حازم نصر
حازم نصر


يوميات الأخبار

حازم نصر يكتب: أطباء هذا الزمان

حازم نصر

الإثنين، 24 يوليه 2023 - 06:09 م

«أشكر الله أن اختارني لأكون سببا فى شفاء الناس» عبارة قالها السير مجدى يعقوب ويجب أن يعيها شباب الأطباء الطامحون في الوصول لمكانته العالمية.

◄ الدكتور محمد يتفضل
وأنا طالب بكلية الطب ظهر عندى حساسية شديدة فى فروة الرأس والوجه، وكنت أتمنى تقشير الجلد حتى أرتاح، وبعد محاولات العلاج دون فائدة ذهبت لطبيب أمراض جلدية فى جامعة المنصورة اسمه «على حجازي» وكانت عيادته مزدحمة عن آخرها من كل المحافظات، لأنه كان من أفضل أطباء مصر فى تخصصه .

سألت عن قيمة الكشف، فوجدت أننى لن أستطيع أن أدفعه، وتوجهت إلى السكرتير بحذر وأخرجت كارنيه الكلية، وبصوت ضعيف قلت له :
« بلغ الدكتور فيه طالب بكلية الطب عايز يكشف ولا يملك قيمة الكشف» السكرتير ضحك وأجلسنى مكانه على الكرسى، ودخل للدكتور وثوانى وطلع ينادى بصوت عالى :
الدكتور محمد يتفضل يقابل الدكتور على. طبعا أنا ظللت مكانى لأنى لست دكتورا رسميا، وكمان المفروض أكون آخر واحد يكشف هذا لو الدكتور وافق أصلا يكشف عليا
السكرتير شاور على وقال :

اتفضل يا دكتور، دخلت غرفة الكشف فوجدت دكتور»على» مبتسما ويقول : «هو فيه دكتور بيمرض» رديت عليه وقلت الحمد لله .. كشف عليا وقال يا راجل بسيطة قوى وأعطانى كريم وشامبو القشرة. وقال: لما يخلصوا تعالى خد تانى من عند السكرتير لأن لازم تدهن لمدة شهر ونصف.

وأضاف: شوف يا «محمد» انا زميلك زى أخوك أو أبوك، ولازم تعمل الخير مع كل الناس وتشيلهم على رأسك
الله يرحمك يا دكتور «على» ويكرمك كما أكرمتنى .

تلك الكلمات كتبها الطبيب « محمد المصري» بصفحته على فيس بوك وأرسلها لى الصديق الإذاعى أحمد إبراهيم المستشار الإعلامى لوزير الزراعة لمعرفته بمدى علاقتى الوثيقة بالمرحوم الدكتور على حجازى عميد طب المنصورة الأسبق وأعز أصدقاء العمر ..الرجل تعامل مع طالب الطب بما يحفظ عليه كرامته وغرس بداخله درسا كان يدرك يقينا أنه لن يفارقه وأن غرس قيم الطب عمليا لا تقل أهمية عن دراسته بالمدرجات والمعامل .

لم أستغرب مما حكاه الطبيب المصرى من معاملة الدكتور حجازى له فى عيادته عندما كان طالبا ..فما تحتفظ بها ذاكرتى عن مواقف الرجل الإنسانية رغم مرور عشرين عاما على رحيله يصعب الإحاطة بها .

الدكتور حجازى لم يضجر يوما من مريض غير قادر أرسلته له وكنت أمازحه :
«ليا نصف العيادة بوضع اليد يا سيادة العميد»

فيرد بهدوئه المعهود : «بل العيادة كلها»

ولم يغادر أى مريض غير قادر عيادته إلا بعد أن يكون قد دبر له علاجه بعد الكشف عليه مجانا إذ كان يحتفظ فى عيادته بدواء خصصه لهؤلاء المرضى .

كنا نلتقى يوميا بمكتب «أخبار اليوم بالمنصورة» بعد انتهاء عيادته المجاورة للمكتب وينضم إلينا الأخ والصديق الراحل الدكتور صالح عطية رئيس الجمعية المصرية الأسبق لطب المخ والأعصاب وأحد أهم أساتذة مصر فى هذا التخصص الدقيق وعدد من أساتذة الطب كل منهم وفق ظروفه .

كان حجازى عف اللسان لا يذكر أحدا فى مجلسه بسوء وكانت غضبته شديدة عندما يعلم أن أحد الأطباء استغل مريضا أو أهمل فى علاجه .

حجازي وعطية كانا نموذجين من الأطباء الذين يضن علينا الزمان بهم .. أدركا أن الطب رسالة إنسانية سامية وأن الطبيب يجب أن يتسم بالحكمة والنزاهة والنبل فى معاملة مرضاه ..كما يتحتم عليه أن يظل دائم الاطلاع على كل ما هو جديد حتى يتيح لمريضه أيسر طرق العلاج وألا يفرق فى المعاملة بين مريض وآخر بسبب القدرة المادية أو الوجاهة الاجتماعية .

لم يحصل أى منهما على جنيه واحد من طالب طب أو أسرته أو من مريض غير قادر وكانت تعليماتهما واضحة للعاملين معهما بتطبيق هذا النهج دون العودة إليهما ..أما الرواتب الشهرية التى خصصها حجازى للطلاب الفقراء الفائقين من أبناء قريته وللأسر الأولى بالرعاية فقد غيرت مسار حياتهم .. كما لم يختلف صالح عطية عن صديق عمره فى عمل الخير .

وعندما تولى حجازي عمادة الطب عرض على عطية منصب مدير عام مستشفيات الجامعة ثقة منه فى قدرته ونزاهته لكن الأخير اعتذر حرصا على أن تظل علاقتهما بعيدة عن أى تأويل .

قام حجازى خلال فترة عمادته بتطوير مدرجات الكلية ومعاملها ومناهجها لتساير العصر وكان موقنا بضرورة تأهيل طالب الطب المصرى بما يجعله قادرا على استيعاب كل معطيات العصر واستمرار التميز على المستوى العالمي.

رحم الله على حجازى وصالح عطية وكل أطباء مصر العظام الذين انتقلوا لرحابه ولم يسعوا لتكوين ثروة من الطب لكنهم تركوا سيرة ناصعة البياض وعلما ينتفع به ليكونوا فى بطن الأرض أحياء .

◄ عمرو سرحان
ما دفعنى لتذكر جانب يسير من سيرة حجازى وعطية ما حدث منذ أيام .. اتصل بى أحد الزملاء من القاهرة يوصينى خيرا بابن جار له قادم للمنصورة لمناظرة حالته ..فهمت من والد الطفل المريض أن له موعدا بمستشفى الأطفال بالمنصورة الذى يعد واحدا من أفضل مستشفيات الأطفال بالشرق الأوسط .
فى اليوم التالى فوجئت بالرجل يتصل بى مستغيثا أنه جاء متأخرا نتيجة ظروف الطريق ولم يلحق بالموعد المحدد له ولا يعلم كيف سيتصرف .
اتصلت بالصديق العزيز الدكتور عمرو سرحان عميد طب المنصورة الأسبق وأحد كبار أساتذة طب الأطفال بمصر طالبا منه مساعدة الضيف بأن يكلف أحد تلاميذه بالمهمة .
العميد كان فى طريقه للكلية لانشغاله بامتحانات الدكتوراه فغير وجهته إلى المركز ليناظر الطفل القادم من القاهرة بنفسه قبل بدء الامتحانات وعندما اتصلت لأشكره قال لي:
رغم أنى أغلقت عيادتي لمشاغل عديدة إلا أنه يستحيل أن أتخلف عن نجدة طفل.
واستطرد:
هذا الطفل ومن هم فى مثل ظروفه فى حاجة لأن نطبطب عليهم وليس أقل من أن أذهب إليه فهذا واجب على وليس تفضلا منى.

كلمات العميد الطبيب الإنسان أعادت لذاكرتي كلمات أستاذه المرحوم الدكتور على حجازى الذى سبق وأسر لى بها وهى أنه يتمنى أن يتولى سرحان ومن هم فى مثل كفاءته عمادة الكلية وهو ما حدث بالفعل لاحقا بعد الراحلة العظيمة الدكتورة فرحة الشناوي أول سيدة تتولى عمادة الكلية عندما تم تصعيدها كأول سيدة تتولى منصب نائب رئيس الجامعة لتستمر المسيرة الناجحة لطب المنصورة التي أصبحت تتصدر كليات الطب المصرية وتعاقب على عمادتها نخبة من الأساتذة حافظوا على تفردها انتهاء بعميدها الحالى الدكتور أشرف شومه عبد الوهاب وأبو العينين.

تصدرت جامعة المنصورة الجامعات المصرية فى حصد جوائز الدولة لهذا العام بحصول أساتذتها على 9 جوائز ..كان فى مقدمة الفائزين طبيبان عالميان هما الدكتور حسن أبو العينين مدير مركز الكلى والمسالك البولية الأسبق بحصوله على أرفع الجوائز وهى جائزة النيل و الدكتور محمد عبد الوهاب رئيس فريق زراعة الكبد بمركز جراحة الجهاز الهضمي ومدير المركز الأسبق بحصوله على جائزة الدولة للرواد.

عطاء العالمين العلمي والإنساني سيظل مصدر فخر لهما وللجامعة حيث يحظيان بمكانة رفيعة على المستوى العالمى كل فى تخصصه ..كما كان حصول 7 أساتذة آخرين معظمهم من الشباب على باقى الجوائز دليل على تواصل الأجيال وتميز البحث العلمي بالجامعة .

خالص التهنئة للفائزين وللصديقين الدكتور شريف خاطر رئيس الجامعة والدكتور أشرف حافظ نائب رئيس الجامعة للدراسات العليا والبحوث والذى ترك بصمات واضحة على هذا القطاع الحيوى .

◄ السير مجدي يعقوب
« أشكر الله أن اختارني لأكون سببا فى شفاء الناس»

عبارة قالها السير مجدى يعقوب يجب أن يعيها شباب الأطباء الذين يطمحون في الوصول لمكانته العالمية .
الرجل وصديقه العالم الكبير الدكتور محمد غنيم رائد زراعة الكلى بالشرق الأوسط أصبحا من رموز الطب فى العالم ونثق أن شباب أطباء مصر سيحرصون على أن يتخذوا تلك النماذج المشرفة من أطباء هذا الزمان نبراسا لهم ليحافظوا على ثوب الطب نقيا ويطهروه من بعض ما علق به من النماذج التى أعماها الطمع عن رسالتها الانسانية ..فلمصر تاريخ طويل فى مجال الطب يمتد لآلاف السنين فمفهوم الرعاية الطبية جاء من مصر القديمة .. كان معظم المعالجين من الكهنة ومع مرور الوقت ظهرت مهنة الطب ونتيجة لسمعتهم سعى ملوك وملكات العالم إلى الأطباء المصريين قديما كما تسعى معظم دول العالم اليوم للطبيب المصرى .


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة