صورة الجريمة
صورة الجريمة


حكاية جريمة| جثة فى «التلاجة»

سرحان سنارة

الأحد، 06 أغسطس 2023 - 11:31 م

توسطت الشمس كبد السماء وسيطر القيظ الشديد على الدنيا، درجات الحرارة تجاوزت الـ40، رطوبة تفوق الوصف، هرب الأهالى من تحت أشعة الشمس وقيظها القارس والحارق والخارق إلى منازلهم، الشارع يبدو شبه خال من المارة، إلا القليل ممن اضطرتهم الظروف إلى الشارع، وآه من الشارع عندما يصبح مأوى، لمن لا مأوى له، الشعور بالضيق من ارتفاع الرطوبة والعرق الغزير والملل الأغزر تسيطر على الجميع المكان والزمان، لا أحد يطيق الآخر من شدة الحر والرطوبة وتلوث الهواء بسبب عادم السيارات، هكذا تغير صيف الإسكندرية عروس المتوسط فى أواخر يوليو. 

«رائحة الموت» فاحت سريعًا وأزكمت الأنوف وقضت مضاجع سكان شارع الترعة المردومة بحى أبو سليمان الشعبى فى الإسكندرية، فلا أحد يمكن أن يخطئ تلك الرائحة الكريهة لتحلل «الجثث».

 حاصرت سيارات الشرطة والإسعاف عقار قديم وسط الشارع بعدما تسلل الفزع والقلق إلى قلوب قاطنيه فأبلغوا الشرطة:» الحقونا.. فى رائحة كريهة مصدرها الشقة المجاورة»، انقلبت الأمور رأسًا على عقب. بالتأكيد هناك جريمة بشعة يحاول الجميع جاهدًا كشف غموضها. تبدل الحال، تجمع الأهالى من كل حدب وصوب، أعينهم ترقب، وألسنتهم تسأل: «ماذا حدث؟»، الكل منتظر ما ستعلن عنه معاينة الشرطة بعد فتح باب الشقة ومعرفة مصدر الرائحة الكريهة، فكانت الصدمة والمفاجأة «جثة فتاة فى الثلاجة».

انطلقت صرخات النسوة وسيطر الهلع والفزع على الأهالى خاصة الأطفال والنساء ليسوا مصدقين ما حدث، داخل شارع الترعة المردومة تجمع الأهالى واكتظ المكان بالسكان، ثوان ويحضر رجال المعمل الجنائى والنيابة ينتظران الجثة ويرفعان البصمات ويهبط الرجال حاملين شنطة بلاستيك كبيرة الحجم تحتوى على جثة فتاة قضت أياما تجلس القرفصاء داخل ثلاجة الطعام والمشروبات تنتظر قدرها المحتوم .... قبل فترة قليلة تعرف «أبو العربى» صاحب الـ 31 عامًا على «آية» التى تصغره بسنة واحدة، تطورت علاقتهما سريعًا، ولم تتردد آية فى ترك منزلها فى كرموز وتقيم معه فى شقة بشارع الترعة المردومة.

عاشا معاً كالأزواج، دون عقد رسمى أو عرفى، لم يكترثا فى علاقتهما غير الشرعية، بنظرات الجيران أو كلام الأهل، تعلم آية جيدًا أن أبو العربى يتعاطى المخدرات وله سجل إجرامى بقسم شرطة الرمل ثان، ويعلم «أبو العربى» أيضًا ماضيها.

ارتضى الطرفان هذه الحياة التى يرعاها الشيطان ويزينها ويحببها لهما، مخدرات وعلاقة محرمة وأشياء أخرى، دون وازع أو ضمير، حياة لا تعرف إنسانية أو دينا، حياة تملؤها الخطايا والتردى الأخلاقى... وبمرور الأيام تسلل الشك رويدًا رويدًا إلى عقل أبو العربى حتى سيطر على فكره ولم يعد قادرًا على التخلص منه، ليصور له أن «آية» تخونه وتقيم علاقات غير شرعية مع رجال آخرين غيره، وازدادت شكوكه عندما حاولت «آية» سرقة مبلغ مالى والمواد المخدرة التى يتعاطاها.. وفى اليوم الموعود، انسحبت أشعة الشمس رويدا رويدا وحل محلها خيوط الليل حتى بسط الليل نفوذه على الوجود وتحول المكان الى ظلام مخيف، بدأ «أبو العربى» كعادته فى تعاطى مخدرى «الأفيون» و«الشابو»، وبجواره جلست «آية»، لا تعلم ما يدور فى عقل صديقها أو عشيقها.. مواجهة عنيفة ومشادة نشبت بين العشيقين بعدما قرر أبو العربى مواجهتها بعلاقتها برجال آخرين ومحاولتها سرقتها، نفت «آية» ما قاله، لكنه فات الآوان، فالانتقام أعمى قلبه ومصيرها حدده مسبقًا مع الشيطان الذى تملك عقله وإرادته... أنسى الشيطان أبو العربى كل ما كان بينهما، لم يفكر، أو يحن قلبه، استل «مطواته» وسدد طعنات نافذة وقطعية إلى جسد «آية»، تعالت صرخاتها، مستغيثة بمن ينجدها، لم يستجب أحد، كتم أنفاسها واستجاب لنداء الشيطان واصل الأخير جريمته وانهال عليها بالضرب فى كل أنحاء الجسم لم يرحمها أو يستجب لتوسلاتها، فارقت الحياة، ولفظت أنفاسها الأخيرة، تحت قدميه وسط بركة من الدماء.

لحظات صمت رهيب سيطرت على الوجود، توقفت عندها عقارب الساعة، وقف «أبو العربى» أمام جثة صديقته وحبيبته الغارقة فى الدماء، ليس ندمًا على ما اقترفته يداه، أو حنينًا إلى ما كان بينهما، بل يفكر ويبحث ويخطط كيف يخفى الجثة؟ حتى لا تفتضح جريمته ويتم القبض عليه ويلقى مصيره على حبل المشنقة جزاء ما اقترفت يداه... «محمد» أو «فله» كما يناديه «أبو العربى» وباقى أصدقائهما كان أول من جال فى ذهنه، فهو له سجل إجرامى ومسجل «مخدرات» بقسم شرطة الرمل ثان، فهاتفه سريعا: «هات لى مروحة وأكياس كبيرة وتعال لى الشقة».

غدر وانتقام وبشاعة فى التخلص من الجثة، ظن «أبو العربى» أن أحدًا لن يكشف جريمته، وقرر أن يلف الجثة بأكياس بلاستيك ويضعها داخل كيس كبير يشبه «الجوال» ويغلق عليها «الثلاجة»!

خطط المتهم جيدًا لجريمته، واستعان بصديق ثان يدعى «القاضى» 36 سنة، وقاما معا بوضع الجثمان داخل تلك الأكياس فى وضع القرفصاء والاحتفاظ بها داخل ثلاجة المنزل.
وخوفًا من تعفنها وانتشار الرائحة الكريهة وضع المتهم المروحة التى أحضرها له صديقه على وضع التشغيل، لمنع انتشار الرائحة الكريهة، معتقدًا أنه بذلك لن تكتشف جريمته إلى الأبد. 

عَبقت الرائحة الكريهة المكان، بعدما نسى المتهم ما يمكن أن تفعله درجات الحرارة الشديدة وانقطاع الكهرباء المتكرر عن الثلاجة والمروحة.

لا حديث ولا أمر يشغل الجميع فى شارع الترعة المردومة سوى العثور على جثة فى الثلاجة، وفى وقت قصير نجح فريق البحث الجنائى بمديرية أمن الإسكندرية فى الإجابة عن السؤال الأبرز «من الجانى؟».

تجمعت خيوط الجريمة البشعة وبدأت تتكشف واحدًا تلو الآخر أمام ضباط المباحث بدءًا من علاقة المتهم بالمجنى عليها وإقامتها معه، وصولًا إلى قتله لها انتقامًا منها لشكه فى سلوكها ومحاولتها سرقة أمواله ومخدراته وصولًا إلى كيفية تخلصه من جثتها بمساعدة صديقيه.

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة