الثلاثاء، 01 أغسطس 2023 - 08:19 م

حكاية من خمسين عاماً

نجح الطالب فى الثانوية العامة علمى - أيام ما كانت علمى وأدبى فقط - المجموع بسيط جداً لم يؤهله إلا للمرحلة الثالثة والأخيرة من تنسيق الجامعات . كان النجاح أسوأ من الرسوب فى نظر أقاربه ومعارفه، فالرسوب يعنى إعادة العام الدراسى، وبمزيد من الجهد يمكنه تحقيق درجات أعلى تؤهله للالتحاق بكلية تمنحه البكالوريوس بدلاً من معهد فنى عامين يحصل منه على مؤهل فوق المتوسط .. كان صديق عمره قد التحق بكلية التجارة منذ المرحلة الأولى ويلح عليه فى الدخول إلى معهد فنى تجارى وأن يجتهد فى المذاكرة طوال عامى الدراسة ليلتحق بعدها بكلية التجارة مثله . 

الأب خريج الكُتاب والذى يجيد القراءة والكتابة دون أن يحصل على أى مؤهل كان حافزا للمنافسة وابنه وصديقه يطالعان دليل مكتب التنسيق على صفحات المعاهد الفنية التجارية التى يمكن أن يدونها فى استمارة الرغبات . 

أمسك الأب بالدليل وبدأ يطالع صفحات المعاهد الفنية إلى أن وقع بصره على معهد فنى للأسنان وآخر للبصريات . 

طلب الوالد منهما إيضاحا عن دور هذه المعاهد وطبيعة العمل المؤهلة له شهادتها . 

شرحوا له أن معهد البصريات يتيح لصاحبه افتتاح محل لبيع النظارات والقانون يشترط أن تكون الرخصة باسم خريج المعهد أو أن يعمل فى شركة  « هابى » لانتاج النظارات الطبية - وطبعا لا أعرف ما مصيرها الآن - أما معهد الأسنان فيتيح لصاحبه الحصول على ترخيص بإنشاء معمل للاسنان ولا يشترط أن يكون فى محل أو دكان بل ممكن فى شقة صغيرة ولو من غرفتين . 

تاهت ولقيناها.. هكذا قال الوالد وهو مع ابنه  «اللايص» وزميله «الهايص».. وأردف الأب إذا كان على الشقة، البيت ملكنا والشقق كثير واستطيع تجهيزه لك بأي معدات من الآن حتى تتخرج بعد عامين توكل على الله يابنى واكتب هذا المعهد رغبة أولى فى الاستمارة . 

والولد كأنه ماصدّق طلب ابيه ونفذ ماطلبه، وخلال عامين كانت الشقة قد بدأ تجهيزها وتم استصدار الترخيص اللازم لانشاء المعمل وفى أقل من ثلاثة أعوام انفتحت أبواب الرزق أمام الابن ليحقق دخلاً معتبراً ما كان فى حسبانه ولا فى حسبان أبيه صاحب المقترح ولا أيضا زميله المحاسب الذى التحق بوظيفة حكومية . هى حكاية منذ زمن فات يبلغ نصف قرن، لكنها صالحة لكل زمان تعلن فيه نتائج الثانوية العامة .