فورين بوليسي : تمرد فاجنر يهدد صداقة الصين وروسيا!
فورين بوليسي : تمرد فاجنر يهدد صداقة الصين وروسيا!


فورين بوليسي: تمرد فاجنر يهدد صداقة الصين وروسيا

أ ش أ

السبت، 22 يوليه 2023 - 12:41 م

مع إعلان مجموعة فاجنر الروسية شبه العسكرية تمردها على الكرملين الشهر الماضي، بدا للوهلة الأولى أن الصين لا تولي اهتماما كبيرا لمحاولات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المتعثرة لكبح جماح هؤلاء المرتزقة. وعلى الرغم من أن بكين أصدرت في النهاية بيانا علنيا لدعم الرئيس الروسي، إلا أنها - في تقدير متابعين- انتظرت طويلا قبل إعلان هذا البيان لمراقبة على ما يبدو مدى قوة قبضة بوتين على السلطة. 


وذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن الواقع يشير إلى أن احتمال فشل موسكو في كبح جماح المرتزقة الروس (فاجنر) في المناطق التي تتواجد فيها المصالح الاقتصادية الصينية يمكن أن يسبب شرخا في "الصداقة بلا حدود" بين الصين وروسيا.

اقرأ ايضاً| أوكرانيا: الجيش الروسي يحتفظ بـ10 سفن حربية في مهمة قتالية في البحر الأسود


وأوضحت المجلة أن الخطر المباشر يكمن في التداعيات المحتملة لفصائل ربما تنشق عن مجموعة فاجنر تحت إدارات جديدة، ما من شأنه أن يضر بأمن مبادرة "الحزام والطريق" الصينية وسلامة العمال الصينيين في الخارج، لاسيما في قارة إفريقيا وفي دول أخرى.


وأشارت المجلة إلى أنه لتعزيز الإجراءات الأمنية للشركات الصينية التي تستثمر في الخارج، تكثف بكين تقييمات التهديدات الإقليمية وتقدم تدريبا أمنيا للعمال قبل إيفادهم إلى الخارج. ومع ذلك، ورغم جهود بكين ذات الصلة، إلا أن المخاطر التي يواجهها العمال الصينيون واستثمارات مبادرة الحزام والطريق تتصاعد بوتيرة أسرع.


ونوهت "فورين بوليسي" إلى أن حجم الاستثمار الأجنبي المباشر الصيني في إفريقيا يتزايد بشكل مطرد منذ عام 2003، حيث ارتفع من 75 مليون دولار في عام 2003 إلى 5 مليارات دولار في عام 2021. وبينما تبحث بكين عن ضمانات أمنية توفرها موسكو (عبر مجموعاتها شبه العسكرية مثل فاجنر)، فإن شركات الأمن الخاصة الصينية (PSCs) العاملة في إفريقيا بدأت هي الأخرى الاستعداد للقيام بدور فعال في هذا الشأن، حيث إن عددا كبيرا من الشركات الصينية الخاصة تسعى حاليا لتوسيع نطاق وجودها في بيئات أكثر تعقيدا.


بلا شك، تواجه الصين معضلة كبرى تتمثل في التوفيق بين العقيدة الماوية (فكر الزعيم الصيني ماو تسي تونغ) المتعلقة بالاحتفاظ بالسيطرة المطلقة على البندقية (أن تكون بكين هي المتحكم بشكل مطلق في أي قوات تؤمن مصالحها) وبين كيفية حماية المواطنين الصينيين في الخارج دون الاستعانة بمصادر خارجية مثل فاجنر أو تطوير الشركات الأمنية الصينية لتصبح على غرار شركة "بلاك ووتر" الأمريكية؟ 


في الماضي، أخذت الولايات المتحدة وفرنسا زمام المبادرة في تنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب والقرصنة في أفريقيا، ما ساعد حينها على حماية الاستثمارات الصينية من التهديدات المباشرة. ولكن، لم يعد هذا هو الحال الآن، حيث ولت الأيام التي كان يمكن فيها للشركات الصينية المملوكة للدولة الاعتماد على المظلة الأمنية الغربية، وأصبح الضمانات الأمنية لدى الصين حاليا في إفريقيا محدودة.


فعلى سبيل المثال، في حالة مالي، أنهى الجيش الفرنسي عملية مكافحة الإرهاب التي استمرت قرابة تسع سنوات، بعد خلاف كبير مع السلطات في مالي؛ ما دفع مجموعة فاجنر للتدخل بناء على طلب باماكو. وتجدر هنا الإشارة إلى مقتل ثلاثة مدراء تنفيذيين من شركة بناء السكك الحديدية الصينية المملوكة للدولة في فندق "راديسون بلو باماكو" في عام 2015، ووقعت مذبحة بدم بارد لتسعة عمال مناجم صينيين في جمهورية إفريقيا الوسطى. وبينما لا يزال التحقيق مفتوحا في المذبحة، إلا أن بعض الاتهامات تشير إلى مرتزقة فاغنر العاملين في المنطقة، ما يؤكد أن بكين قد تحتاج قريبا إلى تعزيز وجودها الأمني في المنطقة أو التفاوض مع المرتزقة الروس.


وترى "فورين بوليسي" أنه منذ نفي زعيم فاجنر "يفجيني بريجوجين" إلى بيلاروسيا، يمكن تلخيص خيارات بقاء فاجنر خارج أوكرانيا في ثلاثة سيناريوهات، هي: توجه بريجوجين إلى إفريقيا والاستقرار هناك، أو استمرار فاجنر تحت إدارة جديدة، أو تفكيك المجموعة إلى خلايا منشقة. ولكن الخيارات الثلاثة سوف تتسبب في كارثة لبكين، حيث إن أنشطة المرتزقة تزدهر بشكل عام في ظل فوضى يمكن السيطرة عليها، في حين أن مبادرة الحزام والطريق تحتاج إلى الاستقرار لتزدهر. 


وتؤكد المجلة الأمريكية أن الوضع يمثل سلاحا ذا حدين لبكين، فمجموعة فاجنر (حال استمرارها على الوضع الحالي ولجوء الصين للتعاون معها)، تواجه اتهامات كثيرة من شعوب الدول الأفريقية التي تنشط بها بأنها جاءت لتسلب ثرواتهم، كما أن عواقب اختيار عناصر مسلحة غير خاضعة للمساءلة وغير مدربة جيدا ستكون وخيمة أيضا على بكين، حيث يمكن أن تتسبب هذه العناصر في حالة من الفوضى، وتعرض نسيج المجتمع المحلي الذي تنشط به للخطر، وبالتالي تعريض مبادرة الحزام والطريق والمبدأ الذي ترتكز عليه بتحقيق المكسب للجميع لخطر داهم.


وأشارت المجلة إلى أنه في حال حدوث سيناريو انقسام فاجنر إلى مجموعات من المرتزقة المدججين بالسلاح، سعيا وراء تحقيق مكاسب مالية من خلال الفوضى، (واستقرار بكين على خيار التعاون معها)، سيصبح الوضع أكثر تعقيدا بالنسبة لبكين حيث ستحتاج حينها إلى التفاوض بشأن اتفاقيات منفصلة مع مجموعات فاجنر بقياداتها المختلفة.


كما أن الامتثال لمقترحات خبراء الأمن الصينيين بضرورة وجود استراتيجية أمنية خاصة أكثر قوة لبكين في الخارج، وتوسيع الصين لنطاق وجود جيش التحرير الشعبي خارج حدود الصين، من شأنه تدمير مبدأ أساسي لطالما دافعت عنه بكين يتمثل في "عدم التدخل"، ما سيؤثر على مدى مصداقيتها في المستقبل.


وفي حين أن بكين تضم حاليا أكثر من 8000 شركة أمنية خاصة في البر الرئيسي (داخل الصين) وعدة مئات من الشركات المسجلة في الخارج، فإن الحزب الشيوعي الصيني الحاكم يسيطر عليها جميعا. ورغم تطور قطاع الأمن الخاص الصيني، إلا أن بكين تحد من وصول الشركات الأمنية الخاصة إلى الأسلحة، ما يجبرها على الاعتماد على حراس مسلحين من جماعات محلية أو أجنبية. وقد ظهرت على مدار العقد الماضي دعوات من خبراء عسكريين صينيين لإضفاء الطابع المهني على قطاع الأمن الخاص وإعادة هيكلته لتقليد النموذج العسكري الغربي الخاص (مثل بلاك ووتر) أو حتى النموذج الروسي (فاجنر)، ولكن لا تزال بكين تكافح لإيجاد حل فعال لمعضلتها المتعلقة بالتمسك بعقيدة (ماو تسي تونغ) بالسيطرة المطلقة على البندقية وحماية عمالها ومصالحها في الخارج.


ولفتت "فورين بوليسي" إلى أنه رغم أن العديد من الشركات العسكرية الخاصة الروسية كانت تستكشف بنشاط خلال الفترة الماضية فرص تقديم خدمات مسلحة لحماية مبادرة الحزام والطريق والدفاع عن السفن الصينية ضد القراصنة، إلا أن الإجراءات الأخيرة التي قام بها بريجوجين في موسكو (التمرد) ربما تكون قد أدت فعليا إلى وضع حد لأي تعاون مستقبلي محتمل في هذا الصدد. لذا، فإن شركات الأمن الصينية ذات القدرات المتزايدة يمكن أن تلعب دورا في هذا الشأن، ولكن يتبقى الوصول إلى صيغة تضمن لبكين السيطرة على هذه القوات شبه العسكرية وإبقائها تحت قيود صارمة لتجنب أي عواقب غير مرغوبة.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة