عبد الرحيم كمال
عبد الرحيم كمال


يوميات الاخبار

عيد أضحى مبارك

الأخبار

الأحد، 25 يونيو 2023 - 07:51 م

عبد الرحيم كمال

عودة الغنى صاحب الذوق الرفيع والإحساس العالى بالمسئولية وعودة الفقير الأصلى صاحب الطموح المشروع

ما بين سفينة يغرق فيها الفقراء وغواصة تحمل الأغنياء بتذاكر باهظة إلى الموت وحرب ضروس بين روسيا وأوكرانيا يشارك فيها بشكل خفى أطراف كبرى من الشرق والغرب وحروب صغيرة فى بلاد فقيرة، تعددت الأسباب لارتفاع الأسعار إلى معدلات كبيرة تفوق قدرة الفقراء، فالعالم المتقدم المصاب بالسعار يشعل الحروب من أجل المزيد من استنزاف الشعوب، فيبيع الأسلحة ويعيد بناء الدمار الذى تسبب فيه فيزداد سعر السلع وتزداد المعاناة  ولكن الله سبحانه وتعالى دائما هو القادر وحده على أن يخلق من وسط تلك المأساة سعادة ويمد خيوط الفرحة على العباد من وسط الأحزان ويجعلهم فى مثل تلك الأوقات الصعبة الخاصة يزدادون تكافلا وترابطا حينما تمر علينا أيام مباركة ويهل علينا عيد الأضحى المبارك فى مثل هذا التوقيت.


 فيذبح ذو السعة أضحيته ويوزع لحومها على غير القادرين ويستشعر العقلاء أن الأمر لن يترك هكذا بين فقير محتاج وغنى شغوف بالمغامرة ويدرك الغنى مسئوليته فى تلك الحياة نحو أخوته فى الإنسانية فتمر الأعياد بردا وسلاما على الناس، وتكون العبرة مصحوبة بالفرحة فكما استسلم إسماعيل لأمر الله وأطاع أمر ربه كما أخبره والده إبراهيم ليأتى الفداء من السماء محملًا برسالة إلهية عظيمة وهى أن المطلوب فقط هو التصديق والتسليم لا أكثر ولا أقل، فجاءت الفرحة بعد التسليم وجاءت السعادة بعد الرضا والتصديق، وكذلك الأمر فى كل زمان ومكان، فإذا رضى الفقير وقابل الفقر بالسعى فهو يرضى عن قضاء الله ولا يرضى عن الفقر ويقاومه بالهمة وحسن التدبير ويدرك الغنى أيضا أن رضاه عن نفسه لن يتجلى إلا فى إحساسه بمسئوليته الاجتماعية فينفق ويعطى ويساعد ويمد يد العون فننجو جميعا، ينجو الفقير من الحنق والنقمة وينجو الغنى من السفه والشغف بتوافه الأمور ويدرك الفقير أن الخلاص ليس فى الهرب بحرًا نحو المجهول ويدرك الغنى أن الخلاص ليس فى مغامرة كبرى بتذكرة باهظة نحو مجهول أكبر، ويكون عيدًا على الجميع، يبيت فيه الغنى سعيدا بفرحة من يعول ويبيت الفقير سعيدًا بالأمان فى مجتمع يشعر به ويحترمه، فكلما ضاقت الدنيا على بلد - ما زال يحتفظ بقيمه الروحية الأصيلة- و كلما ازدادت ظروفها الاقتصادية صعوبة اتسعت أخلاق مواطنيها وزاد وعيهم وترابطهم وعبروا معا إلى الرضا وإلى التراضى بالفهم العميق والسوى لتلك المناسبات الدينية الكريمة الشريفة، وكما أن هناك مسئولية كبرى تقع على عاتق أغنيائنا هناك أيضا على فقرائنا دور عظيم  فى تلك الحالات ويتجلى ذلك الدور فى احترامهم للنعمة وحسن تدبير المعيشة فليس هناك أسوأ من الغنى السفيه إلا الفقير المبذر، قد يبدو التعبير غريبا ولكنه حقيقى و ظهر هذا النوع من الفقراء المبذرين فى عصرنا حينما كشفت ثورة التواصل الاجتماعى عن عورات وصار كل فقير مطلع اطلاعا كاملا على حفلات الأغنياء السفيهة صار فى يد الجميع شاشة تعرض دقيقة بدقيقة كيف يعيش بعض الناس حياة محبطة  للآخرين، وكيف يقيمون أفراحهم وأى مجوهرات يرتدون وخلق ذلك حياة رخيصة بديلة يحاول فيها الفقير أن يتوازن أمام ذلك الطوفان من الغنى المستحيل بأن يصنع حياة تشبه حياة الأغنياء ولكن بتكلفة أقل، فيظهر الكوبى والهاى كوبى والفرست كوبى (وهى النسخ الرخيصة المقلدة من مقتنيات الأثرياء) ويعوض الفقير إحباطه من عدم القدرة على اقتناء ما يقتنى الأكثر ثراء بمزيد من الاستهلاك اليومى وينتشر مبدأ (عيشنى النهاردة وموتنى بكرة)  ويزداد الهلع والخوف من الغد وبعد الغد، ولا يكتفى الواحد بقوت يومه ويستغل التجار الأمر وينتشر الشراء بالتقسيط ويوزع  الفقير راتبه الزهيد على  شراء الأطعمة بكميات أكبر من احتياجاته وعمل أفراح فوق طاقته وشراء أجهزة لا يحتاج إليها وينقسم المجتمع إلى أغنياء يعرضون حياتهم على الهواء مباشرة فى صلف وسفه وغرور وتباهٍ وفقراء ينزفون نقودهم الصغيرة فى محاولة مستحيلة  لتقليد نمط حياة وهمى يشبه تلك الحياة المعروضة أمامهم ويغيب الوعى والإدراك ونفقد البوصلة والقبلة.


كان الأغنياء قديما فى قصورهم والفقراء فى أكواخهم وبينهما طبقة من الحكماء ينبهون الغنى ويذكرون الفقير فتستقيم الأمور، تآكلت طبقة الحكماء المسماة بالطبقة الوسطى وجعل الأغنياء قصورهم من زجاج كاشف مصفح محاط بالأسوار وزجاجه يكشف كل شىء ولم يعد بعض الأغنياء (يختشى) أو يخشى من عرض ثرائه على الخلق وأطلقوا خيالهم بلا عنان فتزوج أحدهم من إنسانة صناعية آلية وأقام ثانٍ أفراحه الأسطورية بينما غرق الفقراء فى البحر ولجأوا إلى بلاد بعيدة دون هدف ولا خطة ولم يعد الأغنياء يفكرون أن زجاجهم قد يكون عرضة لطوب الفقراء وصنع التجار للفقراء براندات مزورة يسترون بها أيامهم المرة وانحدر الذوق الفنى للأغنياء وصاروا يضعون أغانى الفقراء فى أفراحهم وكأن الفقراء انتقموا من الأغنياء بذوقهم الفنى المتاح فانتقم منهم الأغنياء باحتواء ذلك الذوق فغابت الرهافة، فانطلقت أغانى المهرجانات من جنبات القصور فلا تدرى من الذى انتصر على من، لكن المؤكد أن الإنسان هو الذى خسر فى النهاية ولم يعد هناك حل إلا بعودة الغنى صاحب الذوق الرفيع والإحساس العالى بالمسئولية وعودة الفقير الأصلى صاحب الطموح المشروع والهمة العالية وبالتواصل بين الغنى الأصلى والفقير الأصلى ستعود الطبقة الأكثر وعيا وحكمة، الطبقة المتوسطة العظيمة صمام أمان المجتمعات، الطبقة واسعة الثقافة التى تعوض الثراء بالوعى والقراءة والعلم فيحترمها الأغنياء وينظر لها الفقراء كأمل وقدوة ويعتدل الميزان. حينما يظهر الغنى القادر على منح جزء من ماله لإنشاء جامعة علمية أو ضخ المزيد من المال فى مجال البحث العلمى أو إحياء الفنون الحقيقية، ويظهر الفقير السوى الذى يعلم أن الشرف والسعى والأمل والطموح أسلحة كافية للاستمرار فى تلك الحياة . ربما حينها يختفى لصوص الأمل وسارقو الأحلام ولا يكون هناك مجال لوجود تاجر جشع ولعل تلك الأيام المباركة تكون ملهمة لنا جميعا فقراء وأغنياء فى استعادة الوعى وإدراك دورنا الحقيقى فى دنيانا وعالمنا ووطنا الذى لا يحتاج إلا للوعى والإدراك وإحياء الروح وتغليب العلم على العشوائية والواقعية على الوهم والنظر إلى المستقبل كضرورة حتمية، والإيمان التام بأن الغنى وحده لن يحمى الغنى من غضبة الفقير وأن الفقر وحده ليس ذريعة أبدا للكسل والإحباط والتواكل والغرق فى الحياة الوهمية، إنها مسئوليتنا الإنسانية الكبرى والمعانى الحقيقية للأعياد والصوم والصلاة والذكر، فكل هذه المظاهر الدينية الواجبة ما هى إلا ظاهر لمعانٍ باطنية أكثر سموا، معانٍ تجعل الإنسان هو المعنى الحقيقى للوجود، فالله هو الغنى وجميعنا فقراء، نفتقر إلى مزيد من القوة ومزيد من العلم ومزيد من الرحمة ومزيد من العدل ومزيد من الإنسانية وعيد أضحى مبارك على مصر الوطن والهدف والغاية وعلى المصريين بطبقاتهم الثلاثة الأغنياء والفقراء والطبقة الوسطى، رد الله غربتها وأعادها إلينا سالمة غانمة.


ليس للفنان الا ما قدم
يتورط أحيانا بعض الفنانين فى تصريحات قد تسيء إليهم أو يُساء فهمها أو تظهره بصورة بعيدة عن الصورة التى صنعها الجمهور له، خاصة أن (السوشيال ميديا) وسائل التواصل الاجتماعي، صارت ميكروسكوبا بالغ الدقة والتفصيل، يظهر ما لا يود الإنسان عامة أن يراه أحد، فهل يحاسب الفنان عموما والفنانة على تصريحاتهم؟ أم أنهم فقط يحاسبون على ما يقدمون من اعمال فنية؟ قليلة جدا هى اللقاءات التى صنعتها السيدة فيروز وكذلك كوكب الشرق وحديثا كانت تصريحات ولقاءات عمرو دياب قليلة أيضا ومحسوبة، لا يبقى فى ظنى من الفنان إلا أعماله الفنية اما التصريحات والتعليقات وحتى حروبه الكلامية فتذهب جُفاء، وليس دور الفنان أبدا أن يكون مفوَّها فصيحا ينطق بالحكمة طوال الوقت، ويلون صورته من حين الى اخر بألوان توافق هوى ومزاج جمهوره، ولكنه عليه أيضا أن يتحلى على الأقل بدرجة من الوعى بطبيعته وقدراته على التحدث، فإن لم يكن يجيد الكلام فعليه أن يلجأ إلى تقليله والصمت الذى هو من ذهب بدلا من الكلام الذى سيجعل الأمر أرخص من الفضة بكثير، فإن كنت مشهورا فلتكن صموتا، وسيفسر الناس صمتك آلاف التفسيرات ولن يكون من بينها أبدا تفسير واحد يسيء إليك، خاصة فى ذلك الزمن الذى رفعت فيه التكنولوجيا الستار الذى كان يستر الفنانين قديما وجعلت برجهم العاجى غرفة مكشوفة ليلا ونهارا، مما يجعل فنانى هذا العصر مطالبين بمزيد من الحرص والحذر والاحساس بتأثيرهم الكبير على الجمهور فعليهم أن يفكروا كثيرا قبل الكلام على الرغم من أن الذى يبقى من الفنان على الحقيقة هو عمله الفنى فقط وليس ما نطق به لسانه فى لحظة مرت عليه دون حرص ولكن صدقَ الأقدمون: «لسانك حصانك».

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة