نصر‭ ‬حامد‭ ‬أبو‭ ‬زيد
نصر‭ ‬حامد‭ ‬أبو‭ ‬زيد


نصر‭ ‬حامد‭ ‬أبو‭ ‬زيد يكتب :سقوط‭ ‬التنوير‭ ‬الحكومى

أخبار الأدب

السبت، 22 يوليه 2023 - 12:09 م

خاضت‭ ‬أخبار‭ ‬الأدب‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المعارك‭ ‬دفاعًا‭ ‬عن‭ ‬حرية‭ ‬الفكر‭ ‬والإبداع،‭ ‬وكان‭ ‬أهمها‭ ‬ما‭ ‬عرف‭ ‬بمعركتى‭ ‬‮«‬وليمة‭ ‬لأعشاب‭ ‬البحر‮»‬‭ ‬ و«الروايات‭ ‬الثلاث‮» ‬‭‬وقد‭ ‬استكتبت‭ ‬الجريدة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المثقفين،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬أبرزهم‭ ‬الدكتور‭ ‬نصر‭ ‬حامد‭ ‬أبوزيد‭ ‬الذى‭ ‬تحل‭ ‬ذكرى‭ ‬ميلاده‭ ‬الثمانين‭ ‬هذا‭ ‬العام‭، ‬وقد‭ ‬نشر‭ ‬أبو زيد‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬المرجع‭ ‬الذى‭ ‬يمكن‭ ‬اعتباره‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬المقالات‭ ‬التى‭ ‬نشرتها‭ ‬أخبار‭ ‬الأدب‭ ‬والذى‭ ‬يلخص‭ ‬ويكشف‭ ‬وضع‭ ‬الثقافة‭ ‬المصرية‭ ‬منذ‭ ‬تأسيس‭ ‬الدولة‭ ‬الحديثة‭ ‬وحتى‭ ‬بدايات‭ ‬القرن‭ ‬الحادى‭ ‬والعشرين‭. ‬
 

من‭ ‬المفارقات‭ ‬اللافتة‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬هؤلاء‭ ‬المثقفين‭ ‬الذين‭ ‬تم‭ ‬اختيارهم‭ ‬العمل‭ ‬الثقافى‭ ‬كانوا‭ ‬شديدى‭ ‬النقد‭ ‬للمثقفين‭ ‬الذين‭ ‬تعاونوا‭ ‬مع‭ ‬النظام‭ ‬السابق‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬«التغيير‭ ‬من‭ ‬الداخل»

بدأت‭ ‬الهيئة‭ ‬المصرية‭ ‬العامة‭ ‬للكتاب‭ ‬فى‭ ‬إعادة‭ ‬إصدار‭ ‬بعض‭ ‬الكتب‭ ‬الهامة‭ ‬فى‭ ‬تاريخنا‭ ‬الثقافى‭ ‬الحديث‭ ‬مثل‭ ‬“الإسلام‭ ‬وأصول‭ ‬الحكم”‭ ‬لعلى‭ ‬عبد‭ ‬الرازق،‭ ‬و”مستقبل‭ ‬الثقافة‭ ‬فى‭ ‬مصر”‭ ‬لطه‭ ‬حسين‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬بعض‭ ‬كتب‭ ‬الشيخ‭ ‬“محمد‭ ‬عبده”‭ ‬و”سلامة‭ ‬موسى”‭ ‬وغيرهما‭ ‬من‭ ‬أعلام‭ ‬النهضة‭ ‬وضحاياها، ‬أصبح‭ ‬شعار‭ ‬“التنوير”‭ ‬هو‭ ‬شعار‭ ‬المرحلة‭ ‬وصنمها‭ ‬المعبود‭.

‬كانت‭ ‬سلسلة‭ ‬‮«‬كتب‭ ‬التنوير‮»‬‭ ‬الاسم‭ ‬الذى‭ ‬حملته‭ ‬الإصدارات‭ ‬المذكورة‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬المواجهة‭ ‬الثقافية‭/ ‬الأمنية‭ ‬ضد‭ ‬“الإرهاب”‭ ‬الذى‭ ‬كانت‭ ‬يده‭ ‬قد‭ ‬طالت‭ ‬قلب‭ ‬القاهرة‭ ‬مكانيا،‭ ‬وكانت‭ ‬قد‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬اغتيال‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الشعب‭ ‬الدكتور‭ ‬رفعت‭ ‬المحجوب‭ ‬وكادت‭ ‬تودى‭ ‬بحياة‭ ‬وزيرى‭ ‬الإعلام‭ ‬والداخلية‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية،‭ ‬كما‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬اغتيال‭ ‬الكاتب‭ ‬فرج‭ ‬فودة‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ممكنا‭ ‬الاكتفاء‭ ‬بالمواجهة‭ ‬الأمنية‭ ‬وحدها،‭ ‬لأنها‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬فشلت‭ ‬فشلا‭ ‬مروعا‭ ‬فى‭ ‬مواجهة‭ ‬جماعات‭ ‬الإرهاب‭ ‬منذ‭ ‬اغتيال‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬السابق‭ ‬وهو‭ ‬على‭ ‬منصة‭ ‬الاحتفال‭ ‬بالذكرى‭ ‬الثامنة‭ ‬لانتصار‭ ‬السادس‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ .‬1973‭

و‬كان‭ ‬وصول‭ ‬يد‭ ‬‮«‬الإرهاب‭ ‬المسلح‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬قلب‭ ‬القاهرة،‭ ‬وتهديده‭ ‬لرموز‭ ‬السلطة‭ ‬وقتل‭ ‬بعض‭ ‬رجالها‭ ‬علامة‭ ‬فارقة‭ ‬أظهرت‭ ‬عجز‭ ‬النظام‭ ‬وجهاز‭ ‬أمنه‭ ‬عن‭ ‬حماية‭ ‬نفسه،من‭ ‬المهم‭ ‬الإشارة‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬حماية‭ ‬المجتمع‭ ‬لم‭ ‬تمثل‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭ ‬الممتد‭ ‬من‭ ‬1981‭ ‬إلى‭ ‬1993‭ ‬منطلقا‭ ‬أو‭ ‬هما‭ ‬من‭ ‬هموم‭ ‬النظام‭ ‬السياسى‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬الهم‭ ‬الأساسى‭ ‬هو‭ ‬حماية‭ ‬النظام‭ ‬من‭ ‬الانهيار‭. ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬القتل‭ ‬مستعرا‭ ‬فى‭ ‬الصعيد‭ ‬ضد‭ ‬المواطنين‭ ‬مسلمين‭ ‬وأقباطا‭ ‬الذين‭ ‬اعتبرهم‭ ‬“الإرهاب”‭ ‬رهينة‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬يحاول‭ ‬النيل‭ ‬من‭ ‬هيبة‭ ‬النظام‭ ‬السياسى‭ ‬وإظهار‭ ‬ضعفه‭ ‬وتهافت‭ ‬بنيته‭ ‬ومشروعيته‭ ‬فى‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭. ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬كتبت‭ ‬كما‭ ‬كتب‭ ‬غيرى‭ ‬أن‭ ‬محاربة ‭ ‬‮«‬الإرهاب»‬‭  ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬أمن‭ ‬“الموطن”،‭ ‬فعدم‭ ‬الاهتمام‭ ‬الأمنى‭ ‬بأمر‭ ‬سيارة‭ ‬أو‭ ‬دراجة‭ ‬مسروقة‭ ‬يعنى‭ ‬مساعدة‭ ‬الإرهاب‭ ‬فى‭ ‬استخدام‭ ‬الدراجة‭ ‬أو‭ ‬السيارة‭ ‬المسروقة‭ ‬لكى‭ ‬تكون‭ ‬فخًا‭ ‬ينفجر‭ ‬أمام‭ ‬مدرسة‭ ‬أو‭ ‬فى‭ ‬وسط‭ ‬مجمع‭ ‬سكاني‭. ‬لكن‭ ‬النظام‭ ‬كان‭ ‬مشغولاً‭ ‬طوال‭ ‬الوقت‭ ‬بحماية‭ ‬استقراره‭ ‬هو‭ ‬وأمنه‭ ‬هو‭ ‬حتى‭ ‬وقعت‭ ‬واقعة‭ ‬اغتيال‭ ‬بعض‭ ‬رموز‭ ‬النظام‭ ‬وطالت‭ ‬يد‭ ‬الإرهاب‭ ‬عاصمة‭ ‬النظام‭. ‬كانت‭ ‬التفجيرات‭ ‬التى‭ ‬وقعت‭ ‬فى‭ ‬قلب‭ ‬“ميدان‭ ‬التحرير”‭ ‬فى‭ ‬القاهرة،‭ ‬واغتيال‭ ‬فرج‭ ‬فودةظواهر‭ ‬دالة‭ ‬على‭ ‬ضعف‭ ‬قوة‭ ‬النظام‭ ‬وقلة‭ ‬حيلة‭ ‬أجهزة‭ ‬الأمن‭ ‬فى‭ ‬التصدى‭ ‬لذلك‭ ‬الخطر‭.‬


فى‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬وفى‭ ‬محاولة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬النظام‭ ‬السياسى‭ ‬لإنقاذ‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬إنقاذه‭ ‬تحرك‭ ‬ممثلوه‭ ‬فى‭ ‬اتجاهين‭ ‬يبدوان‭ ‬متعارضين‭ ‬وإن‭ ‬كانا‭ ‬يهدفان‭ ‬لغاية‭ ‬واحدة‭. ‬كانت‭ ‬الحركة‭ ‬الأولى‭ ‬فى‭ ‬اتجاه‭ ‬التفاوض‭ ‬مع‭ ‬الحركات‭ ‬والتنظيمات‭ ‬الإرهابية،‭ ‬وفى‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬جرت‭ ‬ثلاث‭ ‬محاولات‭: ‬الأولى‭ ‬بين‭ ‬مجلس‭ ‬شورى‭ ‬تنظيم‭ ‬“الجهاد”‭ ‬داخل‭ ‬السجن‭ ‬بقيادة‭ ‬“عبود‭ ‬الزمر”‭ ‬وكبار‭ ‬ضباط‭ ‬مباحث‭ ‬أمن‭ ‬الدولة‭ ‬سنة‭ .‬1992‭ ‬والمحاولة‭ ‬الثانية‭ ‬توسط‭ ‬فيها‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬والمثقفين‭ ‬من‭ ‬التيار‭ ‬الإسلامى‭ ‬برز‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬أسماء‭ ‬“محمد‭ ‬متولى‭ ‬الشعراوي”‭ ‬و‭ ‬“محمد‭ ‬الغزالي”‭ ‬و”فهمى‭ ‬هويدي”‭ ‬و”محمد‭ ‬عمارة”‭ ‬و”عبدالصبور‭ ‬شاهين”،‭ ‬وشارك‭ ‬فيها‭ ‬وزير‭ ‬الداخلية‭ ‬“عبدالحليم‭ ‬موسي”‭ ‬سنة‭ ‬1993‭ ‬أما‭ ‬المحاولة‭ ‬الثالثة‭ ‬فجاءت‭ ‬بمبادرة‭ ‬من‭ ‬أمير‭ ‬الجماعة‭ ‬الإسلامية‭ ‬فى‭ ‬أسوان‭ ‬أثناء‭ ‬محاكمته‭ ‬مع‭ ‬آخرين‭ ‬فى‭ ‬ربيع‭ ‬عام‭ ‬1996‭ ‬ولكن‭ ‬الحكومة‭ ‬رفضت‭ ‬التفاوض‭ ‬لأنها‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬سيطرت‭ ‬أمنيا‭ ‬على‭ ‬الموقف‭ ‬منذ‭ ‬أواخر‭ ‬عام‭ ‬1995‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬محاولة‭ ‬اغتيال‭ ‬الرئيس‭ ‬فى‭ ‬إثيوبيا‭. ‬

ملاحظة‭ ‬جانبية‭ ‬لا‭ ‬ضرر‭ ‬منها‭: ‬رفضت‭ ‬جامعة‭ ‬القاهرة‭ ‬برئاسة‭ ‬الدكتور‭ ‬“مأمون‭ ‬سلامة”‭ ‬ونيابة‭ ‬الدكتور‭ ‬“محمد‭ ‬الجوهري”‭ ‬ترقية‭ ‬“نصر‭ ‬أبوزيد”‭ ‬فى‭ ‬سياق‭ ‬محاولة‭ ‬التفاوض‭ ‬الثانية‭ ‬بين‭ ‬النظام‭ ‬والإرهاب،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬“مأمون‭ ‬سلامة”و”عبد‭ ‬الحليم‭ ‬موسي”‭ ‬يلتقيان‭ ‬فى‭ ‬مسجد‭ ‬السيدة‭ ‬“نفيسة”‭ ‬رضى‭ ‬الله‭ ‬عنها،‭ ‬فكلاها‭ ‬من‭ ‬مجاذيبها‭!‬


كانت‭ ‬الحركة‭ ‬الثانية‭ ‬للنظام‭ ‬السياسى‭ ‬فى‭ ‬اتجاه‭ ‬“تجنيد”‭ ‬المثقفين‭ ‬فى‭ ‬معركته‭ ‬ضد‭ ‬الإرهاب‭ ‬والتطرف،‭ ‬وهى‭ ‬ليست‭ ‬حركة‭ ‬منفصلة‭ ‬عن‭ ‬حركته‭ ‬المشار‭ ‬إليها‭ ‬للتفاوض‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وساطة‭ ‬المثقفين‭ ‬الإسلاميين‭. ‬بدأت‭ ‬تلك‭ ‬الحركة‭ ‬الثانية‭ ‬بدعوة‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬المسئولين‭ ‬المشهود‭ ‬لهم‭ ‬بالاستنارة‭ ‬للقاءات‭ ‬مع‭ ‬مجموعات‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬والكتاب‭ ‬والمفكرين‭ ‬الذين‭ ‬اشتهروا‭ ‬دائما‭ ‬بروح‭ ‬المعارضة‭ ‬والنقد‭. ‬فى‭ ‬سياق‭ ‬تلك‭ ‬اللقاءات‭ ‬حدثت‭ ‬عملية‭ ‬إحلال‭ ‬رؤساء‭ ‬تحرير‭ ‬جدد‭ ‬لمجلات‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭. ‬ويعلم‭ ‬الجميع‭ ‬أن‭ ‬تغيير‭ ‬القيادات‭ ‬الثقافية‭ ‬بإحلال‭ ‬أسماء‭ ‬جديدة‭ ‬مكان‭ ‬الأسماء‭ ‬القديمة‭ ‬كان‭ ‬بهدف‭ ‬استيعاب‭ ‬رموز‭ ‬المعارضة‭ ‬الثقافية‭ ‬فى‭ ‬العهدين‭ ‬السابقين‭. ‬كما‭ ‬يعلم‭ ‬الجميع‭ ‬أن‭ ‬المختارين‭ ‬الجدد‭ ‬كانوا‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬المشهود‭ ‬لهم‭ ‬بالكفاءة‭ ‬والخبرة‭ ‬والمشاركة‭ ‬الإيجابية‭ ‬فى‭ ‬الهم‭ ‬العام‭. ‬كانوا‭ ‬مثقفين‭ ‬بكل‭ ‬معنى‭ ‬الكلمة،‭ ‬تعرضوا‭ ‬للاضطهاد‭ ‬بدرجات‭ ‬متفاوتة‭ ‬فى‭ ‬العهد‭ ‬السابق‭.‬


ومن‭ ‬المفارقات‭ ‬اللافتة‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬هؤلاء‭ ‬المثقفين‭ ‬الذين‭ ‬تم‭ ‬اختيارهم‭ ‬العمل‭ ‬الثقافى‭ ‬كانوا‭ ‬شديدى‭ ‬النقد‭ ‬للمثقفين‭ ‬الذين‭ ‬تعاونوا‭ ‬مع‭ ‬النظام‭ ‬السابق‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬“التغيير‭ ‬من‭ ‬الداخل”،‭ ‬فقد‭ ‬كانوا‭ ‬يرون‭ ‬أن‭ ‬“الفرد”‭ ‬ويحوله‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬“ترس”‭ ‬صغير‭ ‬فى‭ ‬آلته‭ ‬الجهنمية‭. ‬تغيرت‭ ‬وجهة‭ ‬النظر‭ ‬تلك‭ ‬فى‭ ‬أوائل‭ ‬التسعينات‭ ‬حين‭ ‬بدأت‭ ‬تلوح‭ ‬فى‭ ‬الأفق‭ ‬المائل‭ ‬العينى‭ ‬بمدنية‭ ‬“القاهرة”‭ ‬مخاطر‭ ‬“الإرهاب”‭ ‬الذى‭ ‬يتقنع‭ ‬بقناع‭ ‬الدين،‭ ‬وطالت‭ ‬يده‭ ‬أعناق‭ ‬المثقفين‭ ‬كما‭ ‬طالت‭ ‬بعض‭ ‬رموز‭ ‬السلطة‭ ‬والنظام،‭ ‬وهنا‭ ‬استعار‭ ‬المثقف‭ ‬الذى‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬“مفهوم‭ ‬التنوير”‭ ‬إحيائيا،‭ ‬أى‭ ‬التنوير‭ ‬كما‭ ‬صاغه‭ ‬السلف،‭ ‬سواء‭ ‬سلف‭ ‬التراث‭ ‬المعتزلة‭ ‬وابن‭ ‬رشد‭ ‬أو‭ ‬سلف‭ ‬النهضة،‭ ‬محمد‭ ‬عبده‭ ‬وطه‭ ‬حسين‭ ‬وسلامة‭ ‬موسي‭.. ‬الخ‭. ‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬لدى‭ ‬المثقف‭ ‬المطالب‭ ‬بالحركة‭ ‬السريعة‭ ‬لإطفاء‭ ‬“الحريق”،‭ ‬الذى‭ ‬يكاد‭ ‬يلتهم‭ ‬السلطة،‭ ‬وقتا‭ ‬لإنجاز‭ ‬صيغته‭ ‬“التنويرية”‭ ‬المستندة‭ ‬على‭ ‬قواعدها‭ ‬التراثية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التركيب‭ ‬النقدى‭ ‬الخلاق،‭ ‬ومن‭ ‬منطلق‭ ‬تحليل‭ ‬واع‭ ‬لأفاق‭ ‬اللحظة‭ ‬التاريخية‭ ‬فى‭ ‬سياق‭ ‬مغاير‭ ‬لفكرى‭ ‬التراث‭ ‬والنهضة‭ ‬معا‭. ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬وقت‭ ‬لذلك،‭ ‬فلنهلل‭ ‬للتنوير‭ ‬الجاهز‭ ‬ولنرفع‭ ‬أعلامه‭ ‬ونردد‭ ‬شعارته‭: ‬العقل‭ ‬بديلا‭ ‬عن‭ ‬النقل‭. ‬التسامح‭ ‬بديلا‭ ‬عن‭ ‬التعصب،‭ ‬قبول‭ ‬الآخر‭ ‬بديلا‭ ‬عن‭ ‬التقوقع‭ ‬داخل‭ ‬أسوار‭ ‬الأنا،‭ ‬الإبداع‭ ‬بديلا‭ ‬عن‭ ‬التقليد‭ ‬والاتباع‭. ‬الخ‭ ‬تلك‭ ‬الصيغ‭ ‬الجاهزة‭ ‬المعلبة‭ ‬المنتزعة‭ ‬من‭ ‬سياقها‭ ‬لتزرع‭ ‬فى‭ ‬سياق‭ ‬فكر‭ ‬غث‭ ‬تردادي،‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬فى‭ ‬بنيته‭ ‬عما‭ ‬يتصوره‭ ‬“نقيضه”،‭ ‬هذا‭ ‬الذى‭ ‬يمتح‭ ‬بدوره‭ ‬من‭ ‬مخزون‭ ‬سلفى‭ ‬أصابه‭ ‬العطن‭.‬


إن‭ ‬استعراضا‭ ‬سريعا‭ ‬لفكر‭ ‬النهضة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬منظومة‭ ‬علاقة‭ ‬المثقف‭ ‬بالسلطة‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تعلم‭ ‬المثقف‭ ‬المعاصر‭ ‬درسا‭ ‬لا‭ ‬ينسي،‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬الحديثة‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬كما‭ ‬هى‭ ‬فى‭ ‬العالمين‭ ‬العربى‭ ‬والإسلامى‭ ‬مع‭ ‬تفاوتات‭ ‬لا‭ ‬يعتد‭ ‬بها‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬العرض‭ ‬السريع‭ ‬تحتاج‭ ‬دائما‭ ‬للمثقف‭ ‬للقيام‭ ‬بدور‭ ‬تأصيل‭ ‬الأساس‭ ‬الإيديولوجى‭ ‬لنظامها‭ ‬السياسي،‭ ‬خاصة‭ ‬حين‭ ‬يكون‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تستوعب‭ ‬مفهوم‭ ‬“الحداثة”‭ ‬وتتزبيا‭ ‬بأزياء‭ ‬“العصرية”‭.‬


قام‭ ‬مشروع‭ ‬“التنوير”‭ ‬العربى‭ ‬تاريخيا‭ ‬على‭ ‬محاولات‭ ‬وجهود‭ ‬مفكرى‭ ‬الطبقة‭ ‬الوسطى‭ ‬فى‭ ‬سعيها‭ ‬لإقامة‭ ‬مشروع‭ ‬الدولة‭ ‬القومية‭ ‬“الحديثة”‭ ‬لتحل‭ ‬محل‭ ‬“الولاية”‭ ‬التابعة‭ ‬للإمبراطورية‭ ‬العثمانية،‭ ‬والتى‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬دخلت‭ ‬بدورها‭ ‬مرحلة‭ ‬الشيخوخة‭ ‬التى‭ ‬لا‭ ‬شفاء‭ ‬منها،‭ ‬مرحلة‭ ‬“رجل‭ ‬أوروبا‭ ‬المريض”‭ ‬والذى‭ ‬قررت‭ ‬أوروبا‭ ‬التخلص‭ ‬منه‭ ‬واقسام‭ ‬أملاكه‭ ‬منذ‭ ‬الربع‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر‭. ‬فى‭ ‬نفس‭ ‬القرن‭ ‬تقريبا‭ ‬كانت‭ ‬مصر‭ ‬الولاية‭ ‬العثمانية‭ ‬تدخل‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬فترات‭ ‬تطورها‭ ‬الاقتصادى‭ ‬والاجتماعي،‭ ‬وهى‭ ‬فترة‭ ‬يمكن‭ ‬تقسيمها‭ ‬إلى‭ ‬ثلاث‭ ‬مراحل‭. ‬تمثل‭ ‬المرحلة‭ ‬الأولى‭ ‬بداية‭ ‬إرهاصات‭ ‬النمو‭ ‬التجارى‭ ‬الرأسمالي‭: ‬“وذلك‭ ‬بفضل‭ ‬الانتعاش‭ ‬التجارى‭ ‬الذى‭ ‬شهدته‭ ‬مدينة‭ ‬القاهرة‭ ‬فى‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر”،‭ ‬وقبل‭ ‬الحملة‭ ‬الفرنسية‭ (‬1798‭ ‬1801‭) ‬التى‭ ‬ينسب‭ ‬إليها‭ ‬عادة‭ ‬الفضل‭ ‬كل‭ ‬الفضل‭ ‬فى‭ ‬انتقال‭ ‬المجتمع‭ ‬المصرى‭ ‬من‭ ‬“العصور‭ ‬الوسطي”‭ ‬إلى‭ ‬عصر‭ ‬“النهضة”‭. ‬لكن‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر‭ ‬شهد‭ ‬تزايد‭ ‬الاهتمام‭ ‬الفرنسى‭ ‬بمصر‭ ‬بوصفها‭ ‬مصدرا‭ ‬للحبوب‭ ‬الذى‭ ‬كانت‭ ‬فرنسا‭ ‬فى‭ ‬حاجة‭ ‬ماسة‭ ‬إليه‭ ‬لتغذية‭ ‬مارسيليا‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وبوصفها‭ ‬سوقا‭ ‬لمنتجاتها‭ ‬ومصنوعاتها‭ ‬عن‭ ‬جهة‭ ‬أخري،‭ ‬الأمر‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬تأثير‭ ‬مباشر‭ ‬تمثل‭ ‬فى‭ ‬تجميد‭ ‬الانتعاش‭ ‬التجارى‭ ‬المشار‭ ‬إليه،‭ ‬وأدى‭ ‬من‭ ‬ثم‭ ‬إلى‭ ‬نمو‭ ‬طبقة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المصريين‭ ‬يتزايد‭ ‬تركيز‭ ‬نشاطها‭ ‬فى‭ ‬مجال‭ ‬التصدير‭.‬


أما‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانية‭ ‬فتتمثل‭ ‬فى‭ ‬دولة‭ ‬محمد‭ ‬على‭ ‬التى‭ ‬تعد‭ ‬بشكل‭ ‬أساسى‭ ‬استمرار‭ ‬للاتجاهات‭ ‬التى‭ ‬بدأت‭ ‬فى‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر،‭ ‬ولا‭ ‬تمثل‭ ‬قطيعة‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬قبلها‭. ‬تزايد‭ ‬نمو‭ ‬القطاع‭ ‬الرأسمالى‭ ‬ولكن‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬متزايد‭ ‬لسيطرة‭ ‬الأقليات‭ ‬التجارية‭ ‬البحر‭ ‬متوسطية،‭ ‬والتى‭ ‬استطاعت‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬علاقتها‭ ‬الوثيقة‭ ‬بالعائلة‭ ‬الملكية‭ ‬التحكم‭ ‬فى‭ ‬الدولة‭. ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬شهدت‭ ‬مصر‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬الاستقرار‭ ‬والاستقلال‭ ‬النسبى‭ ‬نتيجة‭ ‬للتنافس‭ ‬التجارى‭ ‬فى‭ ‬السوق‭ ‬العالمي،‭ ‬وللسياسة‭ ‬البريطانية‭ ‬فى‭ ‬عشرينات‭ ‬القرن‭ ‬وثلاثينياته‭. ‬ولكن‭ ‬حين‭ ‬بدأت‭ ‬قوة‭ ‬محمد‭ ‬على‭ ‬المتنامية‭ ‬تهدد‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬العثمانية‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬بريطانيا‭ ‬تعتبرها‭ ‬مانعا‭ ‬حاجزا‭ ‬ضد‭ ‬التوسع‭ ‬الروسى‭ ‬قامت‭ ‬إنجلترا‭ ‬بالقضاء‭ ‬عليه‭. ‬وهكذا‭ ‬أدت‭ ‬اتفاقية‭ ‬لندن‭ ‬1940‭ ‬1941‭ ‬إلى‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬الاحتكار‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬التطور‭ ‬الاقتصادى‭ ‬المصري‭.‬


هكذا‭ ‬فى‭ ‬المرحلة‭ ‬الثالثة‭ ‬أصبح‭ ‬فى‭ ‬حكم‭ ‬المحتم‭ ‬أن‭ ‬تعتمد‭ ‬التنمية‭ ‬المصرية‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬زراعة‭ ‬المحصول‭ ‬الواحد‭ ‬الذى‭ ‬تتحكم‭ ‬فى‭ ‬تحديده‭ ‬طبقة‭ ‬من‭ ‬ملاك‭ ‬الأراضى‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬الوجود‭ ‬البريطاني‭.‬


كان‭ ‬التعبير‭ ‬الثقافى‭ ‬عن‭ ‬خط‭ ‬التطور‭ ‬المشار‭ ‬إليه‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬الإحياء‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬“كلاسيكية‭ ‬جديدة”،‭ ‬ففى‭ ‬المرحلة‭ ‬الأولى‭ ‬مرحلة‭ ‬الانتعاش‭ ‬التجارى‭ ‬فى‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر‭ ‬تم‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬إحياء‭ ‬“علم‭ ‬الحديث‭ ‬النبوي”‭ ‬مصحوبا‭ ‬بالتقنين‭ ‬بطرق‭ ‬شتى‭ ‬وعلى‭ ‬درجة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬الأهمية‭ ‬لأنشطة‭ ‬القطاع‭ ‬التجاري‭. ‬فى‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانية‭ ‬سيطرة‭ ‬الدولة‭ ‬فى‭ ‬عصر‭ ‬محمد‭ ‬على‭ ‬حدث‭ ‬فتور‭ ‬فى‭ ‬دراسة‭ ‬الحديث‭ ‬النبوى‭ ‬لحساب‭ ‬تزايد‭ ‬الاهتمام‭ ‬بعلم‭ ‬“الكلام”‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تبرير‭ ‬سياسة‭ ‬الإصلاح‭ ‬التى‭ ‬تبناها‭ ‬محمد‭ ‬علي‭. ‬وأخيرا‭ ‬كانت‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬دراسة‭ ‬“علم‭ ‬الحديث”‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬تعبيرا‭ ‬عن‭ ‬إفلاس‭ ‬إصلاحية‭ ‬محمد‭ ‬على‭ ‬البيروقراطية‭.‬


كان‭ ‬المشروع‭ ‬السياسى‭ ‬للدولة‭ ‬المصرية‭ ‬فى‭ ‬النصف‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬والمعبر‭ ‬أساسا‭ ‬عن‭ ‬الطموح‭ ‬الشخصى‭ ‬لمحمد‭ ‬على‭ (‬1815‭ ‬1840‭)‬،‭ ‬هو‭ ‬محاولة‭ ‬إعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬“الإمبراطورية‭ ‬العثمانية”‭ ‬فى‭ ‬صيغة‭ ‬عصرية‭ ‬حداثية‭. ‬من‭ ‬هنا‭ ‬استعار‭ ‬محمد‭ ‬على‭ ‬المفردات‭ ‬الإصلاحية‭ ‬لمشروعه‭ ‬من‭ ‬مفردات‭ ‬مشروع‭ ‬الإصلاح‭ ‬التركى‭ ‬إنشاء‭ ‬جيش‭ ‬عصر‭ ‬حديث‭ ‬مسلح‭ ‬بأسلحة‭ ‬عصرية،‭ ‬إرسال‭ ‬البعثات‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا‭ ‬لتحصيل‭ ‬العلوم‭ ‬العسكرية‭ ‬والاستعانة‭ ‬بالخبراء‭ ‬الأجانب‭ ‬للإشراف‭ ‬على‭ ‬إنشاء‭ ‬المؤسسات‭ ‬الجديدة،‭ ‬وتطوير‭ ‬الدواوين‭ ‬القديمة‭ ‬بما‭ ‬يتلاءم‭ ‬مع‭ ‬متطلبات‭ ‬المشروع‭ ‬الطموح‭. ‬وكان‭ ‬من‭ ‬الطبيعى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬“فرنسا”‭ ‬هى‭ ‬القبلة‭ ‬الأساسية‭ ‬بحكم‭ ‬ما‭ ‬تركته‭ ‬من‭ ‬أثر‭ ‬خلال‭ ‬حملة‭ ‬“نابليون‭ ‬إيجابى‭ ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬جوانبه‭ ‬وسلبى‭ ‬فى‭ ‬بعضها‭ ‬الآخر‭ ‬فى‭ ‬وعى‭ ‬النخبة‭ ‬من‭ ‬علماء‭ ‬الأزهر،‭ ‬وذلك‭ ‬للتقليل‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬أى‭ ‬معارضة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تثار‭ ‬فى‭ ‬وجه‭ ‬طموحاته‭ ‬من‭ ‬قبلهم‭. ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬هؤلاء‭ ‬العلماء‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬نصبوا‭ ‬محمد‭ ‬على‭ ‬حاكما‭ ‬على‭ ‬مصر‭ ‬وبايعوه‭ ‬مشترطين‭ ‬عليه‭ ‬“العدل‭ ‬بين‭ ‬الرعية”‭ ‬و”إقامة‭ ‬الأحكام‭ ‬والشرائع”‭ ‬و”مشاورة‭ ‬العلماء‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬الأمور”‭ ‬والا‭ ‬قاموا‭ ‬بعزله،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬العهد‭ ‬مصدر‭ ‬قلق‭ ‬لمحمد‭ ‬على‭ ‬لم‭ ‬يتخلص‭ ‬منه‭ ‬إلا‭ ‬بالتخلص‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬العلماء‭ ‬المناوئين‭ ‬باستخدام‭ ‬سلاحى‭ ‬العصا‭ ‬والجزرة‭.‬


كانت‭ ‬المؤسسات‭ ‬الجديدة‭ ‬المعبرة‭ ‬عن‭ ‬المشروع‭ ‬الإمبراطورى‭ ‬لمحمد‭ ‬على‭ ‬هى‭ ‬“المطبعة،‭ ‬الصحف‭ ‬إنشاء‭ ‬جريدة‭ ‬الوقائع‭ ‬المصرية‭ ‬“والمدارس‭ ‬العسكرية‭ ‬التقنية‭ ‬كالطب‭ ‬والتمريض‭ ‬والمهندسخانة‭. ‬وتمثلث‭ ‬الإيديولوجيا‭ ‬التى‭ ‬ساندت‭ ‬المشروع‭ ‬وسقطت‭ ‬مع‭ ‬سقوطه‭ ‬فى‭ ‬إحياء‭ ‬“علم‭ ‬الكلام”‭ ‬ذى‭ ‬الصبغة‭ ‬العقلانية‭ ‬التقليدية‭ ‬المحافظة‭ ‬الماتريدية‭ ‬بصفة‭ ‬خاصة‭ ‬ليحل‭ ‬محل‭ ‬علم‭ ‬“الحديث‭ ‬النبوي”‭ ‬فى‭ ‬موقع‭ ‬الصدارة‭ ‬والفعالية،‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬مطلوبا‭ ‬من‭ ‬الإيديولوجيا‭ ‬الجديدة‭ ‬أن‭ ‬تؤدى‭ ‬وظيفة‭ ‬مزدوجة‭ ‬مركبة‭ ‬لايقدر‭ ‬“الحديث‭ ‬النبوي”‭ ‬على‭ ‬الوفاء‭ ‬بها،‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬أدوات‭ ‬التفسير‭ ‬والتأويل‭ ‬عميقة‭ ‬وناجعة‭. ‬كان‭ ‬الدور‭ ‬المطلوب‭ ‬تبرير‭ ‬مشروع‭ ‬التحديث‭ ‬وتسويغه‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬دينى‭ ‬عقلانى‭ ‬نسبيا‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬والتصدى‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬لسحب‭ ‬البساط‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬أقدام‭ ‬المشروع‭ ‬“الوهابي”‭ ‬فى‭ ‬شبه‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية،‭ ‬والذى‭ ‬كان‭ ‬يمثل‭ ‬تهديدا‭ ‬مباشرا‭ ‬لمشروع‭ ‬محمد‭ ‬على‭ ‬الإمبراطوري‭. ‬وكان‭ ‬لكل‭ ‬مرحلة‭ ‬من‭ ‬المراحل‭ ‬المذكورة‭ ‬كذلك‭ ‬نسق‭ ‬خاص‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬الثقافة‭. ‬كانت‭ ‬المؤسسات‭ ‬هى‭ ‬المطبعة‭ ‬والصحف‭ ‬ومكاتب‭ ‬الترجمة،‭ ‬فى‭ ‬حين‭ ‬صارت‭ ‬المدارس‭ ‬الحكومية‭ ‬النظامية‭ ‬هى‭ ‬مؤسسات‭ ‬المرحلة‭ ‬الزراعية‭. ‬كان‭ ‬المثقف‭ ‬الذى‭ ‬صاغ‭ ‬تلك‭ ‬الإيديولوجيا‭ ‬الإحيائية‭ ‬هو‭ ‬الشيخ‭ ‬“حسن‭ ‬العطار”‭(‬ت‭ ‬1835‭) ‬أستاذ‭ ‬رفاعة‭ ‬الطهطاوى‭ ‬الذى‭ ‬درس‭ ‬فى‭ ‬الأزهر‭ ‬وتركيا‭ ‬ودمشق‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬وبصبح‭ ‬شيخا‭ ‬للأزهر‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1830‭ ‬حتى‭ ‬وفاته‭. ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬يبدو‭ ‬عصر‭ ‬النهضة‭ ‬امتدادا‭ ‬للكلاسيكية‭ ‬الجديدة‭ ‬فى‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر،‭ ‬فليس‭ ‬الطهطاوى‭ (‬1801‭ ‬1873‭) ‬إلا‭ ‬امتدادا‭ ‬تركيبيا‭ ‬فذا‭ ‬من‭ ‬أستاذة‭ ‬الشيخ‭ ‬حسن‭ ‬العطار‭ ‬ومن‭ ‬تجربة‭ ‬الرحلة‭ ‬إلى‭ ‬باريس‭.‬


لم‭ ‬يتجاوز‭ ‬خطاب‭ ‬الطهطاوى‭ ‬وعلى‭ ‬مبارك‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬التبريرى‭ ‬التسويغي،‭ ‬مع‭ ‬فارق‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاهله‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬التبرير‭ ‬فى‭ ‬حالة‭ ‬الطهطاوى‭ ‬خاصة‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬“استيعاب”‭ ‬حداثة‭ ‬أوروبا،‭ ‬الحداثة‭ ‬التى‭ ‬استوعبها‭ ‬فى‭ ‬رحلة‭ ‬باريس‭ ‬فى‭ ‬منظومة‭ ‬المعارف‭ ‬والعلوم‭ ‬الإسلامية‭ ‬بالقدر‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬متاحا‭ ‬له‭ ‬معرفيا‭ ‬كذلك‭. ‬هكذا‭ ‬يستوعب‭ ‬علم‭ ‬“أصول‭ ‬الفقه”‭ ‬مفاهيم‭ ‬مثل‭ ‬“النواميس‭ ‬الفطرية”‭ ‬أو‭ ‬“الحقوق‭ ‬الطبيعية”،‭ ‬فتتحول‭ ‬المفاهيم‭ ‬المؤسسة‭ ‬للمجتمع‭ ‬المدنى‭ ‬إلى‭ ‬مفاهيم‭ ‬دينية‭ ‬“الاستحسان‭ ‬والاستقباح”،‭ ‬وبالمثل‭ ‬يتم‭ ‬استيعاب‭ ‬منظومة‭ ‬“الحقوق‭ ‬والأحكام‭ ‬المدنية”‭ ‬فى‭ ‬“الفقه”‭ ‬التقليدي‭. ‬أما‭ ‬مبادئ‭ ‬“الحرية”‭ ‬و‭ ‬“المساواة”‭ ‬فليست‭ ‬إلا‭ ‬“العدل‭ ‬والإحسان”‭. ‬لا‭ ‬نسعى‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬التقليل‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬إنجاز‭ ‬الطهطاوى‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬إنجازات‭ ‬سابقيه‭ ‬أو‭ ‬لاحقيه،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬نسعىإلى‭ ‬تلمس‭ ‬الجذور‭ ‬المعرفية‭ ‬التاريخية‭ ‬للخلل‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬محايثا‭ ‬لمشروع‭ ‬النهضة‭ ‬وأدى‭ ‬فى‭ ‬النهاية‭ ‬إلى‭ ‬العودة‭ ‬مجددا‭ ‬بالانقلاب‭ ‬ضد‭ ‬الحداثة‭ ‬بطريقة‭ ‬التقدم‭ ‬إلى‭ ‬الخلف‭ ‬إلى‭ ‬التساؤل‭ ‬عن‭ ‬معنى‭ ‬النهضة‭.‬
رغم‭ ‬انهيار‭ ‬مشروع‭ ‬الحلم‭ ‬الإمبراطورى‭ ‬لمحمد‭ ‬على‭ ‬باتفاق‭ ‬لندن‭ ‬1840‭ ‬إبقاء‭ ‬على‭ ‬“رجل‭ ‬أوروبا‭ ‬المريض”‭ ‬فى‭ ‬غرفة‭ ‬الإنعاش‭ ‬حتى‭ ‬يتم‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬قواعد‭ ‬توزيع‭ ‬التركة‭ ‬لم‭ ‬ينكمش‭ ‬مشروع‭ ‬النهضة،‭ ‬ففى‭ ‬الوقت‭ ‬الذى‭ ‬بدأت‭ ‬فيه‭ ‬الجيوش‭ ‬فى‭ ‬التراجع‭ ‬كان‭ ‬حجم‭ ‬النخبة‭ ‬المصرية‭ ‬يتنامى،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬قاصرا‭ ‬على‭ ‬العلماء‭ ‬أو‭ ‬محصورا‭ ‬فى‭ ‬دائرة‭ ‬الأزهر‭. ‬انضم‭ ‬إلى‭ ‬قطاع‭ ‬النخبة‭ ‬الخبراء‭ ‬العسكريون‭ ‬وضباط‭ ‬الجيش‭ ‬المصريون،‭ ‬ثم‭ ‬تبعهم‭ ‬من‭ ‬تلقوا‭ ‬تعليمهم‭ ‬فى‭ ‬فرنسا‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬التوسع‭ ‬فى‭ ‬نظام‭ ‬البعثات‭ ‬ليضم‭ ‬أفرادا‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬الجيش‭ ‬يدرسون‭ ‬العلوم‭ ‬المدينة‭ ‬مثل‭ ‬علوم‭ ‬الإدارة‭ ‬والقانون‭ ‬والاقتصاد‭. ‬ويكفى‭ ‬لإثبات‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬استعراض‭ ‬أسماء‭ ‬الذين‭ ‬ساهموا‭ ‬فى‭ ‬“الثورة”‭ ‬العرابية‭ ‬وإنشاء‭ ‬أول‭ ‬حزب‭ ‬سياسى‭ ‬مصرى‭ ‬على‭ ‬أساس،‭ ‬هو‭ ‬الحزب‭ ‬الوطنى‭ (‬أحمد‭ ‬عرابى‭ ‬محمد‭ ‬عبده‭ ‬محمود‭ ‬سامى‭ ‬البارودى‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬النديم‭ ‬محمد‭ ‬عبيد‭ ‬على‭ ‬فهمي‭). ‬لقد‭ ‬كانت‭ ‬الثورة‭ ‬العرابية‭ ‬التى‭ ‬بدأت‭ ‬بالمطالبة‭ ‬بمساواة‭ ‬المصريين‭ ‬بغيرهم‭ ‬فى‭ ‬الترقى‭ ‬إلى‭ ‬المناصب‭ ‬العليا‭ ‬فى‭ ‬الجيش‭ ‬تعبيرا‭ ‬سياسيا‭ ‬عن‭ ‬بداية‭ ‬استواء‭ ‬كيان‭ ‬الطبقة‭ ‬الوسطى‭ ‬المصرية‭. ‬وتنامت‭ ‬المؤسسات‭ ‬الحديثة‭ ‬وتزايد‭ ‬عندها‭ ‬فأنشئت‭ ‬“مدرسة‭ ‬الألسن”‭ ‬ومطبعة‭ ‬“بولاق”،‭ ‬كما‭ ‬تزايد‭ ‬عدد‭ ‬الصحف‭ ‬اليومية‭ (‬تم‭ ‬تأسيس‭ ‬الأهرام‭ ‬عام‭ ‬1875‭) ‬والمجلات‭ ‬الأسبوعية‭ ‬والشهرية‭ (‬أنشئت‭ ‬“دار‭ ‬الهلال”‭ ‬عام‭ ‬1892‭). ‬ولم‭ ‬يوقف‭ ‬الاحتلال‭ ‬البريطانى‭ ‬لمصر‭ (‬1882‭) ‬هذا‭ ‬المد‭ ‬إلا‭ ‬لبعض‭ ‬الوقت،‭ ‬فلم‭ ‬تلبث‭ ‬الحركة‭ ‬الوطنية‭ ‬المصرية‭ ‬أن‭ ‬نهضت‭ ‬ضد‭ ‬الاحتلال‭ ‬وواصلت‭ ‬كفاحها،‭ ‬فكانت‭ ‬ثورة‭ ‬1919‭ ‬بكل‭ ‬تجلياتها‭ ‬وتعبيراتها‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والفكرية‭ ‬الثقافية‭ ‬تمثل‭ ‬مرحلة‭ ‬الاكتمال‭ ‬التى‭ ‬تجسدت‭ ‬فى‭ ‬الاستقلال‭ ‬السياسى‭ ‬بصدور‭ ‬تصريح‭ ‬28‭ ‬فبراير‭ ‬1922‭ ‬وصدور‭ ‬دستور‭ ‬1923،‭ ‬أول‭ ‬دستور‭ ‬مدنى‭ ‬يدشن‭ ‬مجتمعا‭ ‬جديدا‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والعقد‭ ‬الاجتماعى‭ ‬والمساواة‭ ‬بين‭ ‬المواطنين‭ ‬لا‭ ‬الرعايا‭ ‬فى‭ ‬الحقوق‭ ‬والواجبات‭. ‬وفى‭ ‬مرحلة‭ ‬الاكتمال‭ ‬تلك‭ ‬تعددت‭ ‬المؤسسات‭ ‬الثقافية‭ ‬لتضم‭ ‬المسرح‭ ‬والسينما‭ ‬بل‭ ‬والأوبرا‭ ‬والجامعة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الأحزاب‭ ‬والنقابات‭ ‬والجمعيات‭ ‬والنوادى‭ ‬الثقافية‭ ‬والرياضية‭.‬
لقد‭ ‬تطور‭ ‬مشروع‭ ‬النهضة‭ ‬فى‭ ‬النصف‭ ‬الثانى‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬تطورا‭ ‬شهد‭ ‬البذور‭ ‬الأولى‭ ‬لملامح‭ ‬انقسامه‭ ‬إلى‭ ‬مشروعين‭: ‬يعتمد‭ ‬أحدهما‭ ‬المرجعية‭ ‬الحداثية‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬الفصل‭ ‬التام‭ ‬بين‭ ‬الدينى‭ ‬والدنيوي،‭ ‬بينما‭ ‬يعتمد‭ ‬الآخر‭ ‬والذى‭ ‬يعد‭ ‬الإمام‭ ‬“محمد‭ ‬عبده”‭ ‬بدون‭ ‬منازع‭ ‬المرجعية‭ ‬الإسلامية‭ ‬فى‭ ‬اتجاهاتها‭ ‬العقلية‭ ‬الفلسفية‭ ‬والفقهية‭ ‬التى‭ ‬تتقبل‭ ‬منجزات‭ ‬الحداثة‭ ‬الأوروبية‭ ‬دون‭ ‬تعارض‭ ‬أو‭ ‬صدام‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬وليد‭ ‬الاحتلال‭ ‬البريطانى‭ ‬لمصر‭ ‬فقط،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬الاحتلال‭ ‬قد‭ ‬ساهم‭ ‬فى‭ ‬بلورته،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يمثل‭ ‬الصدام‭ ‬العسكرى‭ ‬بين‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامى‭ ‬والغرب‭ ‬منذ‭ ‬الحروب‭ ‬الصليبية‭ ‬أى‭ ‬منذ‭ ‬القرن‭ ‬العاشر‭ ‬حضانته‭ ‬الأولي‭. ‬ويمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬السيطرة‭ ‬سياسيا‭ ‬وفكريا‭ ‬استقرت‭ ‬لصالح‭ ‬مشروع‭ ‬المرجعية‭ ‬الإسلامية‭ ‬بصفة‭ ‬عامة،‭ ‬ثم‭ ‬انقسمت‭ ‬هذه‭ ‬المرجعية‭ ‬بين‭ ‬مرجعية‭ ‬التراث‭ ‬العقلانى‭ ‬المتفتح‭ ‬على‭ ‬التراثات‭ ‬الأخري،‭ ‬وبين‭ ‬مرجعية‭ ‬التراث‭ ‬“السلفي”‭ ‬الذى‭ ‬ساد‭ ‬الفضاء‭ ‬السياسى‭ ‬والاجتماعى‭ ‬للعالم‭ ‬الإسلامى‭ ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬الخامس‭ ‬الهجري،‭ ‬الثانى‭ ‬عشر‭ ‬الميلادي‭.‬
لسنا‭ ‬فى‭ ‬حاجة‭ ‬لتتبع‭ ‬حالات‭ ‬الاحتقان‭ ‬الناشئة‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الانقسام،‭ ‬فيكفى‭ ‬أن‭ ‬نعلم‭ ‬أن‭ ‬“قاسم‭ ‬أمين”‭ ‬و”طه‭ ‬حسين”‭ ‬و‭ ‬“على‭ ‬عبدالرازق”‭ ‬ينتميان‭ ‬إلى‭ ‬عقلانية‭ ‬“محمد‭ ‬عبده”،‭ ‬فى‭ ‬حين‭ ‬ينتمى‭ ‬“محمد‭ ‬رشيد‭ ‬رضا”‭ ‬و‭ ‬“حسن‭ ‬البنا”‭ ‬إلى‭ ‬الجانب‭ ‬السلفى‭ ‬فى‭ ‬خطابه،‭ ‬وهو‭ ‬الجانب‭ ‬الذى‭ ‬تبناه‭ ‬رشيد‭ ‬رضا‭ ‬فى‭ ‬منازلته‭ ‬لأطروحات‭ ‬على‭ ‬عبدالرازق‭. ‬فى‭ ‬جيل‭ ‬لاحق‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نصنف‭ ‬“أمين‭ ‬الخولي”‭ ‬أو‭ ‬“محمد‭ ‬أحمد‭ ‬خلف‭ ‬الله‭ ‬“‭ ‬فى‭ ‬جانب‭ ‬و‭ ‬“أحمد‭ ‬أمين”‭ ‬و”شوقى‭ ‬ضيف”‭ ‬فى‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬والكل‭ ‬ينتمى‭ ‬إلى‭ ‬“طه‭ ‬حسين”‭. ‬كان‭ ‬التعبير‭ ‬المؤسسى‭ ‬عن‭ ‬الانقسام‭ ‬المشار‭ ‬إليه‭ ‬هو‭ ‬حرص‭ ‬“على‭ ‬مبارك”‭ ‬على‭ ‬إنشاء‭ ‬“مدرسة‭ ‬دار‭ ‬العلوم”‭ ‬للجمع‭ ‬بين‭ ‬دراسة‭ ‬التراث‭ ‬ودراسة‭ ‬العلوم‭ ‬العصرية،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬يجد‭ ‬مقاومة‭ ‬شديدة‭ ‬فى‭ ‬المؤسسة‭ ‬العتيقة،‭ ‬مؤسسة‭ ‬“الأزهر”‭. ‬وتلا‭ ‬ذلك‭ ‬إنشاء‭ ‬“مدرسة‭ ‬القضاء‭ ‬الشرعي”‭ ‬للجمع‭ ‬بين‭ ‬دراسة‭ ‬“الفقه”‭ ‬ودراسة‭ ‬أنظمة‭ ‬القانون‭ ‬والمحاكم‭ ‬العصرية،‭ ‬وهى‭ ‬المدرسة‭ ‬التى‭ ‬سعى‭ ‬“محمد‭ 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة