خواطر الإمام الشعراوي
خواطر الإمام الشعراوي


خواطر الإمام الشعراوي ..ستر الغيب رحمة من الخالق

الأخبار

الخميس، 29 يونيو 2023 - 08:50 م

يقول الشيخ الشعراوى فى خواطره حول الآية  من سورة البقرة «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ

إن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يضع أمامنا قضية وجودية، وهذه القضية الوجودية هى أن كل عمل له ظاهر وله باطن.

ومن الجائز أن تتقن الظاهر وتدلس على الناس فى الباطن، فإذا كان الناس لهم مع بعضهم ظاهر وباطن.

فمن مصلحة الإنسان أن ينتمى هو والناس جميعاً إلى عالم يعرف فيه كل إنسان أن هناك إلهاً حكيماً يعرف كل شيء عنا جميعاً. فإذا كان عندك شيء لا أعلمه، وأنا عندى شيء أنت لا تعلمه كيف تسير مصالحنا؟، ولذلك فمن ضروريات حياتنا أن نؤمن معا بإله يطلع على سرائرنا جميعاً، وهذا ما يجعلنا نلزم الأدب.

ولذلك قيل: (إن عَمّيْتَ على قضاء الأرض فلن تعمى على قضاء السماء). إذن فقضاء السماء وعلم الله بالغيب مسألة يجب أن نحمده عليها، لأنه هو الذى سيحمى كل واحد منا من غيره.

وعندما ستر الله غيبنا فذلك نعمة يجب أن نشكره عليها؛ لأن النفوس متقلبة. فلو علمت ما فى نفسى عليك فى لحظة قد لا يسرك..

وقد لا تنساه أبداً ويظل رأيك فيَّ سيئاً، لكن الظنون والآراء تمر عندى وعندك وتنتهي. ولو اطلع كل منا على غيب الآخر لكانت الحياة مرهقة، والقول المأثور يذكر ذلك: (لو تكاشفتم ما تدافنتم). إذن فمن رحمة الله ومن أكبر نعمه على خلقه أن ستر غيب خلقه عن خلقه. والحق يحذرنا ممن قال فيهم: «وَمِنَ الناس مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى الحياة الدنيا»، أى الذين يظهرون من خير خلاف ما يبطنون من شر، ولذلك صور الشاعر هذه المسألة فقال:

على الذم بتنا مجمعين وحالنا

من الخوف حال المجمعين على الحمد

أى لو تكاشفنا لقلنا كلنا ذماً، إنما كلنا مداحون حين يلقى بعضنا بعضا، كل يقول بلسانه ما ليس فى قلبه. و(يعجبك قوله) فهل الممنوع أن يعجبك القول؟ لا، يعجبنى القول ولكن فى غير الحياة الدنيا، فالقول الذى يعجب هو ما يتعلق بأمر الحياة الآخرة الباقية ليضمن لنا الخير عند من يملك كل الخير.

وكفى بالذى يسمع من مادح له مدحاً، والمادح نفسه يضمر فى قلبه كرهاً له، وكفى بذلك شهادة تغفيل للممدوح، بأنه يقول بينه وبين نفسه: (إن الممدوح غبي؛ لأنى أمدحه وهو مصدق مدحى له).

إن الله سبحانه وتعالى ينبهنا إلى ضرورة أن يكون المسلم يقظاً وفطناً، ومن يقول لنا كلاماً يعجبنا فى الحياة نتهمه بأن كلامه ليس حسنا؛ لأن خير الكلام هو ما يكون فى الأمر الباقي.

ولذلك عندما أرسل خليفةُ المسلمين للإمام جعفر الصادق يقول له: لماذا لا تغشانا - أى لا تزورنا- كما يغشانا الناس؟، فكتب الإمام جعفر الصادق للخليفة يقول: «أما بعد، فليس عندى من الدنيا ما أخاف عليه، وليس عندك من الآخرة ما أرجوك له».

وكأنه يريد أن يقول له اتركنا وحالنا؛ أنت محتاج لمن يجلس معك ويمدحك، وأنت لا تعلم أن أول أناس لهم رأى سيئ فيك هم من يمدحونك.

«وَمِنَ الناس مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى الحياة الدنيا»، وهذه الآية نزلت فى الأخنس ابن شريق الثقفي، واسمه أبيّ، ولقب بالأخنس لأنه خنس ورجع يوم بدر فلم يقاتل المسلمين مع قريش، واعتذر لهم بأن العير قد نجت من المسلمين وعادت إليهم.

وكان ساعة يقابل رسول الله صلى الله عليه وسلم يظهر إسلامه ويلين القول للرسول ويدعى أنه يحبه، ولكنه بعد أن خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، مر بزرع وحُمُر لقوم من المسلمين فأحرق الزرع وقتل الحمر. والآية وإن نزلت فى الأخنس فهى تشمل كل مُنافق.

«وَيُشْهِدُ الله على مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الخصام»، لا تقولوا: (الله يشهد)، وإنما هاتوا شهداءكم ليشهدوا على صدق قولكم؛ لأن معنى (الله يشهد) هو إخبار منك بأن الله يشهد لك. وأنت كاذب فى هذه، وتريد أن تضفى المصداقية على كذبك بإقحام الله فى المسألة.

وساعة تسمع واحداً يقول لك: أُشْهِدُ الله على أنى كذَا، فقل له: هذا إخبار منك بأن الله يشهد، وأنت قد تكذب فى هذا الخبر، أنا أفضل أن يشهد اثنان من البشر ولا نقحم الله فى هذه الشهادة.

«وَيُشْهِدُ الله على مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الخصام»، وألد الخصام هو الفاسق فى معصيته، ويقال: فلان عنده لدد، أى فسق فى خصومته، ويجادل بالباطل. ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن أبغض الرجال إلى الله هو الألد الخصم». يعنى المجادل بالباطل الذى عنده قسوة فى المعصية، فهو عاصٍ وفى الوقت نفسه قاس فى معصيته.

ولماذا هو ألد الخصام؟، لأن الذى يجابهك بالأمر يجعلك تحتاط له، أما الذى يقابلك بنفاق فهو الذى يريد أن يخدعك، وهذا عنف فى الخصومة، فالخصم الواضح أفضل لأنه يواجهك بما فى باطنه، لكن إذا جابهت الذى يبطن خصومته ويظهر محبته يكون قاسياً عليك فى خصومته؛ لأنه يريد أن يخدعك ويُبَيّتُ لك.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة