هالة العيسوى
هالة العيسوى


من وراء النافذة

المايسترو لا يجد علاجه

هالة العيسوي

الأربعاء، 26 يوليه 2023 - 10:58 م

المايسترو الذى يقود آلات جسمك ويوجه عزف أعضائك، ويضبط إيقاع وظائفك الحيوية، بل ويتحكم فى مزاجك، وحالتك النفسية، قد يقسو عليك فيصيبك بالإحباط  والاكتئاب، وقد يدللك لدرجة الإهمال فيصيبك بالبلادة واللامبالاة، إنه الغدة الدرقية.

مستبد جدًا هذا المايسترو،  يعتز بقيمته، يعرف أنه لو غاب لا سمح الله، أو لو اختل توازنه، يضطرب الفريق كله، وتبدأ وظائفك الحيوية فى العزف النشاز، وتتخلى عن مهامها الأصلية، وتفقد السيطرة عليها.  كله مرهون بمزاج المايسترو وشخصيته.  قد يكون مصابًا بجنون العظمة، فينشط ويأتى بتصرفات مفرطة فى الحركة،  تفقدك وزنك ونضارتك مهما ارتفعت جبال الطعام التى التهمتها، تجحظ عيناك وقد تصيبك القشعريرة فى عز الحر. تتسارع ضربات القلب، وكأن طبول الحرب تتنافس داخل صدرك أيها يعلو صوتها عن الأخرى، عصبية زائدة وصعوبة التركيز والنوم وهو ما يتم تشخيصه بزيادة نشاط الغدة الدرقية. وبالعكس قد يكون المايسترو كسولًا خمولًا، يجعل نبضاتك تتباطأ  كسلحفاة، وإن كان صدى وجيبها يرج أوصالك؛ تشعر أنك تنزلق فى جب عميق.

صيفك وشتاؤك يمطران سيولًا من العرق ، تنتفخ  مثلما تنتفخ عجلات السيارة دون إرادة منك فتصبح  مثل «الرجل الأخضر» فى المسلسل الأمريكى القديم الذى تتمزق ثيابه وتتفتق كلما انتفخ؛ يزيد وزنك، مهما خفضت مقدار ما تطعمه، ولو حتى امتنعت عن الطعام، تصاب وظيفة الأيض بالشلل التام، يتم تشخيصه بأنه كسل فى الغدة الدرقية. جنون ما بعده جنون، يدمر الأعصاب، ويفسد الحياة ويحول دون القدرة على الإنتاج. 

حتى وقت قريب كنا نعرف أن النساء هن الأكثر عرضة للإصابة بأمراض الغدة الدرقية، لكن  المفاجأة أن نسبة إصابة الأطفال زادت حتى الرضع منهم، والأدهى أن التحذير الخطير الذى أطلقته منظمة الصحة العالمية، أضاف بعدًا جديدًا وهو ارتفاع حالات الإصابة بسرطان الغدة الدرقية بين الأطفال واليافعين.

المشكلة التى يواجهها مرضى الغدة الدرقية ويمثلون عُشر سكان مصر حسب جمعية الاسكندرية للغدة الدرقية خلال مؤتمرها الأول المنعقد فى 2016، هى النقص الشديد فى أدوية الغدة بنوعيها، النشطة والخاملة، ناهيك عن الارتفاع الجنونى فى أسعارها، ولاسيما المستورد منها، واستغلال بعض الشركات الجالبة للأدوية المهربة، لحاجة المرضى لهذه الأدوية واستحالة الاستغناء عنها، فيبالغون فى رفع أسعارها حتى وصل سعر عبوة  أحد الأنواع  الخاصة بقصور الغدة الى ستمائة جنيه فى حين أن سعر البديل المصرى لا يتعدى المائة جنيه، لكنه غير متوفر بشكل كاف، كما إن مفعوله لا يناسب جميع المرضى، وقد ينعدم تأثيره معهم. وزخرت وسائل التواصل الاجتماعى بمناشدات المرضى لأهل الخير بتوفير ولو علبة.

شعر بالأزمة أيضًا المرضى المشمولون بمظلة التأمين الصحي، مع أنهم أحسن حالًا وأوفر حظًا من غيرهم، لأن التأمين يوفر لهم هذه العلاجات مصرية الصنع مجانًا، لكن الكميات تقل تدريجيًا، وأصبح مريض التأمين الصحى يحصل على علاجه إما منقوصًا بنسبة النصف، أو ينتظر حتى يتوفر العلاج المطلوب له، فيحصل على حصته الكاملة متأخرة شهرًا وربما أكثر. مفهوم بالطبع أن المواد الفعالة  بالأدوية المصرية تأتى من الخارج، وهو ما يؤثر سلبًا على صناعة الدواء فى مصر.

انقذوا المايسترو فأدويته تستخدم مدى الحياة، ولا غنى عنها.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة