رفعت رشاد
رفعت رشاد


يوميات الأخبار

الحوار الوطنى ومساحة الخلاف

رفعت رشاد

الأربعاء، 12 يوليه 2023 - 09:16 م

هذا هو الصغير الذى تعظم فى عينه الصغائر .. وذاك هو العظيم الذى تصغر فى عينه العظائم

أظهر الحوار الوطنى أن مجالات وجوانب الاتفاق بين القوى السياسية أكبر بكثير من مساحة الخلاف. هذا ما أكده محمود فوزى رئيس الأمانة الفنية للحوار الوطنى وأعلنه فى مؤتمر الشباب خلال الفترة الماضية أمام رئيس الجمهورية. وسوف يستأنف الحوار الأسبوع القادم جلساته لحسم الموقف بشأن عدة قضايا مهمة منها النظام الانتخابى وهل يكون بالقائمة النسبية أم القائمة المطلقة.  سوف تعقد ورش عمل لحسم نقاط الخلاف بشأن عدة موضوعات منها موضوع النظام الانتخابي. كان الحوار الوطنى ناقش فى جلسات الملف السياسى مسألة تعديل نظام الانتخاب ودار الجدل حول أفضلية أحد النظامين، القائمة المغلقة والقائمة النسبية مع الاتفاق على الإبقاء على نسبة للمقاعد الفردية. لم يحسم الجدل حتى الآن. 

تعتبر مسألة اختيار نظام انتخابى ما من أهم القرارات لأى نظام سياسى ، فاختيار نظام انتخابى معين يترتب عليه نتائج مهمة لمستقبل الدولة، لأن النظام الانتخابى يميل إلى الاستمرارية ولو لفترة فصل أو فصلين تشريعيين على الأقل. وفى كل الأحوال فإن اختيار نظام انتخابى مسألة سياسية بالدرجة الأولى وليست مجرد مسألة فنية يمكن لمجموعة من الخبراء التعامل معها، ولهذا يجب حساب كل الأبعاد لأن الأخطاء تؤدى إلى نتائج غير متوقعة.  

وتعمل النظم الانتخابية فى مفهومها الأساسى على ترجمة الأصوات التى يحصل عليها حزب ما فى الانتخابات إلى عدد من المقاعد فى البرلمان يتناسب مع حجم تلك الأصوات. هذا هو جوهر اختيار أى نظام انتخابى ، ثم تأتى مرحلة اختيار النظام ، هل يكون بالقائمة النسبية أو بالقائمة المطلقة المغلقة أم نظاما مختلطا، وما المعادلة التى تستخدم لاحتساب المقاعد المخصصة لكل فائز، وما تركيبة ورقة الاقتراع، وهل يصوت الناخب لمرشح واحد أم لقائمة حزبية وهل يمكن تعدد اختياراته . بجانب ذلك هناك مسألة حجم الدائرة وطبيعتها ، فالنظام الانتخابى يؤثر على طريقة تحديد الدوائر وكيفية تسجيل الناخبين وتصميم أوراق الاقتراع وكيفية فرز الأصوات وغير ذلك من تفاصيل العملية الانتخابية. 

ومن الضرورى أن تتمتع إجراءات وتفاصيل النظام الانتخابى بأكبر قدر من الشفافية ، بحيث تكون واضحة للناخبين وللأحزاب وللمرشحين وذلك حتى تتوفر الثقة فى عدالة العملية الانتخابية . ويجب أن تتاح الفرصة لكل الأطراف لطرح وجهات نظرهم وتصوراتهم دون معوقات عند الاتفاق على النظام الانتخابى لأن هذا يضفى الشرعية على العملية الانتخابية . كما يجب أن يتيح النظام المختار فرصة المشاركة للجميع بحيث يشمل كل الفئات الموجودة فى المجتمع، فكلما شمل النظام كل المواطنين ترسخت شرعيته.

النسبية والمطلقة

من سمات القائمة النسبية تقليل فارق الأصوات المهدرة بين ما يحصل عليه الحزب من أصوات وبين نصيبه من مقاعد البرلمان، وبذلك يحصل كل حزب على قدر ما أعطاه الناخبون من أصوات وهو ما يحقق قدرا كبيرا من العدالة بين الأحزاب الكبيرة والصغيرة. أما القائمة المطلقة أو المغلقة فتتيح للناخب التأشير على القائمة ككل وبالتالى فإن توزيع الأصوات لا يكون بين الأحزاب كمقاعد وإنما تفوز القائمة التى تحصل على أعلى الأصوات بكل مقاعد القائمة. فى هذا النظام ليست هناك أفضلية لمرشح دون الآخر، فالأول ليس صاحب فرص أكثر من الأخير فالكل سواسية وسوف يفوزون جميعا إذا فازت قائمتهم . يتيح هذا النظام للأحزاب أن تضمن القائمة من تشاء من أسماء المرشحين بدون قلق من رفض الناخبين الذين سيختارون الحزب كحزب.

وهذا النظام يمهد لائتلافات مسبقة حيث تتفق مجموعة من الأحزاب على خوض الانتخابات بقائمة موحدة يتم بداخلها توزيع المقاعد حسب الثقل النسبى لكل حزب وشعبيته. 

تعديل النظام الانتخابى يكون بقانون ولا حاجة لتعديل الدستور الذى يتطلب إجراءات معقدة. والتوافق بين أطراف العملية السياسية من الأحزاب على نظام انتخابى يضمن قبول الجميع لأن تمكين حزب واحد من السيطرة على الحكم يؤدى إلى نشوب الصراعات من جانب الأحزاب التى تُقصى باعتبار أن النظام الانتخابى لم يحقق لها العدالة ولم يعط لها فرصة للفوز فى الانتخابات. 

سوف يناقش الحوار الوطنى فى اجتماعاته القادمة مسألة النظام الانتخابى مناقشة موسعة وإذا استمر الخلاف بشأنه، ترفع نتائج المناقشات إلى رئيس الجمهورية لاتخاذ ما يراه فى هذا الشأن. 

العظيم والصغير

من أقرب المفكرين إلى عقلي، الدكتور زكى نجيب محمود الذى يجمع فى أسلوبه بين عمق الأفكار والسهولة الممتنعة للكتابة والجزالة فى المفردات. إذا فتحت مؤلفًا له تبحر من خلاله إلى عوالم الفكر والفلسفة والأدب والتاريخ والنقد والسياسة وغيرها بطريقة بسيطة لكنها عميقة ومن أهم سمات أسلوبه أنه يمكن لكل قارئ أن يستوعب ما يكتبه مهما كان مستواه التعليمى أو الثقافى. 

مؤخرا طالعت مجددا كتابه «رؤية إسلامية» وتوقفت عند قصيدة المتنبى التى يقول فى بيت منها : «وتعظم فى عين الصغير صغارها .. وتصغر فى عين العظيم العظائم» . كان المؤلف يحاور « نفسه « ويتبادل معها نقاشا جدليا فى أمور حياتية عصرية ويرجع بها المؤلف إلى أمور حدثت فى زمان سابق أو فى مكان مختلف يؤيد بها وجهة نظره أمام «نفسه». يقول المؤلف: كانت جلستى مع نفسى وبدأ الحديث بيننا عندما دفعت الأحداث بين أيدينا بصورة الشخص الصغير بأوهامه ، الكبير بمناصبه ، الصغير بتفاهاته التى يعيش بها وعليها ، وكبير فى أعين قوم قُلبت أمام أعينهم درجات القيم . ماذا هو صانع بنفسه ، إذا كانت حياتنا قد أسلمت أسواقها للعملة الزائفة قبل العملة الصحيحة؟.

قالت «نفسي»: إن صغيرك الكبير هذا حقيق بأن يكون عقابه بإهماله حتى يتعلم الناس أن يكون الفرق بين صغير وعظيم. قد تتعلق إرادة إنسان بمال يجمعه حتى يعد بالملايين ، وقد تتعلق إرادة إنسان آخر بمناصب النفوذ النافذ الذى يخترق صلابة القوانين فلا يحاسبه أحد، أو تتعلق بمظاهر الجاه ذى الهيل والهيلمان والذى تنخلع له القلوب من بطش سطوته، لكن هل رأيت صحائف التاريخ قد شُغلت بسطر واحد من صفحة واحدة، برجل لتقول عنه إنه كان ذا ثراء ثم لا شىء بعد الثراء؟ أو هل رأيتها شُغلت بسطر واحد من صفحة واحدة، برجل لتقول عنه إن كل بضاعته هيل من هيلمان؟ وحتى هى إذا قالت ذلك عن إنسان مضى، فإنما تقوله بحروف فى مدادها قطرة من ازدراء. هذا هو الصغير الذى تعظم فى عينه الصغائر .. وذاك هو العظيم الذى تصغر فى عينه العظائم. 

رحمك الله أستاذنا العظيم زكى نجيب محمود. 

عم زعزع

من حظى وجيلى أن لحقنا فى بداياتنا الأولى فى مهنة الصحافة بصحفيين كبار فى مهنتهم وأخلاقهم. من الشخصيات التى أعتز بأنى اقتربت منها الأستاذ الراحل محمد زعزع محرر الجريمة البارز فى زمن الثمانينات والتسعينات. 

وذكرى زعزع لا تغيب لأنه كان نموذجا للصحفى القادر على خدمة الناس والزملاء من خلال علاقاته واتصالاته وشخصيته.

أذكر أننى كنت فى صحبته وذهبنا إلى مكتب مساعد وزير الداخلية لأحد القطاعات الكبيرة.

 دخل زعزع بدون ان يطلب منه الانتظار حتى يتم إخطار المدير أو الاستئذان. كان مديرو المكاتب يعرفون مدى علاقته برؤسائهم ولذلك كانوا يرحبون به ولا يسألونه عن أى شىء. 

عندما دخلنا مكتب المدير وجدناه ومجموعة من زملائه اللواءات يجلسون فى الأنتريه وبمجرد أن رأوا زعزع هبوا مرحبين بكل أنواع الترحيب ودار بينهم حوار ودى متطرق إلى جوانب تظهر مدى عمق العلاقة. 

ذات مرة كنت على وشك السفر للخارج بصحبة رئيس مجلس الشعب وبعد إصدار قرار السفر واتخاذ الإجراءات أبلغتنى إدارة مراسم المجلس ضرورة استخراج شهادة الإعفاء النهائى من التجنيد بعد أن تجاوزت السن المحددة للإعفاء. 

لم يبق على السفر سوى أيام قليلة وحتى لو انتهيت من إجراءات القيد العائلى، فماذا بعد؟ . حكيت مشكلتى للأستاذ زعزع فقام على الفور واصطحبنى إلى مكتب مساعد الوزير للأحوال المدنية فى وسط القاهرة وهناك سأل على المساعد لكن لم يكن موجودا ، لكن مدير مكتبه سأله عما يريد، فقال له: ابنى رفعت من أقرب الناس لى ولديه مسألة ستستغرق وقتا أطول لو لم يتدخل المساعد. استمع مدير مكتب المساعد للموضوع وأشار إلى عينيه قائلا من عينيَّ يا أستاذ زعزع، وعلى الفور اتصل بمكتب السجل المدني، وبعد أن وضع السماعة قال إن عليَ أن أتوجه صباح باكر إلى السجل المدنى ومقابلة الضابط الفلانى وسيقوم بعمل اللازم . بالفعل تم الأمر مثلما قال . 

ولم تقتصر مساندات الأستاذ زعزع لى ولغيرى من الزملاء على هذه الواقعة، هناك الكثير مما لا يتسع له المجال. رحم الله أستاذنا زعزع وأمثاله.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة