عمرو الديب
عمرو الديب


صدى الصوت

«الحكيم» سميرى!

عمرو الديب

الأحد، 23 يوليه 2023 - 07:06 م

ما أمس حاجتى إلى مثلها، وما أشد ظمئى إلى المثول فى حضرتها، أتنسم عبيرها وألوذ بحانى لمساتها الرقيقة.. تلك الليالى البعيدة الغارقة فى ظلمة أعماق الذاكرة، وقد استعادت المخيلة مذاقها الآسر وعبقها الفاتن تحت وطأة هذه الفترة المؤرقة بقيظ غير مسبوق، وأجواء صيفية ساخنة تشبه تلك المحفورة فى الذهن، وعلى ما أذكر احتلت تلك الليالى المستقرة فى الوجدان منتصف أغسطس من ذلك الزمن البعشيد الذى احتضن صباى، وأنا فى إجازتى الصيفية أهنأ بأيام عطلة مديدة، ولكنها مؤرقة بقيظ رطب، وأجواء ساخنة لم تكن تعرف بعد نكبات التغييرات المناخية التى يشقى بها العالم الآن،

ولكنها على أية حال بدت وقتها معذبة للجميع تحت سياط الحر اللافت وصفعات الرطوبة الخانقة حيث يستعصى النوم، وتتقلب الأجسام فى الفرش قلقة حائرة لا تقر، ولا توجد راحة، فتهب إلى الشرفات والنوافذ تلتمس نسمة عابرة تحنو على الوجوه المصفوعة، وأتذكر بداية هذه الليالى التى لذت فيها بالشرفة، وفى يدى مجموعة من كتبه التى يحتفظ بها شقيقى الأكبر فى مكتبته المتواضعة، ورغم صغر السن حينها تجرأت على أن ابدأ برائعته «أهل الكهف»، حيث جلست متهيبا،  وأنا أتهيأ لخوض تجربة غير مسبوقة فى حياتى، وما إن قطعت أول الرحلة صفحات معدودات بدأ أوار الرهبة يخبو شيئا فشيئا، ومضيت تحدونى الثقة فى نفسى،

وفى قدراتى، على ما أذكر كنت لم أزل فى الصف الثانى من المرحلة الإعدادية وبدأ نجم الفكر الساطع توفيق الحكيم لى غاية بعيدة محلقة فى الأفلاك، ولكنى تجاسرت واقتحمت التجربة تحت دفع حرارة الأجواء، وملل السهر المؤرق بلفحات السخونة، والرطوبة، والأرق الغالب، وصحيح أنها لم تكن أول ليلة قراءة فقد سبقتها العديد من الليالى فى قراءة قصص الجريمة، والألغاز، وبعض حكايات ألف ليلة، وقصص «كامل كيلانى» إضافة إلى القصص المصورة لسمير وميكى إلا أنها سطرت تاريخا جديدا فى حياتى وأطلقت رحلة امتدت وطالت وتعمقت وتحولت إلى عشق حقيقى وغرام فاقت حدته سخونة الأجواء المصفوعة بضربات القيظ.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة