.

فى ظنى يعتمد نجاح الورش الأدبية بشكل كبير على الخبرة الإبداعية لميسر الورشة، فى حالتى كما سبق أن أشرت كان وجود اسم منصورة عز الدين وحده حافزاً على المشاركة.

وكذلك وضوح أهداف الورشة، هل تركز على اختبار تقنيات بعينها، أم على متابعة وإتمام مشروع أدبى مما يوفر نوعا من الالتزام الذى قد يكون حافزا للبعض، أم أنها تقدم أساسيات النوع الأدبى للمبتدئين. أعتقد أن عملية اختيار الورش بمثابة مسئولية متبادلة بين ميسر الورشة والمشاركين. يحتاج الكاتب لدرجة من الوعى باحتياجاته، تمكنه من اختيار الورش النوعية التى تقدم له خبرات بعينها يحتاجها فى تطوير أدواته. وبطبيعة الحال يتطلب الأمر وعيا من ميسرى الورش الأدبية عند اختيار المشاركين لتقديم محتوى ملائم لطبيعة خبراتهم.

 - لمن تقرئين. وهل هناك نموذج معين من الكتاب تسعين لن أقول لتقليده لكن للاقتداء به على الأقل؟

أقرأ كل ما تطاله يدى.

إذا تحدثنا عن عادات الكتابة، أنا شخص أميل للفوضوية، وأعانى من نقص القدرة على الالتزام عندما يتعلق الأمر بالكتابة الإبداعية، لذلك يمكننى أن أقول إننى أتمنى أن أملك القدرة التنظيمية والانضباط الشائعين عن نجيب محفوظ. لكن يظل الأمر مجرد أمنية.

على الناحية الإبداعية، بالتأكيد أتعلم من كل ما أقرأه، لكنى لا أرغب فى الاقتداء بأحد، أتمنى أن أحافظ على أن أكون نفسى فحسب. الكتابة هى المكان الوحيد الذى يسمح لى بأن أكون ذاتى دون أقنعة.

- من أول من يقرأ مسودات أعمالك؟ وكيف يؤثر وجود مبدع آخر فى البيت نفسه

أحمد بالطبع. أنا ممتنة للغاية لوجوده فى حياتى، أعتقد أننى محظوظة بوجود قارئ أول متحمس وداعم، يقرأ باهتمام حقيقى ويقدم ملاحظات هامة. يتفهم احتياجى للوحدة فى بعض الأوقات، ويدعمنى. ويمكننى أن أناقش معه أى شىء وكل شىء.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة