الباحث يتوسط لجنة الإشراف والمناقشة
الباحث يتوسط لجنة الإشراف والمناقشة


منى نور تكتب : دراسة فى جامعة بغداد عن أرمن مصر فى العصر الفاطمى والأيوبى

أخبار الأدب

الجمعة، 04 أغسطس 2023 - 01:03 م

تعد دراس الأديان والأمم وتاريخ الشعوب، من الضرورات فى مجال البحث العلمي، هذا ما لفتت إليه دراسة تقدم بها الباحث مصطفى محسن كاظم إلى مجلس كلية الآداب، جامعة بغداد وحصل عنها على درجة الدكتوراه فى فلسفة التاريخ الإسلامي، وكانت دراسته عن «أرمن مصر فى عصرى الدولة الفاطمية والأيوبية «358/648هـ - 968/1250م» دراسة فى أحوالهم العامة وأشرف عليها د.صباح خابط عزيز.


فى مستهل عرضه أوضح الباحث أن دراسة حياة العامة للأرمن وما يترتب عليهم من تاريخ ومفاهيم وعقائد تاريخية من دين وحضارة وسياسة، تدفعنا إلى التعرف على نشأتهم وجذورهم وديانتهم وهجراتهم وحضارتهم، وأبرز اسهاماتهم فى مصر.

اقرأ ايضاً| سفارة للمعرفة بجامعة المنصورة


حظى الأرمن بأهمية كبيرة ومكانة عظيمة فى الدولة الفاطمية وما نالوه من تسامح، الذى أدى إلى بروز دورهم بشكل كبير فى أغلب أجهزة الدولة الإدارية والسياسية والحضارية، فكان منهم الوزراء عمال الدواوين، وولاة الأقاليم، والكُتاب فكان عصر فى وقت الدولة الفاطمية العصر الذهبى.


وقبل حكم الدولة الفاطمية لمصر، كان دور الأرمن قائما فى مصر منذ زمن بعيد، ومارسوا نشاطهم المالى والتجارى والحياتى بدون خوف تحت السلطة الإسلامية.


وتكمن أهمية الدراسة فى أن الحضارة العربية الإسلامية هى حضارة تكاملية إنسانية أخلاقية نابعة عن شريعة سماوية.


قد جائت الدراسة فى أربعة فصول، كان الأول عن أصل الأرمن ونشأتهم وتاريخهم  وفيه أوضح الباحث أن الأرمن استوطنوا المناطق الجبلية المرفعة والوعرة، بين هضاب آسيا بين بلاد فارس والعراق وبلاد الشام، فكانت أول دولة فى أرمينية، وقد تأسست على أراضيها دولة أورارتوا، أو أورارتوو، وأطلقوا على أنفسهم اسم الأرمن، وسموا بلادهم أرمينيا، وعرفت عند الآشوريين باسم أرارتوا، وعند الأكديين باسم أوراشتوا، وأطلق عليهم اليهود أهل آرارات، كما أطلق على بلادهم فى التوراة أرمينيا.


سميت أرمينية، نسبة إلى الأرمن، وأن أسماءهم يجب أن تنتهى بكلمة «يان» ومن لا يحمل كلمة «يان» فى لقبه أو فى اسمه، لا يعد أرمينيا.

نشأة الأرمن

شهدت أرمينية ومنذ أقدم عصور التاريخ استيطان أجناس وأقوام متعددة، قبل الميلاد استوطنها جيل تطلق على نفسه اسم الأرمنى أو الأرمن أو هاييك، وعرفت باسم دولة بنى هاييك نسبة إلى هايك أبو الأرمن (2017 قبل الميلاد)، وامتد نفوذها إلى الموصل، إذا شكلوا خطرا على الدولة الآشورية مما جعل الآشوريين فى حالة حرب دائمة معهم، ثم تمكنت الدولة الآشورية من القضاء عليهم، ثم حكمهم الاسكندر المقدوني، ثم تفككت البلاد بعد وفاته، ثم الملك الأرمنى الملقب ديكران من توحيد البلاد تحت حكمه فوصلوا إلى ذروة الرقى السياسى والاقتصادى والاجتماعى إذ أسس امبراطورية من الموصل حتى بلاد الشام.


اللغة الأرمينية

الأرمن يكتبون بالأعم الأغلب والأكثرية بالعربية والرومية لقربهم من تلك البلدان، وكانت الطقوس والتراتيل الكنسية والمؤلفات المسيحية تكتب بالحروف السريانية واليونانية.


اللغة الأرمينية تعد مزيجا من لغات عدة، ومنها الكرج. وامتاز الأرمن بوجود لغة خاصة بهم، واحتفظوا بنقاوتها الأصيلة فى مجالى اللغة والأدب، ونتيجة لتطور اللغة الأرمينية أصبح عدد حروفها 36 حرفا.


فأخذ الأرمن بترجمة المخطوطات ونسخها من اللاتينية والفارسية والأثيوبية إلى الكتابة الأرمينية خاصة الأعمال الأدبية والفلسفية لأفلاطون وأرسطو، كما وجد أكثر من 300 مخطوطة من أعمال آباء الكنيسة.


وفيما يخص الديانة، فإن الأرمن يمتلكون الهوية المسيحية ولم يكن الدين عائقا بين العرب والأرمن، وأكد ذلك المؤرخ الأرمنى «ليو».


وجاء الفصل الثانى من الدراسة عن الحياة الدينية للأرمن فى مصر، إذ أن العمق التاريخى للأرمن يبدأ من أرمينية ذاتها، فانبثق الأرمن يسمون كنيستهم بالكنيسة الرسولية الأرمينية، والتى تعرف اليوم بالكنيسة الأرمينية الغريغورية الرسولية، وتميزت بأنها منفتحة على الكنائس الأخري، وتسعى للوحدة بين الكنائس المسيحية.


حافظ الأرمن فى مصر على المبانى القديمة، وفى مقدمتها كنيسة القديس جريجور المنور، التى تمتاز بالفسيفساء والزخارف ذات التصاميم الرخامية، وتعددت الكنائس ولم يقتصر وجودها فى الاسكندرية وحسب، بل شمل وجودها فى أسيوط ودمياط والصعيد وكنيسة ميناس فى القاهرة، حتى أن الجغرافى ياقوت الحموى أحصى الكنائس الأرمينية فى مصر فبلغت خمس وسبعين كنيسة وامتازت الكنائس بالألوان الزاهية والصور والمنمنمات الجدارية المرسومة، والتى يظهر فيها الفنان الأرمنى المبدع من الأشكال المعمارية والحركات الفنية الرائعة، والتى تمثل الماضى وحداثة الفن الكنسى فى مصر.


وكان للتسامح الدينى وحرية العبادة التى تنعم بها الأرمن فى مصر أثر فى تعدد الأديرة وتشييدها.


وصاحبت الكنيسة الأرمينية فى مصر بعض الاضطرابات السياسية وحالات عدم استقرار انعكست تلك الصراعات السياسية والعرقية، تأثيراتها المباشرة على الأرمن فى وقت زوال الدولة الفاطمية وظهور الدولة الأيوبية.


كان الأرمن المصريون المنضوون تحت مسئولية الدولة، يسير شئونهم الخاصة والعامة السلطة الإسلامية، فقد مارسوا نشاطهم المالى والتجارى والحياتى من دون خوف وبلا عائق، فتمتعوا بجانب كبير من الحرية والتعبد والاعتقاد.


وضمت مصر فى العصرين الفاطمى والأيوبى العديد من العلماء والمفكرين والأدباء، فأصبحت مركزا للعلم والعلماء على سبيل المثال: عبدالله بن يونس الأرمني، أبا عبدالله عيسى بن مالك بن شمر الأرمنى من النبلاء الأرمن.


وجاء الفصل بعنوان «الحاية الاجتماعية والحضارية عند الأرمن فى مصر فى العصر الفاطمي»، كان للمرأة الأرمينية حضور مميز، إذ عملت بقصور الخلفاء والوزراء، فكان المسلمون يعاملوهن معاملة حسنة ويوفرون لهم المأكل والملبس، ووضعت الكنيسة الأرمينية بعض التشريعات بحق المرأة ومنها حق الزواج.


وفيما يخص الفن، فإن فن الزخرفة رافق فن العمارة فى مصر، فزينت واجهات بيوت وجدرات الأرمن من الخارج مثل مدينة سخا، الأمر الذى ترك أثره على الفن العربى الإسلامى فى مصر فأخذت أشكال البيوت والأبواب والشبابيك وبعض الرسومات من الفن الأرمني.


وكانالفصل الرابع والأخير عن الحياة السياسية للأرمن فى مصر وفيه ذكر الباحث أن شجر الدر تعد إحدى أشهر النساء الأرمينيات الحاكمات فى العصر الإسلامى بمصر، ولقبت بعصمة الدين أم خليل، تمكنت هذه المرأة من السيطرة على عرش مصر، نهاية العصر الأيوبي، وواجهت الأهوال والمحن حول عرش السلطنة الشيء الذى زاد من دهائها السياسي.


وقد توصل الباحث فى بحثه المستفيض إلى أن أرمن مصر من خلال هجراتهم وحياتهم وأعمالهم واهتماماتهم العامة والخاصة فى مصر ووظائف رجالهم من الجانب الدينى والاجتماعى والاقتصادى والإدارى والسياسى فى عصرى الدولة الفاطمية والأيوبية: أن تاريخ الأرمن شهد أهم حدثين تاريخيين هو اعتناقها المسيحية عام 301 بعد الميلاد، دينا رسميا للدولة، واختراع الكتابة واللغة الأرمينية الخاصة بهم.

ست هجرات

كما أن تاريخ الأرمن شهد ست هجرات مستمرة إلى مصر، إذ عاش الأرمن مع المصريين، علاقات مترابطة من التفاهم والود والوئام، منذ القرون الأولى قبل الميلاد، وأن هجرة الأرمن إلى مصر كانت قبل الفتح الإسلامي، وقد تكونت هذه الجالية نتيجة ظروف جغرافية أرمينية الطاردة للسكان أولا، ولهيمنة الجبال والتلال والصخور على أغلب مناطقها السكنية، إذ توجهوا إلى مناطق الشرق الأدني، فكانت مصر عامل جذب على امتداد تاريخها الطويل.


وأكد الباحث أن الأرمن عاشوا فى مصر أيام الدولة الفاطمية بالتسامح الدينى والسياسى والإدارى والاقتصادي. إذ سمح خلفاء الفاطميين لأهل الذمة عامة والأرمن خاصة، أن يتمتعوا بمكانة مرموقة لديهم، فتطور الأرمن وحققوا مستوى معيشيا معتبرا، وأثروا وتأثروا بعمق بالمجتمع المصري، حيث كانوا يتقنون الصناعة والتجارة والبناء والفنون العامة، وأتقنوا صناعة الملابس والمنسوجات والجلود عامة.


فى العصر الأيوبى تعرض الأرمن إلى مضايقات إدارية وسياسية ومالية، إذ إن الدولة الأيوبية كانت حريصة على تثبيت حكمها فى مصر من تنظيم الأمور قدر المستطاع وبأى صورة كانت، ومن خلال حساسية الوضع الأمنى والخطر الذى سيطر عليهم فى عهد صلاح الدين الأيوبي، ومن خلال الحوادث والتغييرات السياسية، حملهم إحساسا بالمحافظة على أنفسهم من التطرف الأيوبي.

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة