خالد محمود
خالد محمود يكتب من مراكش.. المهرجان الوطنى للفنون الشعبية.. عندما يلتحم الشعب مع تراثه
السبت، 01 يوليه 2023 - 01:44 م
وسط غناء وعزف ورقص إحدى فرق الفنون الشعبية القادمة من صحراء المغرب بساحة جامع الفنا الشهيرة بمراكش، حيث تقدم إحدى أعمال التراث التي يتجاوز عمرها المائة عام، وجدت طفل لم يتجاوز الثالثة من عمره، يتراقص على أنغام الفرقة بنفس الإيقاع، ويحاول أن يردد نفس الكلمات، في تلك اللحظة أدركت قيمة أن يعقد مهرجان وطني للفنون الشعبية، فله دور تاريخي وثقافي في ربط الأجيال الجديدة بجذورها الفنية، والتي كانت شاهدة على عصور، وأنه مهما تطور الزمن لابد أن يكون بوجدانك تراثك الفني الممتد.
وقفت أراقب الطفل بينما يقوم بتصويره المخرج بالقناة الفضائية المصرية، وقد تركه والداه لتمسه اللحظة الإبداعية، حتى أن أحد أعضاء الفرقة ألهمه الإيقاع، وانطلق مع الطفل.
لم يكن هذا هو المشهد الوحيد الذي أيقنت من خلاله قيمة الرسالة، بل هذا الحضور الكبير من النساء، سواء بين الجمهور أو العازفين والراقصين، وكأنهن يمثلن عصب رواية أساطير وحقائق وأحداث الوطن الفنية، التي تقدمها الفرق المشاركة وتمثل كافة أرجاء المملكة المغربية.
سألت إحدى المشاركات في رقصة السيف، قالت أن اسمها بهية، وتمارس تلك الرقصة المعبرة عن موطنها منذ 15 عاما.
وسط إحدى حفلات المهرجان وجدت ترحاب كبير بفرقة “الدقة المراكشية”، وظل التصفيق لعدة دقائق وكأنه لأشهر مطربى الراب المعاصرين، وكانت الدهشة تملأ عيني وأنا اتسأل “كيف لفرقة تقدم الموروث الغنائي أن تستقبل هكذا؟”.
سألت فتاة في العشرين ملأها الحماس كانت تجلس أمامي: “ما الدقة المراكشية؟ ولماذا تمثل هذا التجاوب الكبير؟”، قالت: “أنها تمثل البهجة، ودائما موعد لنشر الفرح”.
والواقع هي نمط موسيقي شعبي مراكشي يسمى “التقيتقات”، تؤديه فرقة تتكون من 20 إلى 40 فرد من كبار السن، وتتكون من “عازف القراقب” وهو في نفس الوقت راقص يتنقل بين العازفين ويساعد رئيس الفرقة في ضبط الإيقاع، خاصة في الحركة البطيئة، وهناك “البندير” وهي آلة موسيقية إيقاعية مستعملة في المغرب العربي، خاصة في الغناء الصوفي والمديح، وتصنع في أغلب الأحيان من الخشب وجلد الماعز، و”التعريجة” وهي آلة يحملها بقية العازفين.
يعقد لهذا الفن المغربي المراكشي مهرجانات فنية لحمايته من التشويه، وأغلب الفرق المتخصصة في “الدقة” تقدم الآن وصلات مختصرة، تبدأ بالحركة البطيئة وتنتهي بالسريعة في مدة زمنية لا تتعدى النصف ساعة، أو أقل من ذلك، بينما كانت الوصلة الواحدة تبدأ بالحركة البطيئة بعد صلاة العشاء، وتنتهي بالحركة السريعة قبيل صلاة الفجر.
أيضا استمتع الحضور بالمسرح الملكي بعرض فرقة “أحواش مراكش”، فرقة “أحواش قلعة مكونة”، إيقاع سيدي أحمد أو موسى، إستعراض مجموعة “كناوة” التي تعد رمزا فنيا وثقافيا لمنطقة صويرة، فرقة “هيت تعيسة”، فرقة “تيسكوين”، “كناوة”، “عبيدات الرمى”، “الهواريات”، “الركادة”، “أحيدوس”، “رقصات الشيخات”، “الجدرة” وهي إحدى أشهر الرقصات الصحراوية و”العيطة”.
وبمشاركة أيضًا من فرق التصوف الشعبي، منها “ترقاوة”، “أحمدشة”، “جناوة”، “هوارية، وكذلك تم تقديم “الدقة الرودانية”، والرقصات الجبلية لمدن المغرب، منها الرباط وإيقاع “الركادة”، كما رسموا لوحة جدارية صوتية ومرئية غنية ومتنوعة، وكذا قدمت إحدى فرق الكونغو وألمانيا وصلة مميزة من الرقصات والفنون الشعبية التراثية التي تعبر عن تاريخهما.
كما شهد المهرجان عروضا راقصة وأهازيج مبهرة تمزج بين أنماط متعددة لأشكال فنية موحية، تبدع فيها كل فرقة على حدة ، وخلقت روحا فياضة وأجواءً احتفالية ممتعة، ومنها فرق التصوف الشعبي، ووجد الحضور من مختلف الجنسيات أن عروض الهواء الطلق صورة معبرة عن الانفتاح وتكريس قيم الجمال والمحبة والتعايش بين مختلف الثقافات والفنون والأجناس.
د. محمد الكنيدري، مدير المهرجان ورئيس جمعية “أصالة” المنظمة، قال أن المهرجان وصل من العمر 52 عاما، وأن حالة الشغف بالفنون الشعبية مازال في إزدياد.
وأضاف أن افتتاح الدورة يشكل مرآة حقيقية للتنوع الموسيقي والفني المغربي الجميل، فضلا عن أنه يمثل تجسيد لروح الوحدة وتنوع اللهجات، مؤكدا أن التظاهرة تدعم فكرة المحافظة على التراث وإستمراريته وتثمينه.
وأشار أن المهرجان يعتبر من أكبر وأقدم المهرجانات على الصعيد الوطني والأفريقي، وسوف نتواصل مع شباب الفنانين الذين لا يحملون المشعل وصيانة الذاكرة التراثية والموسيقية الأصيلة.
فيما قال وزير الشباب والثقافة والاتصال محمد المهدي بنسعيد، على الدعم الكبير لمهرجان يحمل الحفاظ على الموروث على عاتقه، وأن مراكش ستكون العام المقبل عاصمة الثقافة الإسلامية، وستكون فعاليات الفنون الشعبية لها شأن كبير في الاحتفالات.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة