فهمي عمر
فهمي عمر


فهمي عمر يكتب: صفية المهندس نجمة الإذاعة اللامعة

آخر ساعة

الجمعة، 30 يونيو 2023 - 10:57 م

صفية المهندس أو ليدي صفية ـ كما كنا نطلق عليها هذا اللقب، توصف بأنها إذاعية قديرة وواحدة من رائدات الميكروفون بحكم صوتها الذهبى وتاريخها ومواقفها الإذاعية وما قدمته من برامج أسعدت السامعين «وركن المرأة وربات البيوت» خير دليل على ما نقول.. وهى - يرحمها الله - بحكم تاريخها الطويل خلف الميكروفون تعد فى مقدمة الفضليات اللائى لم يكن عددهن يزيد على عدد أصابع اليد الواحدة ممن التحقن بالإذاعة فى بواكير سنواتها مثل عفاف الرشيدى وتماضر توفيق وسميحة عبدالرحمن وثريا نجم.

تحكى صفية المهندس ونحن تلاميذها وتلميذاتها جلوس فى مكتبها أنها كانت تضع الإذاعة نصب عينيها لتعمل بها بعد التخرج من كلية الآداب.. جامعة فؤاد الأول «القاهرة» قسم اللغة الإنجليزية خاصة أن خريجى هذا القسم كانوا أصحاب الحظوة فى الالتحاق بالإذاعة حيث كان الرائد الإذاعى الأول محمد فتحى من خريجى هذا القسم وكانت الإدارة الإنجليزية التى تدير الإذاعة «ماركوني» تفضل من يجيد الإنجليزية وإثر تخرجها فى كلية الآداب سنة ١٩٤٥ تقدمت صفية للعمل بالإذاعة واجتازت الامتحانات بتفوق كبير فقد كانت تتميز بكل الميزات التى يجب أن يتحلى بها من يريد العمل مذيعًا.. كانت صاحبة صوت جميل ومخارج ألفاظ لا عيب فيها وقد كنا نقول لها «إن الميكروفون يعشق صوتك يا ريسة، وحتى قبيل رحيلها - يرحمها الله - إلى عالم البقاء كان صوتها الذهبى يخرج صافيًا رائعًا نقيًّا - رغم أن الكثيرين - وأنا منهم - فعلت السنون بأصواتنا ما تفعله ببقية أعضاء الجسم. فقد تحشرجت هذه الأصوات وشاخت بحكم السنين، وعندما التحقت أنا بالإذاعة سنة ١٩٥٠ كان صفية المهندس فى عز شبابها جميلة ومشرقة وتتسم بالأناقة فى ملبسها وحتى فى مشيتها كانت متزنة شديدة الاحترام لنفسها ولغيرها وهى أيضًا المشرفة على ركن المرأة ثم هى خطيبة الرائد الإذاعى بابا شارو كنا نحن تلاميذها نلتفت حولها نأخذ منها التجربة ونتعلم أصول المهنة وظلت حتى آخر أيامها فى الإذاعة الأستاذة الحنون صاحبة القلب الطيب وإضافة إلى ذلك فقد كانت تتذوق الملح وتحكى الطرائف وهو دأب آل المهندس جميعًا فشقيقها سامى كان أيضا يتسم بخفة الظل وأذكر مرة حيث كانت صفية مع أسرتها يقضون بعضًا من أيام الصيف فى كابينتهم ببلاج سيدى بشر وذهبت أزورها وكان سامى يرتدى المايوه فقلت له اللهم صلى على النبى إيه العضلات دي! فقال على الفور «دى عضلات الشيوخ عضلات النواب» مرادفة لجملة «حضرات الشيوخ حضرات النواب» أما شقيقها فؤاد فلا يحتاج إلى تعريف وهو - يرحمه الله - كان واحدًا من ملوك الكوميديا إذاعة وتليفزيون ومسرحًا وسينما.
صادفت صفية المهندس بعض الشدة والتوتر فى تعاملها مع أحد السادة وزراء الإعلام عندما كانت تقوم بعملها «ندبًا» رئيسة للإذاعة قبل أن يصدر قرار رئيس الوزراء بتعيينها فى المنصب فقد تخيل السيد الوزير أن صفية تتجاوز معه حدودها ونسى سيادته أنها نجمة الإذاعة الأولى ولها باعها فى مجال الإعلام المسموع وأن لديه اعتقاداً أنها تصدر بعض قرارات لا يرضى هو بها فإذا به يجردها من كل سلطاتها وأصبحت من الملوك يملكون ولا يحكمون فأعطى مسئولية البرامج والشئون السياسية لأحد رؤساء الشبكات وأعطى مسئولية الشئون المالية والإدارية لمديرها العام دون الرجوع إلى رئيس الإذاعة..

أصبحت صفية بلا حول ولا قوة فهى تأتي صباحًا إلى مكتبها لتقرأ الجرائد وتشرب القهوة وتظل بلا عمل حتى الساعة الثانية بعد الظهر فتنصرف إلى منزلها.. وكنا نحن تلاميذها وتلميذاتها نذهب إليها فى مكتبها وكانت جلساتنا معها أشبه بجلسات سرادقات العزاء وكانت هى رابطة الجأش وعلى عادتها تروى لنا حكايات عن الإذاعة زمان ثم تتهيأ للانصراف قائلة «حسبنا الله ونعم الوكيل» وكنت أنا واحدًا ممن يدافعون عنها وممن يتسامرون معها فى مكتبها الأمر الذى جعل السيد الوزير يشيح بوجهه عنى رغم أننى كنت على معرفة به على مدى سنين عديدة حيث كانت له فى مطلع حياته بعض الشواغل الرياضية وسجلت معه أكثر من حديث عن هذه الشواغل ويومًا قال لى بعض من حوارييه أنا أنصحك وبلاش من وقوفك فى صف صفية المهندس دا الوزير حاطط عينه عليك!! فقلت له بلغ سيادة الوزير أنه إذا كانت الصداقة والزمالة وعشرة السنين ستكون السبب فى إنزال غضبه عليَّ فأهلا بذلك وتضاعفت دهشتى عندما دعا السيد الوزير إلى لقاء مع الزملاء المرافقين العموم ورؤساء الشبكات فوجدته ينظر إلى شذرا وبعد انتهاء الجلسة اصطحب معه إلى مكتبه عددًا من الزملاء والزميلات دون أن يوجه لى الدعوة للدخول إلى مكتبه مع بقية زملائي، المهم أنه بعد أسابيع قليلة رحل الوزير إثر مجيء وزارة جديدة وبعد مرور أسبوعين صدر قرار رئيس الوزراء بتعيين صفية المهندس رئيسًا للإذاعة سارت أمور الإذاعة هينة لينة ووصلت الإذاعة إلى درجة عالية من التميز فى برامجها إلى أن خرجت صفية إلى المعاش فى ديسمبر ١٩٨٢ وظلت بعد ذلك سنوات وسنوات تقدم أكثر من فقرة فى برنامج «ربات البيوت» ولكنها لم تتحمل فراق الزوج بابا شارو الذى رحل إلى عالم البقاء ١٩٩٩ فاعتكفت عن تقديم ما كانت تقدمه من فقرات إذاعية فى ربات البيوت وكنا نحن تلاميذها وتلميذاتها نهاتفها أحيانًا وأحيانًا أخرى نزورها فى منزلها إلى أن رحلت إلى بارئها ٢٠٠٧ وفى مقال قادم بإذن الله أرجو أن أحكى حدثًا تعرضت له وهى رئيس للإذاعة وقع فى روما وكنت مصاحبًا لها مع الزميل على فايق زغلول لتغطية زيارة السيد الرئيس أنور السادات التى قام بها ١٩٧٦ إلى إيطاليا حيث ترتب على هذا الحدث نقل سفير مصر من ايطاليا إلى ديوان عام وزارة الخارجية.. رحم الله صفية المهندس أستاذة الميكروفون والتى على يديها تخرج الكثير من نجوم الإذاعة.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة