جانب من اعتصام الأدباء والمثقفين والفنانين اعتراضا على حكم الإخوان عام 2013
جانب من اعتصام الأدباء والمثقفين والفنانين اعتراضا على حكم الإخوان عام 2013


ثورة 30 يونيو

حكاية الثورة والإبداع| ريادة درامية وتأخر أدبي وتمهل تاريخي

آخر ساعة

الجمعة، 30 يونيو 2023 - 04:11 م

■ كتب: حسن حافظ

مع مرور عشر سنوات على ثورة 30 يونيو 2013، يدور الحديث عن أوجه التعاطى الإبداعى مع هذا الحدث الفارق فى تاريخ مصر والمصريين، فإذا كان العديد من الكتب التى صدرت تحمل مشاهدات العديد من الأقلام عن الأحداث العاصفة التي كادت تعصف بالبلاد والعباد لولا أن تدارك الشعب الأمر وخرج وجيشه معه لإنقاذ مصر من مصير أسود رسم لها، فإن العديد من المبدعين مازالوا فى مرحلة استيعاب الأحداث والبحث عن طرق التعبير بنفس قيمة الحدث التاريخي، لذا تقدمت الأعمال الدرامية الصفوف فى حين تنتظر كل من الأعمال الأدبية والتاريخية دورها ولحظة ميلادها القادمة لا محالة.

يعد دور المثقفين فى ثورة 30 يونيو، من الأدوار الطليعية، فمن خلال اعتصام المثقفين بمبنى وزارة الثقافة كان الحدث الأول فى إشعال جذوة الثورة ضد نظام الإخوان الاستبدادي، وهو الاعتصام الذى حوّل دعوات تمرد وغيرها من الحركات المعارضة إلى واقع ملموس على الأرض، ومن هذا الاعتصام الثقافي دارت عجلة أحداث ثورة 30 يونيو، وهو ما يعنى أن المثقفين ليسوا غرباء عن الثورة وأيامها، فالكثير منهم شارك فى أحداث الثورة وكتبوا شهادات تؤرخ لأيامهم فى الميادين، لكن هذه المشاركة لا تفسر قلة الأعمال التى تناولت أحداث الثورة المصرية سواء فى موجتها الأولى في يناير 2011، أو موجتها الثانية فى يونيو 2013، الأمر الذى يطرح سؤالا تحاول «آخر ساعة» أن تجيب عليه، حول طبيعة التعامل الإبداعى مع ثورة 30 يونيو.

◄  الأعمال الأدبية والتاريخية تتأخر فى التعاطي مع الحدث الثورى لفترة تمتد لعقود

الملاحظ أن الأعمال الدرامية كان لها السبق فى تناول أحداث ثورة 30 يونيو من زوايا مختلفة، ربما يأتى فى المقدمة مسلسل (الاختيار) بأجزائه الثلاثة الذى حقق نجاحًا عريضًا وكشف عن تفاصيل غاية فى الأهمية لما كان يجرى خلف الكواليس من أحداث، كذلك مسلسل (هجمة مرتدة)، فضلا عن تناول الكثير من المسلسلات للتحولات التى جرت على الشعب المصرى ونماذج لشخصيات طفت على السطح فى الفترة التى سبقت الثورة، لنستطيع القول إن الأعمال الدرامية كانت ولا تزال هى ديوان الثورة المعاصر، لما قدمته من أعمال مختلفة سواء كانت ذات طابع سياسى أو اجتماعي، فضلا عن أنها الأكثر نجاحا وانتشارا وسط قاعدة جماهيرية عريضة بحجم الشعب المصرى نفسه.

◄ اقرأ أيضًا | ثورة 30 يونيو | كلمة السر لاستعادة الأمن ودحر الإرهاب

هذا الزخم الذى تعيشه الأعمال الدرامية على الشاشة الفضية، تفوق على المنتج الأدبى والمنتج التاريخى حول ثورة 30 يونيو، فالروايات التى ظهرت وتحتك بفترة الثورة قليلة، نذكر منها: رواية (عشرة طاولة) 2014، لمحمد الشاذلي، والتى تدور فى الفترة بين ثورتى يناير ويونيو، ورواية (الحب فى زمن الثورة) 2014، لهانى دعبس، وتدور أحداثها وسط أحداث ثورتى يناير ويونيو، ورواية (سطر مسلح) 2018 لمحمود الشناوي، والتى تركز على أحداث ثورة يونيو، وهى أعمال حققت بعض النجاح، لكن الأعمال الروائية عموما لم تصل بعد إلى نفس مستوى أهمية الحدث، إذ يرى الدكتور عبد السلام الشاذلي، أستاذ النقد الأدبي، فى حديث لـ «آخر ساعة»، أن قصر الفترة الزمنية له عامل مهم فى تأخر إنتاج نصوص أدبية تكون على نفس مستوى حدث بأهمية ثورة يونيو، فلم يمر على الثورة إلا عشر سنوات، وهى فترة زمنية قصيرة جدا، ولم تتكشف بعد كل الحقائق والملابسات التى أدت للثورة بشكل كامل ولا النتائج الكاملة للثورة على المجتمع وحجم تأثيرها الضخم عليه، لذا ينتظر أن تتاح فرصة الكتابة الأدبية الأكثر إحاطة بهذه الأمور بعد مرور بضعة عقود، كما فعل نجيب محفوظ فى عمله الأبرز (الثلاثية) الذى يعد أهم عمل روائى عن ثورة 1919، وقد كتبه بعد مرور نحو ثلاثين عامًا على الثورة نفسها.

◄ القعيد: الأدب بحاجة لفترة أطول لاستيعاب حجم أحداث وتداعيات الثورة

الروائي يوسف القعيد، صاحب تجارب مهمة فى رصد محطات تاريخية مهمة فى تاريخ مصر المعاصر من خلال أعماله الروائية، لذا كان من المهم استطلاع رأى صاحب (الحرب فى بر مصر)، حول هذا الموضوع، إذ قال لـ«آخر ساعة»: «ربما يكون الأدب فى حاجة إلى فترة أطول حتى يستوعب ما يحدث على الأرض من تحولات وأحداث للثورة وتداعياتها، لأن الأدب لا يتعامل مع الظواهر العارضة أو الأحداث الطارئة، ولكنه يتعامل مع الأمور الأساسية التى ثبتت فى أرض الواقع وتصبح جزءًا من هذا الواقع، ولها تأثير على المعاصرين من حولها، ومن هنا يأتى تأخر المبدع سواء فى مجال الرواية أو القصة أو المسرح فى التعبير عن انفعاله بالحدث التاريخى خصوصًا إذا كان الحدث على نفس مستوى وأهمية ثورة 30 يونيو».
وأشار القعيد إلى توقعه بأن تشهد الحياة الثقافية فى المستقبل الكثير من الأعمال الأدبية حول ثورة 30 يونيو، قائلاً: «ربما هناك اختمار فى الفكرة حاليًا عند المبدعين، لذا أعتقد أن القضاء على الإرهاب ونجاح مصر فى الإفلات من هذه المأساة سوف يظهر فى أعمال أدبية جيدة، لا تقل فى المستوى عن أهمية الحدث الذى أنقذ أهم شعب على الكرة الأرضية من الإرهاب، مع ملاحظة أن الأعمال الدرامية كانت أسرع فى الاستجابة لما حدث فى 30 يونيو وما بعده، مثل أعمال من نوعية الاختيار والممر وغيرها، وهذا أمر طبيعى لأن الأعمال الدرامية فى التلفزيون أو السينما أعمال جماعية تقوم على جهود مجموعات إبداعية، فنحن هنا أمام حالة إبداع جماعى من مؤلف ومخرج وسيناريست وممثلين وبقية القائمين على العملية الدرامية، بينما الأدب عملية إبداع فردى تحتاج إلى وقت لكى تختمر وتعبر عن نفسها بشكل ناضج ومعبر عن الذات».

◄  الدسوقي: التأخير شىء طبيعي لحين نضج التجربة واكتمال أدواتها 

من جهته، رأى الدكتور عاصم الدسوقي، أستاذ التاريخ المصرى المعاصر بجامعة حلوان، أن الأعمال الدرامية هى الأسبق فى الوجود على حساب الأعمال الأدبية والأعمال التاريخية التى تتعلق بأى حدث تاريخي، وتابع لـ«آخر ساعة»: «الترتيب الطبيعى أن تكون الأعمال الدرامية فى المقدمة لأنها تقوم على الانفعال اللحظى مع الحدث التاريخى الفاصل فى تاريخ الأمة، ثم يأتى بعد ذلك العمل الروائى الذى يحتاج إلى فترة من الهضم واستيعاب الحدث فى ذات المبدع صاحب العمل الأدبي، لذا تتأخر صدور الروايات التى تتعلق بأحداث تاريخية معاصرة لبعض الوقت، ثم يأتى فى النهاية العالم التاريخى الذى يتعلق أساسا بوجود الوثائق ومدى وفرتها، وهو أمر لا يتحقق إلا بعد مرور أعوام كثيرة، لذا تأتى الأعمال التاريخية متأخرة جدًا عن النوعين الأولين».

وأشار الدسوقي إلى أن «الذين يكتبون عن حدث تاريخي فى بداياته دون الاطلاع على وثائق أو مصادر خاصة بهذا الحدث، فهم بعيدون على البحث العلمى الاصطلاحي، الذى يقوم على دراسة الوثائق، فضلا عن دراسة التاريخ دراسة علمية مستقلة عن السياسة والدين، ومع غياب الوثائق تأخذ الانطباعات المساحة الأكبر ما يتيح إنتاج أعمال درامية وروائية، لذا نستطيع أن نقول معظم ما أنتج عن ثورة 30 يونيو هى كتابات درامية وليست علمية، لأن الأخيرة تحتاج إلى مزيد من الوقت والمزيد من الوثائق، وهو أمر مهم أن نفهمه أى أننا لم نقم بعد بتاريخ هذه الحركة العظيمة التى قادها المشير عبد الفتاح السيسى «آنذاك» لإنقاذ البلاد وتنفيذا لإرادة الشعب، لذا رغم عظمة الأعمال الدرامية التى تناولت ثورة 30 يونيو، فإن الفترة المقبلة قد تشهد طغيان التناول الأدبى لحين الكشف عن جميع وثائق الأحداث التى تمكن المؤرخ من كتابة كلمته، وعلى كل فكل ما يكتب متروك لتحكيم القارئ عقله فى ما يقرأ».

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة