مدحت عبدالدايم
مدحت عبدالدايم


مدحت عبدالدايم يكتب: نجاة الصغيرة صوت الحب ووتر الإحساس والشجن

أخبار السيارات

الثلاثاء، 15 أغسطس 2023 - 11:28 م

صوتها لا يحتجب ولا يغيبه النسيان، عصفورة الشجن الرقيقة الصادحة بأعذب الألحان، وقيثارة الهمس والدفء، وفرع الغناء الأصيل فى دوحة الطرب الشرقي، ووتر الفن الصادق والإحساس الباذخ فى وجدان الشعب العربي، صوت الحب والعطر والندى، رحيق الشجن والرقة ونبض القلوب،  إنها نجاة محمد كمال حسنى البابا الشهيرة بـ نجاة الصغيرة المولودة بالقاهرة فى 11 أغسطس 1938 لأب سورى الجنسية وأم مصرية، نشأت فى أسرة فنية تعشق الخط العربى والرسم والغناء والتمثيل والتلحين والعزف، ونمت بين ثمانية أشقاء وشقيقات من أبيها وأمها، أبرزهم الملحن عز الدين حسنى الذى تكفل بتدريبها على الموسيقى، والعازف سامى عز الدين، بالإضافة إلى ثلاث شقيقات من والدها أبرزهن سندريلا الشاشة الفضية سعاد حسني، ولم يكن غريبًا أن تلقب الطفلة "نجاة" من قبل المفكر فكرى أباظة بـ "المعجزة الصغيرة" لصغر سنها، ونحول جسدها، وتمييزًا لها عن نجمة الغناء فى ذلك الوقت المطربة "نجاة علي" ولحفظها أغنيات أم كلثوم عن ظهر قلب، وشدوها بقصيدة "سلوا قلبي" وهى دون السادسة، لتنال استحسان الحضور بمسرح معهد الموسيقى العربية، وحين شاهدتها كوكب الشرق أثنت على موهبتها المتفردة، وفور رؤيتها قرر الموسيقار محمد عبد الوهاب تبنى موهبتها، واستطاعت بمثابرتها وإرادتها القوية مواصلة مسيرتها الفنية وأن تشق طريقها الصعب لتجد لنفسها مكانًا يليق بفنها وصوتها المتفرد، لتبلغ ذروة المجد فى خمسينيات وستينات وسبعينات القرن العشرين وامتد عطاؤها الفنى زهاء خمسين عامًا، قبل أن تقرر الاعتزال فى 2002 ثم تعدل عن قرارها فى 2017 ولتظل نجمة الطرب التى لا يحجبها بُعد ولا يواريها غياب.

وصف الشاعر كامل الشناوى صوتها بـ "الضوء المسموع" أما قصتها مع السيارات فتشوبها الأحزان والذكريات المؤلمة، ففى أواخر الخمسينات اصطدمت سيارة زوجها المهندس كمال منسى برصيف وسور إحدى العمارات، وكانت تجلس إلى جواره، أثناء محاولته عدم الاصطدام بسيارة مسرعة، ونجت من موت محقق، لكنها عانت متاعب نفسية مبرحة جراء وفاة طفلة تصادف مرورها بمنطقة الحادث، وفى عام 1965 لقيت شقيقتها الجميلة "صباح" حتفها فى حادث سيارة فى سن العشرين، وقبل أن تشق طريقها إلى عالم السينما، وقد دفعت تلك الملابسات الفنانة الكبيرة للاستعانة بسائق يقود سيارتها. 

كانت مرحلة تقليد أم كلثوم فى طفولتها بمثابة تمرين كبير لصوتها، وحين بلغت من العمر 16 عامًا، أحست بضرورة الانتقال إلى مرحلة فنية جديدة تغنى خلالها أغنياتها الخاصة، وكانت أغنية "ليه خلتنى أحبك" بداية انطلاقتها الحقيقية نحو التفرد، لذا فهى تعترف بأن كل ملحن ممن تعاملت معهم أمدها بما يميزها، وأن كمال الطويل نجح فى تكوين شخصيتها، إلى جانب بليغ حمدي، أما عبد الوهاب فكان كمن وجد صورة جيدة فأضاف إليها بعض الرتوش ووضعها داخل برواز يليق بها، والمتأمل لألحان كمال الطويل لها يلمس ذلك عن قرب، كما هو الحال مع ألحان: "ليه خلتنى أحبك، عيون الحليوة، الشوق والحب، سمارة، طول عمرى أحبك، قلبك راح فين، أسهر وانشغل أنا، كلمنى عن بكره، غريبة منسية، استناني، لو يطول البعد، عيش معايا، حمد الله ع السلامة، حسب المعاد، لا تنتقد  خجلي" أما بليغ حمدى فسكب عصارة فنه داعمًا شخصية صوتها بألحان من نوعية: "سامحني، مش هاين أودعك، مسير الشمس، وح تسافر، حبك الجبار، ع الشوك ماشي، حبك حياتي، كل شيء راح، قبل هواك، سكة العاشقين، الطير المسافر، ليلة م الليالي، نسي، فى وسط الطريق، أنا بستناك، موكب حب"، ولم يكن الموجى ليتخلف عن المساهمة فى ركب نجاة الزاخر بالألحان، فقدم لها: " الليلة دي، بتقوللى باحبك من إمتى، أما براوة، إيه هوه ده، يا حنينة، ما استغناش عنك، حبيبى لولا السهر، مر هذا اليوم، عيون القلب" ومن أجمل ما تغنت به نجاة لرياض السنباطي: "يا قلبك، رباعيات الخيام، إلهى ما أعظمك" ولأحمد صدقي: "طاير يا حمام، ع الحلوة والمرة"، ولحلمى بكر: "مهما الأيام، أنا ناسية وفاكره، ما اظنش يا حبيبي، وحياة الهوى" ولمحمود الشريف: "عطشان يا اسمرانى محبة، أوصفولى الحب" وتغنت مع عبد الرءوف إسماعيل: برائعتهما "وطنى وصبايا وأحلامي"، ولسامى الحفناوي: "قصص الحب الجميلة، كل فين وفين، إلا فراق الأحباب، كل الكلام" ولهانى شنودة: "أنا بعشق البحر، بحلم معاك".

اقتحمت نجاة عالم السينما من خلال أفلام: "هدية، الكل يغني" 1947، "محسوب العائلة" 1950، "بنت البلد" 1954، "غريبة" 1958، "الشموع السوداء" 1962، "القاهرة فى الليل" 1963، "شاطيء المرح" 1967، "7 أيام فى الجنة" 1969، "ابنتى العزيزة" 1971، "جفت الدموع" 1975، كما قدمت المسلسل الإذاعى "القيثارة الحزينة" عام 1967، ويعترف الشاعر نزار قبانى بفضل ذيوع شهرته إثر تغنيها بروائعته "أيظن" فضلًا عن قصائد "ماذا أقول له، إلى حبيبي، أسألك الرحيلا" من ألحان عبد الوهاب الذى دمغ تجربتها ببصمته المتفردة من خلال أغنيات: "ساعة ما بشوفك جنبي، إلا أنت، أما غريبة، آه بحبه، آه لو تعرف، شكل تاني، ع اليادي، القريب منك بعيد، يا مرسال الهوى، دبنا يا حبايبنا، لا تكذبي" وليصفها بـ "صاحبة السكون الصاخب".

كرست خلال مسيرتها الغنائية لاحترام الجمهور، بحرصها على تقديم الأعمال المتقنة، ما يجعلها لا تقدم أكثر من ثلاثة أعمال فى الموسم لرغبتها فى تقديم أعمال تبقى فى أذهان الجماهير لسنوات طويلة، وتلفت إلى استماعها إلى أغنياتها بعين ناقدة دائمًا، وعشقها لاستماع الموسيقى بشكل عام، وآلة الكمان بشكل خاص، ودندنة مقاطع من أغنيات أم كلثوم وعبد الوهاب، ولا تخفى عشقها لصوت "فيروز" خاصة فى ألحان فيلمون وهبي، وترى أن الإحساس بالمسئولية ضرورى لاستمرار الفنان، وتقرأ كتب علم النفس، وتشعر بضيق إذا غابت عن جمهورها لفترات طويلة، ولا تخفى عشقها لمهنة التمريض، كونها حافلة بالإخلاص والرحمة والصدق، وترى أن الدولة تقدر الفن والفنانين.

وترجع قلقها الدائم قبل تقديم عمل فنى جديد إلى رغبتها فى الإجادة، وتكشف النقاب عن رائعتها "ساكن قصادي" فتقول: "إن عبد الوهاب قدمها إليها مكتملة وحفظتها فى يوم واحد" وترى أن استمرار الفنان يتوقف على قدرته على العطاء، وتكشف عن حبها للألوان الهادئة المريحة للأعصاب، وتقول أنها تواجه الإساءة بالصمت وتعبر عن نفسها بالغناء، وتخاطب به قلوب المستمعين، وتؤمن بالحكمة القائلة "حب لأخيك ما تحب لنفسك"، وتصرح بأنها لا تخلف الوعد، وتحرص على مد خيوط حريرية بينها وبين جمهورها، وتُرجع نجاح أغنياتها إلى مناقشتها ودراستها قبل تقديمها.
كل عام وأنت ملء السمع والبصر يا صوت الحب ووتر الإحساس والشجن.  

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة