صورة موضوعية
صورة موضوعية


«الألبينو».. ملائكة تحرقها الشمس

آخر ساعة

الأربعاء، 09 أغسطس 2023 - 07:13 م

■ كتبت: علا نافع

ملامح ملائكية تخطف الأنظار، عيون شفافة تميل إلى اللونين الأزرق أو الأخضر، بشرة بيضاء كأنها قطع من الثلج، نمش يغطى ملامح الوجه، أشخاص يخافون أشعة الشمس وحرارتها العالية، لا يعبأون بدرجات الحرارة المنخفضة أو برودة الأجواء، فمشكلتهم الأكبر الحر والرطوبة الزائدة التى يعانون منها بقسوة فى أيام الصيف، يرتدون قبعاتهم ويحكمونها فوق رؤوسهم كى تحميهم من عدوهم اللدود. أما ملابسهم فهى شبه شتوية لا يتخلون عنها طوال العام، عيونهم المتميزة تستقر خلف نظاراتهم الشمسية فلا تفارقهم أبدًا، فهم الأكثر عرضة للإصابة بسرطان الجلد والعمى، ينتظرون الليل ليمارسوا حياتهم دون خوف، إنهم أبناء الألبينو أو أعداء الشمس.

◄ الأساطير القديمة تؤكد قدراتهم الخارقة

◄ الصيف عدوهم الأول.. وسلاحهم النظارات الشمسية والكريمات

لا تتوقف الأساطير المنسوجة حول قدراتهم الخارقة وحظوظهم العالية، وهذا ما يجعل بعض القبائل الأفريقية بتنزانيا وبورندى تقبل على قطع أعضائهم بعد وفاتهم اعتقادًا منهم بأنها تجلب الحظ، أما السيدات المصابات بذلك المرض فيتعرضن للاغتصاب والقتل أحيانا لإجبارهن على ممارسة الجنس بهدف التشافى من مرض الإيدز والحصول على طاقة جنسية عالية، ما جعل الأمم المتحدة تخصص «12 يونيو» يومًا عالميًا للتوعية به بل وفتح المجالات المختلفة للإبداع أمام أصحابه بكافة الدول.

ويعد «المهق» مرضًا مناعيًا ناتجًا عن خلل فى بعض الجينات المسئولة عن إكساب الجلد لونه الطبيعي، أو غياب نسبة الميلانين المسئولة عن لون العينين والشعر وحماية الجلد من الإصابة بالسرطانات وحروق الشمس من الدرجات الخطرة، لا يفرق بين رجل أو امرأة فتشخيصه يبدأ منذ الولادة، إذ إن علاماته تكون شديدة الوضوح، وهذا ما يجعل بعض الأسر فى ذهول وصدمة، فإلى الآن لم يتوصل الطب لعلاج قاطع له رغم ادعاءات بعض شركات الأدوية ابتكار علاجات فعالة لكنها لم تثبت قوتها الحقيقية، كذلك بدعة العلاج بالأعشاب الموجودة بالدول الفقيرة.

لا توجد إحصائيات واضحة إلى الآن عن أعدادهم فى مصر أو الآثار النفسية التى يصابون بها نتيجة للتنمر والعنف المحيطين بهم، فأغلبهم تم ترجمته، وكذلك لا توجد مدارس مختصة لتعليمهم مما يدفعهم للالتحاق بمدارس المكفوفين وضعاف البصر لضعفهم البصرى الشديد وصعوبات التعلم التى يعانون منها.

◄ تنمر وعنف
ورغم ملائكيتهم الشديدة فإن نظرات التنمر لا تكف عن ملاحقتهم، فضلًا عن ظروفهم الصحية الصعبة التى قد تؤدى بهم للموت المفاجئ، والأهم عجزهم عن إيجاد فرص عمل تتناسب مع أوضاعهم الصحية إذ يتوجب عليهم العمل بعيدًا عن الشمس والمداومة على كريمات الوقاية من أشعتها التى تضاعفت أسعارها فى الآونة الأخيرة وبات من الصعب على معظمهم شراؤها.

يقول أحمد فرج (28 عامًا): يتعرض مرضى الألبينو للتنمر والعديد من المضايقات وهذا ما يجعلنا خجولين ونتجنب الاختلاط مع الآخرين، فضلًا عن الميل للعنف كوسيلة من وسائل الدفاع عن النفس، إذ إن المجتمع يعتبرنا فئة من ذوي الاحتياجات الخاصة ولا نستطيع إنجاز أى أعمال تكلف لنا، مشيرًا إلى أن أغلب الألبينو يمتازون بذكاء خارق ونشاط. أما المعاناة فهى بسبب ارتفاع أسعار كريمات الوقاية من أشعة الشمس فإهمال وضعه يعرض البشرة لسرطانات الجلد والوفاة المفاجئة، فسعر العلبة يتراوح بين 300 و400 جنيه، وهو ما لا يتناسب مع دخول كثير من العائلات، مؤكدًا أن الدولة لا تهتم بدعم تلك الفئة أو تدرجهم فى منظومة التأمين الصحى أو حتى توفر لهم ماسكات الوقاية من الشمس والنظارات المناسبة.

ويشير إلى أنه وجد صعوبة فى إيجاد فرصة عمل تتناسب مع مؤهله العلمى كخريج كلية التربية، ما جعله يتنقل بين أكثر من عمل، واستقر على تدريس مادة اللغة العربية للطلاب بمنازلهم وتقاضى أجر زهيد.

◄ اقرأ أيضًا | لمواجهة التنمر| «محمود» يصالح «الألبينو» على الشمس!

◄ ألبينو مصر
أحمد أسعد، مؤسس أول صفحة لألبينو مصر على «فيسبوك»، شاب من مدينة أسوان التى تمتاز بسمار اللون، ما جعل لونه شديد البياض محط تساؤلات الآخرين منذ ولادته وحتى تخرجه فى الجامعة، وهذا عرضه للكثير من التنمر إلا أن وعي أسرته بالمرض ودعمهم النفسي له خاصة مع دخوله المدرسة وبدء اختلاطه مع أقرانه ساعده فى التغلب على مشكلته النفسية وهداه للتفكير فى إنشاء صفحة تكون بمثابة تجمع ومكان التقاء للألبينو.

يقول أحمد: يعد هذا المرض نادرًا وينتج عن غياب الميلانين المسئول عن لون الجلد والعينين والشعر وحمايته من أشعة الشمس فوق البنفسجية، وهؤلاء المرضى أكثر عرضة لحروق الشمس الخطرة وسرطانات الجلد، فضوء الشمس يسبب لهم ألمًا شديدًا وحكة لا تزول، والألبينو من الحالات النادرة لكنها فى زيادة، فبحسب منظمة الصحة العالمية يصيب هذا المرض شخصًا من 20 ألف شخص فى أوروبا وأمريكا الشمالية، وهناك حالة من بين كل 15 ألفا فى أفريقيا.

ويضيف: يعانى الألبينو معاناة شديدة خاصة فى فصل الصيف مع ارتفاع درجات الحرارة وعدم قدرتهم على الخروج وممارسة حياتهم بشكل طبيعى، فارتداء القبعات الشمسية ووضع كريمات الشمس يخفف من تأثيرات الأشعة المباشرة لكنه لا يحد من تأثيراتها، وهنا تظهر مشكلة ارتفاع أسعار الكريمات مؤخرًا فسعر العلبة يتراوح بين 350 و600 جنيه، ومن لا يملك القدرة المادية على شرائها قد يتوفى نتيجة الحروق الخطرة.

وعن المشكلات التى يعانون منها يقول: لاشك أن التنمر الذى يتعرض له الألبينو بكل مكان يؤثر فى حالتهم النفسية ويدفعهم للانعزال، بخلاف معاناة أطفال الألبينو خلال المراحل الأولى من التعليم بسبب الجهل بوضعهم الصحى وضعف الإبصار لديهم فأغلبهم عند الولادة يعانى قصر النظر، وحتى الآن لا يوجد إحصاء بأعدادهم رغم أن عددهم ليس كبيرًا، ما دفعه لعمل استمارات إلكترونية تسهل الوصول لهم وتشكِّل قاعدة معرفية عن أوضاعهم من كافة النواحى لكنه إلى الآن لم يصل لكافة الألبينو بمصر.

ويطالب أسعد الحكومة بضرورة دعم احتياجات الألبينو مثل واقى الشمس والمعينات البصرية التى تساعدهم بمراحل التعليم المختلفة لضعف بصرهم الشديد، والأهم توفير فرص العمل المناسبة لهم بأجواء وظروف لا تؤثر فى وضعهم الصحي الحرج وهى الأماكن التى لا تزداد فيها الإضاءة أو أشعة الشمس منعًا لرفع ضغط العين والإصابة بالحروق.

ويرى أن حرص الحكومة على ضرورة فحص المقبلين على الزواج قرار جيد للتعرف على المشكلات الصحية والأمراض الوراثية التى تحفز ظهور جين الألبينو أو الأمراض الوراثية الأخرى، ويحلم بتمثيل الفئة بشكل واسع سواء فى الأعمال الفنية أو بمجلسى النواب والشيوخ.

◄ فرص ضائعة
فيما تسترجع هدى نصر (28 عامًا) ذكرياتها المؤلمة بعد رفض تعيينها بعدة وظائف بحجة ضعف بصرها وعدم قدرتها على العمل لساعات طويلة رغم كفاءتها ومؤهلها العالى، ما دفعها للعمل كمندوبة توصيل لإحدى شركات التجميل، فباتت تتعرض لأشعة الشمس الحارقة وارتداء ملابس شتوية طوال العام لكن بعد عدة شهور اضطرت لترك العمل وأصيبت باكتئاب، وقررت الانعزال تمامًا عن الناس.

وبعد محاولات عدة من الأهل قررت هدى الخروج للعالم الموحش على حد تعبيرها والتوعية بمرضها سواء عن طريق منشوراتها على «فيسبوك» أو ندوات الجامعات المختلفة، والقضاء على الأفكار المغلوطة مثل أنهم لا يعيشون حياة طويلة، أو غير قادرين على الإنجاب، ففى الحقيقة أنهم يتزوجون وينجبون أطفالًا أسوياء فى كثير من الحالات، كما أن مرضهم غير معدٍ. وتأمل أن تهتم الدولة بهم وتصرف لهم الفيتامينات المناسبة التى تعوض نقص تعرضهم للشمس.

◄ صبغة الميلانين
ويقول الدكتور هاني الناظر، رئيس المركز القومى للبحوث الأسبق واستشارى الأمراض الجلدية: يعد المهق مرضًا وراثيًا وينتج عن غياب أو نقص صبغة الميلانين بالجلد فزيادته تكسب الجسم درجة سمار عالية، أما غيابه فيزيد من فرص الإصابة بسرطانات الجلد وحروق الشمس الخطرة، ما يجعل المصابين به لا يتعرضون بشكل مباشر وطويل لأشعة الشمس، وتزيد معاناتهم بفصل الصيف مع ارتفاع درجات الحرارة. كما تتأثر عيونهم بمضاعفات المرض فأغلبهم يصاب بما يعرف بـ«رأرأة العين»، وهى تحرك الحدقية بشكل سريع وغير ثابت، فضلًا عن الحول وقصر النظر، وحتى الآن لم يتم اكتشاف علاجات قاطعة للمرض.

وحول كيفية الحد من الآثار الصحية للمرض يؤكد ضرورة ارتداء النظارات الشمسية ووضع كريمات واقية من الأشعة فوق البنفسجية مع ارتداء العدسات اللاصقة الملونة التى تقلل من حدة الأشعة المباشرة.

◄ مرض مناعي
أما الدكتور سعيد فتوح، استشاري الأمراض المناعية والبكتيريا فيقول: لا يوجد سبب قوى للإصابة بهذا المرض لكن تظل مشكلة زواج الأقارب واحدة من محفزات الإصابة به، كذلك وجود جينات وراثية تحتمل الإصابة، ورغم كونه مرضا نادرا فإن نسبته تتضاعف فى بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مشيرًا إلى أن المصابين بهذا المرض تتضاعف لديهم احتمالية فقدان البصر والتهابات العين إضافة لسرطانات الجلد، بخلاف خطر الوفاة المبكرة. مؤكدًا أن الوقاية من أشعة الشمس أفضل طريقة لمنع الإصابة بسرطانات الجلد مع استخدام الأقنعة والنظارات الشمسية والأهم علاج الآثار النفسية السلبية للمرض سواء الخجل أو الرغبة فى الانعزال.

◄ اكتئاب وعزلة
أما الطبيب النفسى الدكتور أحمد أبوزيد، فيقول إن هؤلاء المرضى يعانون انعدام الثقة بالنفس والرغبة فى الانعزال عن محيطهم، فضلًا عن خجلهم الذى قد يدفعهم للتفكير فى الانتحار وبالطبع ينتج ذلك عن التنمر الذى يتعرضون له. ويرى أن دمج أطفال الألبينو بالمدارس العادية يسهم فى علاج الأمراض النفسية منذ الصغر ويعزز ثقتهم بنفسهم، مؤكدًا ضرورة الاهتمام بهذه الفئة عبر تخصيص عيادات نفسية وخطوط ساخنة لمساعدتهم وتوفير العلاجات بالمجان أو بأسعار مخفضة.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة