المستريح
المستريح


المستريح.. مسخ دميم مولود من رحم الفتاوى الخاطئة

أخبار الحوادث

الخميس، 29 يونيو 2023 - 11:51 ص

 محمود صالح

 المستريح فكرة، والفكرة - خاصة في أيامنا هذه - لا تموت، فما أن يسقط مستريح في قبضة الأمن حتى تجد آخر قد ظهر في مكان ما، ينصب على الناس ويأخذ منهم أموالهم. منهم من تحصل على ملايين، ومنهم من تحصل على مليارات، حتى صار الأمر - من فرط كثرة الوقائع - إلى ظهور نوع من أنواع الشماتة فيمن تعرضوا للنصب، خاصة أنه كان أمامهم أكثر من وسيلة لتوظيف أموالهم.

 تفاصيل أكثر عن وقائع المستريحين الأخيرة ترويها السطور التالية.

من أكثر الوقائع التي شغلت الرأي العام في الفترة الأخيرة، واقعة حاتم الكومي، والذي قضت المحكمة الاقتصادية، أول الشهر، بحجز قضية منع التصرف في ممتلكاته، والتي تحمل رقم حصر 1402 /2023 نيابة الشؤون الاقتصادية، للحكم في جلسة 9 يوليو.

بداية ظهور اسم الكومى، في الواقعة، كان بناءً على عدة بلاغات من بعض المواطنين إلى الأجهزة الأمنية والنائب العام، يتهمونه بالنصب عليهم، وجمع ما يقرب من 3.5 مليارات جنيه، بزعم توظيفها في بعض المشروعات.

هذه المشروعات، وفقًا لما جاء في محضر التحريات، كانت عبارة عن مشروعات في مجال الطحالب والجمبري والأغنام. 

وبالفعل ذهب الكثير من المواطنين وأودعوا أموالهم لديه، مقابل أرباح شهرية، إلا أنه - كما جاء في نص التحقيقات - التزم فترة ثم انقطع عن سداد الأموال أو الفوائد للمودعين.

يذكر أنه في وقت سابق، أرسلت جهات التحقيق طلبًا للبنك المركزي، للتحفظ على أموال رجل الأعمال، مالك مجموعة شركات الكومي، ومنعه مؤقتًا من التصرف في أمواله الشخصية، دون أرصدة الشركات التي يسهم فيها في القضية رقم حصر 1402 /2023 نيابة الشؤون الاقتصادية، سواء كانت أموالا نقدية أو منقولة أو سائلة أو أسهم في مستندات أو صكوك أو خزائن أو ودائع مملوكة بالبنوك، وأموالهم العقارية الشخصية بالبيع أو التنازل أو الرهن أو ترتيب أي حقوق شخصية أو عينية عليه بجميع البنوك العاملة بجمهورية مصر العربية.

العقارات

أحد أكثر المجالات التي يتخذ منها المستريح مجالا لإقناع ضحاياه باستثمار أموالهم لديه هو مجال العقارات، نظرًا لكون العقارات في أذهان الناس الملاذ الآمن للاستثمار.

هذا السبب، جعل الصديقان، على ومحمد، أبناء محافظة المنوفية، يبدان في مجال العقارات عن طريق مكتب عقارات صغير في بناية داخل مركز شبين الكوم.

الصديقان، اتخذا من المكتب العقاري اسبوبةب، وفتحا بابه للمواطنين، وأقنعا الناس أن استثمار أموالهم لديهما فيه من الأرباح ما يزيد عن الـ50٪، وأن أموالهم في مأمن.

وبالفعل توافد الكثير عليهما، حتى وصل حجم المبالغ التي تحصلا عليها قرابة الـ6 ملايين ونصف المليون.

إلى هنا كان الوضع جيدًا، لكن ما أدخل الشك في نفوس الناس منهما، أن الصديقين امتنعا فترة عن سداد الأرباح للناس، وما زاد الشك أكثر أن الصديقين لم يظهرا في هذه الفترة نهائيًا، وكأنهما افص ملح ودابب.

هذا الأمر، جعل الكثير من الأهالي الذين أودعوا عندهما مالاً يبلغون الأجهزة الأمنية، حتى أنه كان يحرر أكثر من محضر يتهم فيها الصديقين بالنصب والاحتيال.

الغريب في هذه الواقعة، وبناءً على ما جاء في نص التحقيقات، أن الصديقين - قبل القبض عليهما - استطاع أحد الضحايا أن يصل لمكان تواجدهما، وعرض عليهما أن يرجعا إليه ماله مقابل ألا يبلغ عنهما، إلا أنهما رفضا، وعندما ألقي القبض عليهما، اعترفا بممارسة هذا النشاط الإجرامي، لكنهما كانا من أصحاب النية السليمة، وأن الظروف الاقتصادية الحالية، والركود الذي أصاب مجال العقارات، حال دون سداد الأرباح للناس،  في طريقة للهروب من جرائمهما بحجج واهية.

فتاوى تحريم الفوائد

قصص المستريحين ليست قليلة، ولم تنته عند واقعة أو اثنين، لكن في كل مرة يظهر فيها مستريح جديد، يطل سؤال، ما الذي يجعل الناس يأتمنون المستريح ويعطونه  أموالهم في حين يرفضون إعطاء هذه الأموال للبنك؟، وذلك على الرغم أن الجهتين ستدران عليهم ربحًا.

للإجابة على هذا السؤال، نعود إلى سبعينيات القرن الماضي، وتحديدًا في الفترة التي بدأت فتوى تحريم فوائد البنوك تأخذ حيزًا كبيرًا على الساحة، والتي أرجح البعض سبب ذلك إلى فترة الريان والسعد، واللذان شكلا اللبنة الرئيسية لفكرة المستريح، ومعها أصبحت فتوى تحريم فوائد البنوك غرضها الرئيسي جذب المودعين لإيداع الأموال في شركات الريان والسعد بدلا من إيداعها في البنوك، وهو الغرض الرئيسي الذي صدرت هذه الفتوى من أجله.

خاصة وأن طبيعة عمل البنوك تتشابه ظاهريًا إلى حد كبير مع فكرة المستريح، البنك يأخذ أموال المودعين لتوظيفها ومن ثم يقوم بإعطائهم أرباحًا، والمستريح يأخذ أموال المودعين لتوظيفها ومن ثم يقوم بإعطائهم أرباحًا.

الاختلاف بينهما يكمن في معدلات الأمان، فالبنك كيان ثابت، من السهل مقاضاته إن حدث شيء، وأموال المودعين لديه في أمان، أما المستريح فهو إما شخص أو أكثر، ليس كيان ثابت، وفكرة هروبه بأموال المودعين قائمة، كما إن أموالهم لديه ليست في مأمن.

وعلى الرغم من ذلك، تجد من يقول لك بأن التعامل مع البنوك حرام، وأن فوائدها ربا، وعلى النقيض تجدهم طواعية يحللون إعطاء المال للمستريح، وأن الفوائد هنا ليست من الربا في شيء.

هنا يبقى السؤال، لماذا حرمت فوائد البنوك وأحلت فوائد المستريح؟

في حديثه لـبأخبار الحوادثب، يوضح أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، الدكتور سعد الدين الهلالي، أن البنوك تأخذ الأموال من عملائها كي تستثمرها في استثمارات آمنة، والدولة تضمن هذه الأموال من أي مخاطر، مشيرًا إلى أن هناك 8 من الصحابة أحلوا ربا الفضل، الذي يتم الاتفاق عليه بالتراضي، وليس ربا النسيئة التي يفرض فيه الدائن على المدين زيادة بسبب التأخير.

كما أشار أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إلى أن ربا الفضل، هو أن يعطي أحدهم ألف جنيه مثلًا، ثم يطلب منه أن يردهم ألف ومائة، وهو فيه اتفاق وتراض بين الطرفين، وقال عنه الفاروق عمر ابن الخطاب، رضي لله عنه، أنه إن كان المحرم ربا النسيئة، لا ربا الفضل، إلا أنه ملحق به أيضًا ومحرم، وهذا ما أخذ به جمهور الفقهاء.

لكن ابنه، عبدلله ابن عمر، رضي لله عنه، جاء عنه أن ربا الفضل هو صفقة جائزة لأن فيه تراضي، واتخذ من حديث رسول لله، والذي رواه البخاري، عن أسامة بن زيد أن سيدنا النبي صل لله عليه وسلم قال: لا ربا إلا في النسيئة، وهي أن يفرض الدائن الزيادة على المدين دون إذنه لتأخره في الدفع، وذلك رغمًا عنه، فموافقته تجعله صفقة وتراضي

واختتم الدكتور سعد الدين الهلالي قائلا: الذلك، ووفقًا لحديث رسول لله، فإن فوائد البنوك، من الأمور التي يتم الاتفاق عليها سلفًا لذلك هي تعد من ربا الفضل، وهو ما أحله الكثير من الفقهاء، بناءً على ما ورد من حديث رسول لله.

اقرأ أيضًا : خيري رمضان: «المستريح» ظهر مع الأزمات ونحتاج صناديق لاستثمار أموال المواطنين


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة